يوميات الأخبار

مئوية الملك

السيد النجار
السيد النجار

٤ نوفمبر القادم.. باستطاعتنا إحياء قبلة العالم إلى مصر.. وتدق أجراس التيكرز مجددا فى جميع صحف وفضائيات العالم

الثالثة ظهرا ٤ نوفمبر ١٩٢٢.. تدق أجراس أجهزة التلغراف فى جميع صحف العالم.. انتباه. خبر خطير.. حدث مهم جلل.. اكتشاف مقبرة الفرعون الشاب.. الملك توت عنخ آمون.. المقبرة بكامل محتوياتها لم تمتد إليها يد بشر منذ ٣٥٠٠ عام.. أعظم اكتشافات القرن «ومازال حتى اليوم» سنوات عمل مضنٍ للمكتشف البريطانى هوارد كارتر وفريق العمل معه.. تنتاب العالم حالة ذهول.. يدوى اسم مصر فى أركان الأرض، المكتشف على باب المقبرة تتلاحق أنفاسه مع كل خبر جديد.. التابوت سليم وبداخله مومياء الملك.. التابوت من الذهب الخالص.. قطع نادرة.. الكثير منها من الذهب.. أهمها.. كرسى العرش.. المحتويات تكشف أسرارا جديدة عن الحضارة المصرية.. تتوالى الأخبار.. تتلقف صحف العالم الأنباء.. الحكومة المصرية تعقد اجتماعا طارئا.. الزعيم سعد زغلول يتوجه إلى وادى الملوك بالأقصر.. الحكومة البريطانية ترسل وفدا رسميا.. تتوالى وفود العالم والسائحون فرادى وجماعات.. وتصبح الأقصر قبلة العالم السياحية والأثرية ويستمر زخم الحدث لسنوات.

نحن اليوم.. باستطاعتنا إحياء القبلة مجددا الى الأقصر.. إلى مصر.. إلى نبع حضارة العالم.. وتدق أجراس أجهزة «التيكرز» مجددا فى ٤ نوفمبر القادم.. ذكرى مئوية اكتشاف الملك الشاب.. لتكون أهم حدث ثقافى وحضارى وسياحى هذا العام.

الاحتفالات −حتى الآن− حسب العالم الأثرى الدكتور زاهى حواس، تبدأ يوم ٤ نوفمبر بإعادة افتتاح منزل هوارد كارتر، بعد تطويره وإعداده كمتحف. ثم الاحتفال أمام المقبرة بمشاركة الوفود والسائحين، وفى المساء احتفالية بمعبد الأقصر بحضور ٥٠٠ مدعو.. والحدث الأهم فى اليوم التالى بافتتاح المؤتمر الدولى ويشارك فيه ٤٠ عالما.. الأشهر فى الآثار والمصريات بالعالم.. محاضرة الافتتاح للدكتور حواس يكشف فيها عن جانب من قصة غموض الملك الشاب وكيفية موته فجأة عن عمر ١٩ عاماً.. وذلك بعد بحوث باستخدام الأشعة المقطعية،، وتحليل الحامض النووى، الذى حدد عائلة توت عنخ آمون.. كما تتطرق المحاضرة الى الاكتشافات الجديدة للدكتور حواس فى وادى الملوك.. وهما مقبرتان لأول مرة من اكتشاف أثرى مصرى.

هل هذا كاف.. للاحتفال بمئوية أشهر ملوك العالم فى التاريخ.. كنت أتوقع ما هو أكثر.. وأكثر.. دعوة قادة وزعماء.. ووزراء ثقافة وسياحة.. علماء فى مختلف المجالات ورؤساء متاحف عالمية ومراكز بحوث علمية.. نجوم سينما ورياضة.. أحفاد كارتر المكتشف واللورد كارنارفون الممول للكشف.. سلسلة معارض خارجية.. أفلام وثائقية.. عرض نتائج بحوث العالم عن عطاء الحضارة المصرية للإنسانية.. فى الطب والهندسة والعمارة والفنون والفلك.. وغيرها الكثير.. والتى لم يتم حتى اليوم كشف أسرارها.

المؤسف أن أوبرا توت عنخ آمون.. أهم عمل فنى عالمى.. ما زال يتعثر.. رغم انتهاء الإعداد الكامل لها مع إيطاليا وهى من تأليف الدكتور حواس وموسيقى وإخراج أشهر فنانى إيطاليا.. ومن أداء فنانين إيطاليين عالميين.

مى زيادة.. والسوشيال ميديا

«أعرف أنك محبوبى.. أخاف الحب.. انتظرت الحب كثيرا.. وأخاف ألا يأتينى بكل ما أنتظر.. علمى أن القليل من الحب كثير.. ولكن القليل من الحب لا يرضينى».

هذه الكلمات الرقيقة العاشقة.. للأديبة الراحلة مى زيادة، التى اختطفت حوار المقهى الثقافى حول السوشيال ميديا.. كان النقاش حول تداعياتها على المشاعر الإنسانية والعلاقات الاجتماعية.. قلت ببساطة لا يمكن أن تغنى هذه الوسائل الحديثة، حتى بالحوار صوتا وصورة عبر الهاتف عن التواصل الإنسانى الواقعى الملموس وجها لوجه.. أنت مثلا.. التواصل مع أحبابك عبر السوشيال ميديا.. هل يغنيك عن وجود صورهم فى أركان منزلك.. وهل هذه الصور تعوضك عن دفء اللقاء المباشر بهم.. اتفق علماء الطبيعة والاجتماع.. أن لكل إنسان دائرة إشعاع حوله.. وتماس هذا الإشعاع بين الأحياء، لا تعوضه متعة روحية ونفسية.. إنما هو إكسير السعادة.. الإحساس الحقيقى بالأمان لا يتوافر إلا بوجود الأحباء فى مدار الإشعاع.. وهؤلاء هم من يتمتعون بأسمى معانى الحب وقيم التسامح والعطاء، والقدرة على الإلهام والإبداع. وبينما الجميع يتجاذب أطراف الحوار حول هذه المعانى. وإذ بأحد المتحاورين.. وكأنه يفند كل ما قيل.. وماذا عن مى زيادة وجبران خليل جبران.. تطاير الحديث عن السوشيال ميديا مع نسمة هواء عليل فى صيف القاهرة الحار.. وامتد النقاش ساعتين حول أشهر قصص الحب فى العصر الحديث.. قلت هذه القصة هى الاستثناء الوحيد. لم يحدث قبلهما.. وأعتقد لن يحدث بعدهما.. استثناء فريد فى تاريخ العشق والهوى.. حبيبان يظلان فى حالة وجد ولوعة ٢٠ عاما.. دون أن يتزوجا.. بل دون أن يلتقيا مرة واحدة ولم ير أحدهما الآخر أبدا.. إلا فى الصور.. أمر غريب.. عجيب، ينتابه غموض نادر، يفصح أكثر ما يخفى.. يكشف حقيقة مؤكدة. للحب أحكام خارج نطاق العقل والمنطق ولولا الثراء فى خطاباتهما الخطية، لانتابنى شك فى الرواية برمتها. هذه الخطابات التى أسست فى عالم الأدب ما سمى بأدب المراسلات. وما يثير الدهشة من هذا الحب العتيق عالم حياة كل بطل منهم.
مى زيادة.. رقيقة.. جميلة.. مبدعة.. مثقفة عربية أصيلة.. منفتحة على الغرب بإجادتها ٩ لغات.. اشتهرت فى القاهرة بصالونها الثقافى.. كان قبلة لكبار الأدباء والشعراء والساسة والمثقفين والعلماء.. والقامات الفكرية الدينية.. أعجبتهم جرأتها وشخصيتها، واستهواهم جمالها،، وأحبوا فكرها وثقافتها.. وتمنى الكثير منهم أن تبادلهم حبا بحب.. أحبها العقاد وطه حسين وخليل مطران ومصطفى الرافعى وأنطون الجميل وإسماعيل صبرى وعدلى يكن وغيرهم كثير. كتبوا عنها الروايات وأشعار العشق والغزل.. كتب العقاد.. كل هؤلاء يحبونها.. فمن تحب مى؟

جبران خليل جبران.. شاعر المهجر.. كان هو الحبيب.. الغائب عن عالمهم.. الحاضر فى عالم مى وكيانها.. التقيا فكريا وعاطفيا.. فهو أديب وشاعر ورسام هاجر من لبنان طفلا واستقر فى نيويورك نجما ساطعا على المستوى العالمى.. وما بين نيويورك والقاهرة طالت المسافة عن تسعة آلاف وتسعمائة كيلو متر. ولكن أثير الحب يلغى المسافات.. كانت الرسائل تتلاقى عبر الأطلنطى كل فى طريقه الى المحبوب.. كان حبا بعمق الأطلنطى وعنفوان وهدير أمواجه.. تلاقت الأرواح واختصرت بعد المسافات.

مات جبران عام ١٩٣١ عن عمر ٤٨ عاما.. وماتت فى مصر روح مى زيادة وإن عاش جسدها بعده عشر سنوات.. توارت.. وخفتت.. وانزوت. كانت دائما تردد.. غابت الشمس وراء الأفق ومن خلال السحب العجيبة الأشكال والألوان.. أحتمى من الوحشة باسم واحد.. جبران.. حتى توقف نبضها بالقاهرة عام ١٩٤١ عن عمر ٥٥ عاما.

عاش وحيدا فى أمريكا.. لم يتزوج على كثرة الجميلات حوله.. وعاشت فى مصر وحيدة ولم تتزوج رغم تسابق الوجهاء حولها.. كان الحب أكبر وأقوى من كل آلام الحياة.. عاشا راهبين فى محراب الحب وحطما كل مألوف.. وماتا ومعهما سرهما.. لماذا لم يلتقيا.. لماذا لم يتزوجا؟!

مصطبة نيويورك

سوق عكاظ.. أشهر منتدى تاريخى وثقافى بالمنطقة.. ندوات.. محاضرات.. أمسيات شعرية.. وكل نشاط صناعته الكلام.. لم يكن هذا هدفه منذ ٢٥٠٠ عام.. كان مكانا يلتقى فيه مشايخ القبائل عند النفير.. لمواجهة مخاطر أو غارات من قبائل معادية.. توقف.. وعاد.. مع اختلاف الهدف.. وتوقف.. وأخيرا.. منتدى للكلام.. نفس القصة مع سوق عكاظ العصر الحديث... لا حل ولا ربط.. ولا قرار.. هذا هو حال الأمم المتحدة التى تدور اجتماعات جمعيتها العامة الآن بنيويورك.. كل يقول ما يريد.. إثبات أنه موجود.. والسلام عليكم.. ومثلما ولد سوق عكاظ لمنع حروب القبائل.. ولدت الأمم المتحدة من رحم الحرب العالمية الثانية.. الهدف.. منع الحرب وإحلال السلم والأمن فى العالم.. وتأكيدا لفشلها الذريع زهقت أرواح ٨ ملايين شخص فى ٥٠ حربا ونزاعا بمناطق متفرقة بالعالم.. حالات فريدة فقط.. عندما تحاول دولة كبرى استخدام الأمم المتحدة لتحقيق مصالحها.. وعادة فى شن حروب على دول لا حول لها ولا قوة.. ترفع شعارا والأهداف خفية لمآرب أخرى والعراق مثال صارخ. لن أتجنى على الأمم المتحدة ولا هذه الدول الكبرى.. شهد شاهد من أهلها.. نيكسون الرئيس الأمريكى الأسبق.. قال: المنظمات الدولية.. سفسطة دبلوماسية، ولا يمكن أن يسمح أى قائد أن تكون بلاده رهن أهواء أى منظمة.. ينبغى علينا أن نستخدم الأمم المتحدة، لا أن تسخدمنا هى.. وأساس تحركنا فى أى مكان بالعالم حماية مصالحنا.. تشرشل رئيس وزراء بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية وقائد قوات التحالف فيها.. قال: لا تستطيع أى دولة كبرى أن تحيل قضية تمس مصالحها الحيوية للأمم المتحدة أو أى منظمة جماعية أخرى لاتخاذ قرار بشأنها.
مكلمة نيويورك.. وكلام نيكسون وتشرشل، مثلما الحال فى حديث المصطبة فى الريف جلسات للسمر.. وأحيانا مناقشة موضوع ما.. وفجأة يجدون الخفير على رأسهم.. حضرة العمدة بيقول الموضوع ده اعملوا فيه كذا.. ولا رد من الجميع معا سوى حاضر.. هكذا مصطبة نيويورك.. مكلمة وسمر.. لحين كلمة الكبير!

دعوة للتأمل

كلما نضجنا.. اكتشفنا أننا لا نريد أن نكون الأفضل.. ولا الأجمل.. ولا الأسعد.. بل نريد أن نعيش فى هدوء وراحة بال ورضا وقناعة.. وتصالح مع الذات.
«وليم شكسبير»

همس النفس

لا القرب يسعدنى.. ولا البعاد يشقينى.. لسنا ككل العاشقين.. فأنا منه وهو منى.. لا نعرف من الجزء ومن الكل.. كل خرج من مدار الحياة.. ليدور فى فلك الآخر.. قد تفرقنا الأيام.. ويظل تناسخ الأرواح.