الدورة الـ43 للمعرض العام للفنون التشكيلية.. «لوحات تبحث عن الذات»

المعرض العام للفنون التشكيلية
المعرض العام للفنون التشكيلية

هاجر علاء عبدالوهاب

حدثٌ فنى بارز تستضيفه قاعة قصر الفنون بـ دار الأوبرا، حاليًا، حيث يشارك 332 فناناً فى الدورة الثالثة والأربعين للمعرض العام للفنون التشكيلية الذى افتتح مؤخراً ويستمر لمدة شهر، تحت عنوان "ذات مصر المعاصرة".

ويضم 452 عملا فنيًا تشمل كافة المجالات والاتجاهات الفنية، وفى السطور التالية نقدم قراءة فى عملين مميزين يعكسان فكرة البحث عن الذات، ورحلة الإنسان داخل دوائر الحياة.

تميزت أعمال المعرض بالرقى والذوق الرفيع الذى يسهم فى تشكيل وجدان المتلقى ومتذوق الفن، وخلق حالة من المتعة الفريدة التى تنقلنا إلى عالم آخر من الخيال والإبداع، وتأخذنا داخل كل عمل بكل تفاصيله كمرآة لأفكار الفنانين ومعايشتهم أحلام وآمال الوطن، ونعيش مع كل عمل باختلاف طريقة التناول والتعبير عن كل هذه الأحاسيس الداخلية لكل فنان والتى تشارك فى رسم وعى المجتمع.

ومن الأعمال المشاركة فى المعرض، عمل جرافيك مكوّن من 4 أجزاء كل جزء مساحته ٦٠×٦٠ جرافيك سلك سكرين طباعة على الورق للفنانة آلاء نجم، وفيه استخدمت الدوائر الحمراء والخطوط الزرقاء، تعبيرًا عن حالة الإنسان فى الحياة، فغالبا ما ندور فى دوائر وربما يكون بداخل هذه الحياة خطوط مستقيمة أو متعرجة، وأوقات تتعرج بنا الخطوط المستقيمة لتصل إلى طريق تتعرج فيه خطوطنا، لكن فى النهاية يجب أن تصل بنا الحياة إلى استقامة خطوط الحياة مجددًا.. ويظل الإنسان داخل دائرة الحياة يتخبط بين الاستقامة والتعرج حتى يصل فى نهاية المطاف إلى قناعة بأنه لا يصح إلا الصحيح، فتستقيم خطوط الحياة حتى لو فى نهايتها.

وفى مجمل اللوحات قصص وروايات لبعض الأشخاص وأحيانا لشخصين فى دوائر الحياة فهى حواديت عن الحزن والفرح.

هكذا ندور فى الدوائر، والدوائر تدور بنا، نبحث عن الأمان والآمال صعبة المنال، وعن أحلام تائهة فى زحمة الحياة، نبحث عن أنفسنا القديمة وذكريات نتمنى أن تعود، نلف فى دوائر الحياة وتلف بنا، ونجد أنفسنا عدنا مرة أخرى لنفس المكان، ويبقى الإنسان فى الحياة يبحث عن حلم الحياة المفرحة. أحيانا نصادفها وأحيانا تصبح أحلامنا بلا أجنحة فلا تتحقق، وهنا نجد الفنانة نجحت فى التعبير عن المعنى من اختيارها لعناصر اللوحة والتكوين والألوان المستخدمة فى عمل فنى بديع ومعبِّر عن حالة داخلية خاصة، تنقلنا إلى عالم موازٍ.

وهناك عمل آخر للفنانة منى حمدى بعنوان اسنوات العمرب، مكوَّن من لوحتين مقاس ١٤٠×١٠٠، ١٠٠×١٠٠ كمبيوتر جرافيك طباعة على كانفاس قطن، وفيه تتناول الفنانة الذكريات، فهى أكثر ما يتشبث به الإنسان طوال حياته ولا يفرط فيه بسهولة، فالذكريات هى ما تمنحنا أسباب الحياة، فإما ذكرى جميلة مفعمة بالسعادة والطاقة تهب لنا ما نحتاجه من الحب والقبول وتجعلنا نسلك طريق السعادة، أو ذكرى تمنحنا الألم والإحباط فتجعلنا نسلك طريق الصعاب فيهلك الإنسان نفسه بنفسه، وهكذا الحياة بين الفرح والحزن.. ذكريات سعيدة وأخرى مؤلمة.. وتمر بنا سنوات من العمر على هيئة ذكريات تشكِّل فكرنا وإدراكنا وتعطينا الوقود اللازم للحياة.

الإنسان ما هو إلا نتاج سنوات حياته الأولى وذكريات الطفولة، فإذا أردت أن تتعرف على نفسك فلتبدأ بفتح قواميسك ومراجعك القديمة.. افتح دفتر ذكرياتك فنحن نتاج كل هذه الذكريات بحلوها ومرها، وحين نفتح دفاترنا سنعرف من نحن وإلى أين انتهينا.

وقد بدأت الفنانة تلك الرحلة من قرابة الأربع سنوات حين فتحت قواميسها القديمة وذكرياتها المعبأة بالحنين والشوق لمن رحلت عنها ومن علمتها الحياة، ففى تلك الرحلة وجدت نفسها تشعر بشيء من الحنين إلى الماضي، وتذكرت كل ما جرى مِن صقل لعقلها، ومن مرارة الألم والإخفاق والكثير من التفاصيل والمواقف التى جعلتنا أمام رحلة معبأة بالتفاصيل والذكريات المحفورة فى القلب كالنقش على الحجر، وخرجت كل هذه المشاعر فى عمل راقٍ من اختيار ألوان عتيقة تأخذنا معها فى رحلة عبر الزمن والذكريات بشكل جميل ودقيق فى استخدام عناصر اللوحة، كعمل متكامل تود الفنانة أن تقول لنا نحن نتاج الكثير من التفاصيل الصغيرة والكبيرة، السعيدة والحزينة، المفرحة والمؤلمة، فها هى الرحلة الطويلة التى تشكلنا ولا نشكلها تؤثر فينا ونؤثر فيها، ولكن دائمًا الذكريات أكثر تأثيرًا وفاعلية فينا.

وها هى سنوات العمر تحكى بين سطورها مستقبلنا ومصيرنا، ماضينا وحاضرنا حين نتوقف ونقرأ قواميسنا الداخلية نجد العمر يفضح ما كتمناه بداخلنا من ذكريات.

أقرأ أيضأ l في بيكاسو لوحات السمري والنجدي