«الجنرال ويزر» يحسم حرب روسيا ـ أوكرانيا

الثلوج تعرقل التقدم الروسى فى أوكرانيا
الثلوج تعرقل التقدم الروسى فى أوكرانيا

خالد حمزة

عام 1812 حشد نابليون 600 ألف جندى لغزو روسيا، وهبت الرياح ووصلت درجة الحرارة إلى 5 ما دون الصفر، وفى يوم واحد فقد نايليون 50 ألف حصان، وفقد حربه فى روسيا، ونحو 25٪ من جنوده مما مثل تحولا فى حلمه الإمبراطورى، وصعودا لروسيا كإمبراطورية جديدة فى أوروبا والعالم

وفى 1941 أرسل هتلر 3 ملايين جندى لغزو روسيا، وبعد شهر بدأ الشتاء القارس، ومعه فقد الألمان معظم جنودهم وحلمهم فى دحر الدب الروسى، وعاد من بقى منهم على قيد الحياة إلى ألمانيا مهزوما، وفقد الكثير منهم أطرافهم وشعورهم وأجفانهم بسبب البرد القارس.

لكن القصة هذه المرة مختلفة تماما، بعد أنباء عن إخفاق الروس فى أوكرانيا، وبعد التقدم الأوكرانى الملحوظ، ودور أمريكا المتزايد فى الحرب، وفشل العقيدة الروسية فى حسم الحرب، وبعد أن أعلن الجيش الأوكرانى استعادة 6 آلاف كيلو متر مربع من القوات الروسية، بينما أكدت روسيا أن قواتها تقصف مناطق استعادتها أوكرانيا، وأن العملية العسكرية الخاصة ستستمر، حتى تتحقق الأهداف المحددة، وأنه لا يوجد أى احتمال للتفاوض، وقالت وزارة الدفاع البريطانية، إن روسيا أمرت على الأرجح بسحب قواتها من عدة مناطق فى أوكرانيا، وأن أوكرانيا استعادت أراضى تبلغ مثلى مساحة لندن الكبرى على الأقل، بينما وصف الرئيس الأوكرانى زيلينسكى المكاسب الأوكرانية بأنها إنجاز محتمل فى الحرب المستمرة منذ ستة أشهر، وإن من المحتمل تحقيق مزيد من المكاسب السريعة للأراضى هذا الشتاء، إذا تمكنت كييف من الحصول على أسلحة أقوى، وفى كلمة وجهها إلى الأمة بمناسبة مرور 200 يوم على بدء الهجوم الروسى، شكر زيلينسكى القوات الأوكرانية التى حررت المئات من المدن.

ويعد الانسحاب أسوأ هزيمة للقوات الروسية منذ طردها من مشارف العاصمة كييف فى مارس الماضى، إذ ترك آلاف الجنود الروس وراءهم ذخيرة ومعدات مع فرارهم، وقال القائد العام للجيش الأوكرانى الجنرال فاليرى زالوجنى، إن القوات المسلحة استعادت السيطرة على أكثر من 6 آلاف كيلو متر مربع، وأثار صمت موسكو التام لما حدث فى شمال شرقى أوكرانيا غضباً كبيراً بين بعض المؤيدين للحرب والقوميين الروس، ودعا بعضهم بوتين إلى إجراء تغييرات فورية لضمان النصر الحاسم فى الحرب.

المكاسب مهمة من الناحية السياسية لزيلينسكى، الذى يسعى إلى إبقاء أوروبا موحدة فى دعمها لأوكرانيا، من خلال توفير الأسلحة والمال حتى مع أزمة الطاقة التى تلوح فى الأفق هذا الشتاء بعد قطع إمدادات الغاز الروسى عن المستهلكين الأوروبيين، وقال زيلينسكى إن القوات الأوكرانية ستواصل التقدم، بينما قال وزير الدفاع الأوكرانى أوليكسى ريزنيكوف، إن بلاده بحاجة إلى تأمين الأراضى المستردة من هجوم مضاد روسى محتمل على خطوط الإمداد الأوكرانية، مضيفاً لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، أن القوات الأوكرانية يمكن أن تطوقها قوات روسية جديدة إذا واصلت تقدمها لمسافات أبعد، لكنه قال إن التقدم المحرز فى الهجوم أفضل من المتوقع، وأنه كرة ثلج تتدحرج من أعلى، وهذه إشارة إلى إمكان إلحاق الهزيمة بروسيا، وذكرت وكالة تاس الروسية للأنباء، أن رئيس الإدارة الروسية فى خاركيف طلب من السكان إخلاء المنطقة والفرار إلى روسيا.

وحسب صحيفة الجارديان البريطانية، فإن ما حدث نتج من خلل فى عمل أجهزة الاستخبارات الروسية أو افتقار القيادة العسكرية إلى وضوح الرؤية أو عجز الآلة العسكرية على استباق أحداث كان من الممكن توقعها، كما أن من نقاط الضعف الكبرى لدى الجيش الروسى، التباطؤ فى الاستجابة للتطورات فى ساحة المعركة، ولا يزال الجيش الروسى أسير العسكرية السوفيتية، وهو يعتمد المركزية الشديدة، ويتخذ قرارات سيئة، وسبق أن أظهر فشل الهجوم الروسى فى السيطرة على كييف فى مارس الماضى، نقاط ضعف مدهشة لدى جيش اعتُبر فى الماضى من الأقوى بين جيوش العالم، كما أن القادة العسكريين الروس، فشلوا فى التحضير لاستخدام أسلحة من الحلف الأطلنطى مثل صواريخ "هيمارس" و"هارم" ومدافع "سيزار"، التى بدلت مجرى الحرب، وأن موسكو لم تقدر مدى تأثيرها فى المعارك.

وعلى مدار الساعة، تتلقى أوكرانيا معلومات من الأقمار الصناعية الأمريكية، وطائرات الرصد بالرادار بعيد المدى، وحتى الآن لا أحد يعرف إن كان بوتين الذى يتعرض جيشه لنكسات سيضطر إلى أن يلعب بكل أوراقه، لكن الواضح أن بوتين يراهن على الحليف الدائم لروسيا فى الحروب الجنرال "ويزر" أى الطقس، كما فعل القيصر خلال الغزو الفرنسى لروسيا، حيث ساعد البرد القارس الجيش القيصرى فى هزيمة الإمبراطور نابليون بونابرت.

وسيواجه الجيش الروسى مصاعب كبيرة فى النقل والإمداد، والجنرال "ويزر" ليس حليف الروس بل عدوهم فى أوكرانيا، أما الرهان هذه المرة فإنه على قسوة شتاء أوروبى بنقص فى إمدادات الغاز على دول تعانى من ارتفاع الأسعار والتضخم، وتصاعد فواتير الطاقة، واعتادت منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية على الثراء والتقدم الاقتصادى.

ما يعتقده بوتين، هو أن قسوة الشتاء ستدفع الشعوب الأوروبية إلى الاحتجاج على حكوماتها باستمرار الدعم المالى والعسكرى لأوكرانيا، لكن من سيسلم أولاً روسيا الخاضعة لعقوبات واسعة، وعلى غير ما يرام فى ساحة الحرب أم أوروبا المقبلة على شتاء غير مسبوق؟.

بالمقابل وعلى الأرض فى ساحات القتال تراهن أوكرانيا أيضاً على الجنرال "ويزر"، وعلى استمرار التقدم لقواتها على كافة الجبهات، خاصة مع استمرار الدعم الأوروبى والأمريكى بشكل خاص، الذى سيتزايد الفترة المقبلة، حسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مع اقتراب شهر نوفمبر المقبل، مع انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى، التى يرى فيها الديمقراطيون بروفة حقيقية لاختبار شعبية الحزب والرئيس بايدن نفسه، ومدى أهليته لفترة رئاسية قادمة، وأى تطور لصالح الأوكرانيين على الأرض، سيكون انتصارا غير مباشر للإدارة الأمريكية الحالية، وتأكيداً على أن ما ضخته أمريكا من أموال وعتاد فى أوكرانيا، كان لصالح الأمن القومى الأمريكى، كما تراهن أوكرانيا على تأثير الطقس السيئ على قطع إمدادات القوات الروسية أو عرقلتها على الأقل.

أقرأ أيضأ l موسكو تقدم أدلة مادية على النشاط العسكري البيولوجي للولايات المتحدة