حكايات| هنا أوروس.. جزيرة منازل القصب العائمة في بحيرة تيتيكاكا

بحيرة تيتيكاكا
بحيرة تيتيكاكا

 "البحر من ورائكم والعدو من أمامكم".. بالتأكيد طرقت هذه المقولة سمعك من قبل فهي أفضل ما يمكن استخدامه لشرح مدى صعوبة الموقف دون الكثير من الحديث فما بين اختيار المواجهة حتى وإن كانت صعبة مع احتمالية البقاء على قيد الحياة أو احتمالية الموت في صراع طويل مع الأمواج.. أيهما ستختار؟

من المنطقي أن تختار الجانب الذي يزداد فيه احتمالية بقائك على قيد الحياة فمن ممكن أن يختار الموت في منافسة مستحيلة مع الأمواج.. ولكن عليك الانتظار قبل تأكيد اختيارك فهناك ما لم تعرفه قد يكون كافي لتغيير رأيك فأنت بحاجة إلى التعرف على شعب " أوروس" الذي وقع أمام هذا الاختيار قبل 500 عام وقرر منافسة الأمواج وتمكن من بناء أكثر الإنجازات المبتكرة للهندسة البشرية في العالم.

اقرأ أيضا| حكايات| بهجورة «بلد الشعب».. قصة قرية صعيدية عاشقة للتعليم 

أمام الاختيار بين الموت على يد القبائل الاقوى أو الموت في صراع الأمواج قرر شعب " أوروس" أن يعكس الموازين عن طريق حماية أنفسهم بابتكار طريقة مميزة للعيش لم يصل لها من قبلهم اي مكان في العالم حيث قرر سكان أوروس أن يواجهوا موت البحر ولكن من خلال ابتكار طريقة للعيش وسط المياه في جزر عائمة صنعوها بأنفسهم على بحيرة تيتيكاكا أعلى منطقة مائية صالحة للملاحة في العالم.

بداية الجزر 

فبعد أن قرر سكان أوروس هجرة البر الرئيسي بعد هجمات القبائل الأخرى المتعددة توجهوا إلى بحيرة " تيتيكاكا" التي تتقاسمها بيرو وبوليفيا وتقع على ارتفاع 3810 متر فوق مستوى سطح البحر في جبال الأنديز  وبسبب عزلة البحيرة وارتفاعها تمكن سكان أوروس من توفير الحماية الكافية لهم ولأسرهم من القبائل الأخرى الأقوى وفقا لموقع بي بي سي.
 
ليقف العالم مبهورا بما صنعه هذا الشعب الذي تمكن من صناعة مجتمع كامل قابل للتحرك والانتقال في حالة الخطر معتمدا على جزر عائمة من صنعه باستخدام عنصر واحد فقط وفرته له طبيعة المكان وهو جذور وقصب نبات "توتورا" المقاوم للماء الذي يتميز بقوته ومرونته مع استحالة الالتواء لتكون جزر أوروس موطن لواحد من أكثر الأعمال الهندسية المبتكرة.

فتحت ضغط الجبر تمكن سكان أوروس من التكييف على حياة اعتمدت بشكل كلي على العنصر الوحيد الذي ينمو في البحيرة نبات " توتورا" شريان حياة تلك الجزيرة والتي من خلالها تمكن السكان من استخدام جذور وقصب هذا النبات في بناء ارض الجزيرة والمنازل والمدارس والقوارب والأسقف والمراتب واذا كنت تعتقد أن استخدام قصب توتورا يتوقف على البناء فأنت على خطأ فسكان جزر أوروس طوعوا هذا النبات في كثير من الاستخدامات الأخرى.

فهو مصدر رزق لكثير من سكان القرية حيث يعمل المتخصصون في استخراج نبات توتورا من قاع البحيرة في استخراج اليود من القصب وبيعه كما يعتمد سكان الجزر على أزهار النبات في صنع الشاي وتصفية القهوة وأخيرا يتم استخدام هذا النبات في الأغراض الطبية كدواء لتسكين الألم.

بناء الجزيرة 

تبدأ عملية صناعة الجزيرة العائمة والتي تضم غالبا بين 2 إلى 6 عائلات لكل جزيرة بحصاد كتل كبيرة من جذور نبات توتورا والتي يفضل انتظار موسم الأمطار لحصادها كونها تطفو على السطح خلال هذا التوقيت من العام.

 وبعد سحب هذه الكتل من الجذور يتم خلطها مع القصب بشكل طبيعي لتشكيل طبقة يبلغ سمكها حوالي 2 متر تسمى "الكيلي" تكون قاعدة الجزيرة التي يتم تثبيتها بحبال في قاع البحيرة لضمان استقرارها وعدم تنقلها.

بناء المنازل

وبعد صنع القاعدة يأتي الدور على صناعة المنزل من قصب النبات حيث توجب على البعض أن يتخصص في مهمة صناعة هذا القصب الذي يتم بقص النبات باستخدام أداة طويلة تصل الاعماق المياه تشبه المنجل ويتم بعدها تجفيف القصب في الشمس لمدة أسبوع إلى 4 أسابيع لتكون جاهزة لصنع المنزل.

ثم يتم تجميع القصب معا باستخدام حبل من النايلون لصناعة هيكل المنزل ولأن القصب يتعفن بسرعة يعمل السكان على تجديد المنازل 4 مرات في السنة ولكن تظل قاعدة الجزيرة متماسك لوقت أطول يصل إلى 30 عاما.

السياحة على الجزر 

إذا كنت تعتقد أن جزر بهذه المواصفات البنائية والتي تعتمد على الصيد وحركة القوارب كمصدر للدخل تكون مؤشر على مجتمعات بدائية فجزر أوروس تستكمل طريقها في إبهار الجميع فعلى أرض هذه الجزر والتي بلغ عددها بعد مئات السنين حوالي 120 جزيرة عائمة يعيش عليها 1300 شخص تم بناء المدارس لتعليم الأطفال وتثبيت الألواح الشمسية فوق المنازل لتشغيل الأجهزة الإلكترونية بالطاقة الشمسية.

كما افتتحوا محطة إذاعية تبث لعدة ساعات خلال النهار وأقاموا العديد من الأنشطة التي تدعم حركة السياحة على أرضها حيث يتم صناعة العديد من الأعمال والحرف اليدوية المصنوعة من قصب نبات توتورا التي غالبا ما تكون الموروثات الثقافية مصدر الهامها كما خصصت عدة عائلات غرف خاصة لاستقبال الضيوف من السياح.

لقضاء تجربة في جزيرة عائمة تتعرف من خلالها على طريقتهم المميزة في العيش وعلى رقصاتهم وملابسهم التقليدية في ليلة تكتشف فيها شعب الأوروس ذلك المجتمع شبه المثالي الذي تعلم العيش بوئام كبير في محيطه.