صالح الصالحي يكتب: التعليـم الحـــائر

صالح الصالحي
صالح الصالحي

 «قصص الحب دائماً تنتظر كلمات النهاية، ولا تتحمل النهايات المفتوحة التى تعذب أصحابها»

 يبدو أن الدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم لم يستعد بعد لطرح استراتيجية التعليم فى الفترة المقبلة، على اعتبار توليه مهام المنصب الجديد الذى يفترض معه ضرورة تقديم رؤية جديدة سواء لإصلاح التشوهات الموجودة أو حتى طرح منظومة جديدة يتولى مهامها.. لكنه لم يتمكن حتى الآن من عرض الجديد فى جعبته، الذى ينتظره بشوق كل بيت مصرى، رغم أنه لم يتبق سوى أيام قليلة على بدء العام الدراسى الجديد . 
 

فكل متابع لتصريحات الدكتور رضا منذ توليه مهام وزارته تجدها ما هى إلا المزيد من التوغل فى تفاصيل تجربة الدكتور طارق شوقى، التى تفسح المجال - مما لا شك فيه - لمزيد من إغراق وتشتت العملية التعليمية، والتى أتصور أنها كانت سبباً لفشل الدكتور طارق شوقى الذى لا ينكــره أحـــد على الإطـــلاق، فبالأمس القريب تجد الدكتور طارق شوقى فى بدايته كان حريصاً على الاستماع لكل الآراء المهمة وغيرها، لدرجة أن استغرقته التفاصيل التى يكمن فيها الشيطان ويستوطن، فتلاشت معها قضية تطوير التعليم، وانحصر الأمر فى أسئلة موجهة للوزير كانت إجاباتها تواجه باعتراضات وانتقادات أضاعت صلب قضية التطوير، لدرجة وصلت معه فى نهاية فترته أنه أصبح شديد الحساسية لأى ملاحظة توجه للمنظومة، وأنه كان يتهم صاحبها أنه عدو التطوير، ويريد أن يفشل المنظومة!!، فى وقت حصل على كل الصلاحيات لإرساء فكرته عن التطوير رغم عدم تواكبها مع استعدادات المدارس والمدرسين، فأصبح فى واد والآخرون فى واد، محاطا بضجة من أولياء الأمور ومافيا الدروس الخصوصية، فضاعت القضية وأصبح الأمر عشوائيا بين قرارات وإلغائها أو أخرى معها قرارات لإصلاح ما أفسد لحفظ ماء الوجه لعدم إلغائها.. وهكذا على مدار سنوات ليست بالقليلة ألقت الرعب فى نفوس البيوت المصرية وأصبح الكل مربوطاً فى فلك كيف ينجح أبناؤنا ويتحقق حلم الدخول للجامعة التى غدت بمصروفات لا طائل لأحد بها، وكأن الهدف هو تحصيل الأموال، وتنفيذ نموذج كان يطرح على استحياء فى فترات سابقة، مفاده أنه ليس من حق الجميع الالتحاق بالجامعة، فى صيغ لسيناريوهات عديدة أبرزها صلاحية شهادة الثانوية العامة 5 سنوات انتظارا لدخول الجامعة!!.
 

أيا كان الوضع السابق، فالآن نحن نعيش امتدادا وتداعيات له بشكل مخيف، حيث يبدو من تصريحات الوزير رضا حجازى أن الوزارة حتى الآن لم تستعد برؤية شاملة تمتلك أدواتها وآلياتها لتحقيق نجاح أو حتى هامش فشل.. وحتى لا يتهمنى أحد بأنى أحبط الوزير الجديد أو أشيع تشاؤماً، فالمتابع للوزير يجده يطلق تصريحات لا تمت بصلة لصلب القضية التعليمية (أفرحوا يا أولاد باليوم الرياضى) وغيرها!!.. وأتساءل: هل هناك وقت أمام التلاميذ لحضوره والاستمتاع به، فوراءهم ماراثون دروس خصوصية لفك لوغاريتمات المناهج التى أكد الوزير أنه بصدد عمل دورات تدريبية لمدرسى الصف الخامس الابتدائى وحدهم، ما يعنى أن المدرسين ما زالوا غير جاهزين.. ثم أكد أن الكمبيوتر سيصحح أسئلة الثانوية العامة المقالية، وكأن المشكلة فى السؤال المقالى وخطأ تصحيحه من قبل المصححين، وغيرها من أمور أرى أنها لا تلبى طموحات الجموع فى نظام تعليمى يحترم عقلية التلميذ وولى الأمر الذى يشقى ليلاً ونهاراً ويتكسب لافراغ جيوبه فى جيوب مدرسى الدروس الخصوصية!!.. الذى أقسم الوزير السابق أنهم لن يكون لهم وجود فى ظل التطوير.
 

وعلى الرغم من أن أولياء الأمور كانت شكواهم فى الفترات السابقة من فاتورة الدروس الخصوصية إلا أنه أصبح يضاف إليها مشكلة جديدة على مدار ما يقارب العقد من الزمن هى الشكوى من حالات الغش الإلكترونى فى لجان امتحانات كاملة لا ينكرها أحد لتغيب العدالة عن المنظومة التى يحصل فيها الغشاش على حقوق من يفتقد ميزة الغش، وإن كنا سنعتبر أن الغش ميزة!!.. باعتباره داعماً لطلاب دون غيرهم فى الحصول على مجاميع كبيرة.
نحن نحلم بمنظومة تعليمية متكاملة .. ولا أطالب أحداً أن تتم على عجل لإرضاء جموع الناس .. ولكن لابد وأن يكون هناك مناهج ومدرسون ومدرسة كلها فى خدمة عقلية الطالب تليق بجنسيته المصرية وليست المقررات المختصرة فى صورة ملازم ونماذج امتحانات تساعد على الغش وقنص الحقوق ومدرسة تربى وتعلم وليست يوما رياضيا واحدا يتصور السذج أنه سيعيد الطالب للمدرسة.. بالعكس سيكون يوم راحة وزوغان لن يذهب إليه أحد، ولا تخوفنى بنسبة الغياب فالمدارس ودفاتر الغياب ليست ببعيدة عن أيادى أحد!!.. طريق الألف ميل لن تكفيه خطوة لم تأت بعد!!

للحب بقية وتكملة
ما من قصة حب انتهت على غير رغبة أطرافها وانتهت بتفرقهم حتى سار كل منهما فى طريقه والتقى بغيره..  لكن تظل القصة مستمرة داخل نفوس أصحابها  كقصة جميلة تحمل معانى وذكريات يتمنى أصحابها دائماً العودة إليها فى أى وقت مهما مر من الزمان.. بل أكثر من ذلك ولو ليوم واحد لإكمال ما قطع بينهما.. لكن هذه القصص تشترط أن تبتعد عن التجريح لتظل حية فى النفوس وتحتفظ ببهائها وجمالها حتى إذا فشل التواصل مرة أخرى يظل الحلم يجمعهما بالتتويج بلقاء يشفى جرح القلوب ويطفئ توقد المشاعر.
 البعض يقول إنها الرغبة التى لم تكتمل والآخر يقول لو استمرت كما كان يخططان ربما كان الحب سينتهى من تلقاء نفسه.. ولكن فى تصورى أنه لا يجوز لأحد أن يتحدث بالنيابة عن أطراف تجربة أصحابها هم فقط من يملكون الحديث عنها وحدهم. 
الحب يحيا ويموت لا أحد ينكر ذلك لكنه سيظل حياً مادام ليس هناك تجريح أو خيانة أو أى شىء يهدم عشم المحبين فى بعضهم  البعض حتى أن التضحيات تكون فيها عن طيب خاطر إلى أن تتحول العلاقات للأنانية الهادمة للحب.. أو أى أمر يعكر صفو الحب. 

 

وفى النهاية قصص الحب دائماً تنتظر كلمات النهاية سواء كانت سعيدة أو حزينة.. ولا تتحمل النهايات المفتوحة التى تعذب أصحابها.
فكلمة النهاية مهما كانت تريح الأطراف وتهيئهم لتقبل الواقع مهما كانت قسوته وتساعدهم على البدء فى  علاقات جديدة قد تكون امتدادا لتلك غير المكتملة فلا أحد يبدأ علاقة جديدة دون أن يكون متأثراً بشكل سابقتها.. فقد يكون أكثر وعياً ويتجاوز أخطاءها وقد يكون من الغباء بتكرار علاقة فاشلة مع الجديد.. إما لأنه أنانى يفرض تسلطه وتحكمه على الطرف الآخر أو يكون سيئ الحظ يبحث عن المستحيل فى علاقات لا يمكن أن تكون مثالية فهى علاقات تحكمها الأهواء والرغبات والميول التى ترتبط بالمد والجزر دائماً فى صعود وهبوط وتغير من النقيض الى النقيض.
وسيظل الحب دائماً هو ما يحرك كل علاقات الإنسان وراحته فى باقى مناحى حياته فالقلب إما أن يعذب صاحبه ويشقيه وإما أن يتخلى عن رهافته ويحتكم للعقل دائماً فيحيا جامداً لا يشعر بمتعة الحياة .

غائب حاضر وحاضر غائب
الغياب والحضور فى العبارتين قاسمان مشتركان لكن الهوة واسعة فى معنييهما.. فلا ترادف بينهما إذا ما حسبنا المعنى للأشخاص والأعمال والإنجازات التى ترتبط بهما.. فقد يغيب الانسان ولا ينقطع عمله فهو تارك البصمة والعمل النبيل فى نفوس الآخرين الذى يرفض الزمان نسيانه حتى ولو بعد رحيله.. دائماً أعماله تشهد عليه وله حتى ولو غاب من ارتبطوا به فما ينفع الناس يمكث فى الأرض، فصفحات التاريخ الخالدة تشع بنور من سطروها فى أعمال وليس شرطاً أن تكون معجزات لكن قيمتها هى من جعلتنا لا نكف عن ذكراهم حتى ولو أنكرت أعمالهم فى فترة من الفترات لأية ظروف خضعت لأهواء بشر يتغيرون وتحكمهم المصالح المتذبذبة.. فتجد الأحداث تغيب وتعود لتعطى لهم حقهم وهم كُثر فى حياتنا، ومن منا لا يملك العديد والعديد من الأسماء والأشخاص الذين كانوا علامات فى حياته، يتعمد الزمان أن يذكرنا بهم فى وقت شح وجود أمثالهم أو كنا فى احتياجهم بعد ما رحلوا. 
 

وعلى النقيض تجد هناك العديد والعديد من الحضور الذين تحتسبهم فى عداد الغائبين لا يقدمون لأحد الخير، مما يجعلنا نعتبرهم فى عداد السالب حتى أنهم لا يتركون فراغاً لغيابهم ولا يشعر بهم أحد، كما يأتون يرحلون!!.. فلا يفعلون ما يذكرهم أحد به.. وقد لا يكونون من السوء أو الشر يسببون مشكلات لمن حولهم.. فهم اختاروا الحياد لأنفسهم ورفضوا الاعتراك مع ناموس الحياة.. فاختاروا أن يتساوى حضورهم مع غيابهم وما أكثرهم فى حياتنا يزدادون كل يوم عن سابقه يخشون الاقتراب والابتعاد مذبذبين بين هؤلاء وهؤلاء عبء على الحياة وعلى الآخرين.. فالله خلق لكل واحد منا دوراً وعملاً سيحاسب عليه، فأين سجل أعماله التى تنفع من حوله؟.. فعلى الرغم أنه رفض أن يخرج من ذاكرة الخير لكنه لم يأت بعمل يُثاب عليه.
 

وهل نحن بحاجة لدفع البعض ليترك بصمة طيبة مادام لم يؤذ أحداً بهذا السلوك؟!.. بالطبع فأول المتأذين هو نفسه لأنه تخاذل عن التعاون على البر والتقوى، ولأنه لم ينفع الناس فى قضاء حوائجهم، فلولا دفع الناس بعضهم لبعض لهدمت بيع وصلوات وكنائس وجوامع .. فكلنا كالبنيان المرصوص يشد من أزر أخيه. 
فرضت علينا مكابدة الحياة جهادها وليست حياة فى قفص من زجاج نحيا فيها حياة الصوب الزراعية.. فليست البطولات وحدها  هى التى تُسطر فى صفحات التاريخ.. فكل عمل نافع للناس ولنفسك يعمر الكون الذى أمر به الله تعالى.