محمد الشماع يكتب: شرطة جديدة.. للجمهورية الجديدة

محمد الشماع
محمد الشماع

يبدو أن بعض المسئولين قد انصرفوا عن الصحافة وما تحمله من مشاكل وقضايا واقتراحات وتفرغوا لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعى التى لا تحترم القوانين وتنشر الفضائح والشتائم والاتهامات

تغيرت صورة رجل الشرطة فى مصر، وضاقت المسافة التى كانت تفصل بينه وبين المواطنين، ولم تعد تظهر أى جرائم منسوبة لرجال الشرطة، بل إن ما نسمع عنه أو نقرأ هو نجاح رجال الشرطة فى محاصرة الجريمة وفى القبض على فاعليها دون ضجيج، مما يعنى أن وسائل البحث الجنائى فى مصر قد تطورت ولم يعد القبض العشوائى والتعذيب لانتزاع الاعترافات من مناهج الشرطة، بل أصبح اعتماد الادلة القانونية واستخدام أحدث الوسائل العلمية فى الكشف عن الجرائم وهذا تطور يستحق الاشادة.

يضاف إلى ذلك أن التوجه الجديد لوزير الداخلية اللواء محمود توفيق الذى يعزف عن الظهور الإعلامى ويفضل الابتعاد عن الأضواء هو ورجاله، يعزف أيضا عن الاشتباك السياسى مع أى من الفصائل السياسية الموجودة على الساحة السياسية.

ذلك سلوك مهنى يحسب للوزير ولرجاله، هذا تطور يليق بحقوق الانسان المصرى فى الجمهورية الجديدة التى يرسى دعائمها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وسوف يعود بالنفع على قضية الأمن المصرى، فلم يعد المواطن المصرى يخشى التوجه إلى مراكز الشرطة ولم يعد المواطن يتخوف من لقاء رجل الأمن، وهذا سوف ينعكس بدوره على التعاون الذى كان مفقودا بين المواطن وبين جهاز الأمن، فالمواطن الذى يبلغ عن الجريمة لم يعد يتعرض للمطاردة كما كان سابقا، وأصبح المواطن يتقدم بما لديه من معلومات إلى أجهزة الأمن دون أن يتعرض إلى أى شكل من أشكال الاضطهاد الذى كان يقطع العلاقة بين المواطن وبين رجال الأمن، وذلك شرط أساسى يحول المواطن المصرى إلى مواطن إيجابى يساهم فى ضبط الأمن وتلك قضية مهمة لأن الشرطة وحدها لا تستطيع أن تتحمل هذا العبء، فقد رأينا مثلا فى حادث قتل نيرة أشرف ان المواطنين هم الذين سيطروا على القاتل وألقوا القبض عليه وسلموه إلى الشرطة، وتكرر هذا الأمر مع الشاب قاتل فتاة مدينة الزقازيق.. ذلك يحول الرأى العام كله الى شهود وحماة للقانون وعونا لرجال الأمن فى حفظ الأمن وفوق هذا وذاك فإنه يرفع تطبيق القانون إلى منزلة سامية.

وقد أسعدنى شخصيا المبادرة التى قامت بها هيئة الشرطة بتنظيم مهرجان ترفيهى استضافت فيه شباب وأطفال حى الاسمرات الذين كانوا يعيشون فى مناطق عشوائية خطرة واستضافتهم باتحاد الشرطة الرياضى وقضوا يوما من أجمل أيام حياتهم وأهدتهم الشرطة هدايا وملابس رياضية واستمتعوا بركوب الخيل والسباحة ومارسوا الألعاب الترفيهية المختلفة مع ضباط وضابطات الشرطة ونفس المبادرة تم تنفيذها لأطفال وشباب منطقة بشاير الخير بالاسكندرية تحدث الأطفال والشباب بكلمات رائعة بريئة عن حبهم وتقديرهم لرجال الشرطة وللرئيس السيسى الذى يرعى هذه المبادرة.

مبادرات إنسانية
مثل هذه المبادرات الانسانية من رجال الشرطة تترك أثرا بعيد المدى فى نفس الطفل وأنه ينشأ على احترام رجال الأمن وعلى احترام القانون وتتشكل لديه عقيدة أنه جزء من مجتمع بار متراحم ، هذا المناخ الذى أشاعه وزير الداخلية ورجاله سوف يكون له أعمق الأثر فى تطوير أداء المنظومة الأمنية فى مصر.
قامت الشرطة بدور كبير يستحق التقدير بتوفير السلع الغذائية ومستلزمات الأسرة والدراسة بجودة عالية وأسعار تقل عن أسعار السوق فى جميع محافظات مصر من خلال مبادرة «أمان» التى لاقت كل التقدير من المواطنين والمستهلكين. كما فتحت هيئة الشرطة مراكزها الطبية لعلاج المواطنين وتقديم الخدمة الطبية على أعلى مستوى.

وفى اطار «رؤية مصر 2030»  قاد اللواء محمود توفيق وزير الداخلية منظومة التحديث والتطوير والميكنة بمختلف هيئات وادارات الوزارة بجهود متواصلة من فريق عمل من الخبراء بإشراف مباشر ومتابعة مستمرة أولا بأول منه شخصيا، وتقدم خدماتها بصورة ومستوى يضارع الأداء الأمنى عالميا وتضع فى بؤرة اهتماماتها أمن الوطن وأمن المواطن المصرى وحقوقه الإنسانية.

رغم المسئوليات الضخمة التى تقع على عاتق هيئة الشرطة فقد دعمت وزارة الداخلية مسيرة الاستثمار والتنمية الاقتصادية بـ 14 مليار جنيه من مبالغ تم تحصيلها من ضبط 35 مليون قضية سرقة تيار كهربائى، بالاضافة إلى ٣٫٥ مليار جنيه و548 مليون عملة أجنبية تم تحصيلها بعد ضبط 6 آلاف قضية جرائم أموال عامة و652 مليار جنيه حجم تعاملات تم تقديرها «مستنديا» بعد ضبط 392 ألف حالة تهرب ضريبى، تم التصالح فى بعضها وسداد مبلغ 929 مليون جنيه.

سمعنا صوتك!
ليس من المجدى إنكار أن هناك مسافة تفصل بين المواطن المصرى وبين أجهزة الإعلام وأن هذه المسافة يتم ملؤها حاليا من قبل صحف وإذاعات وفضائيات خارجية بعيدة عن إدراك متاعب وعقبات الواقع المصرى، ومن المعلوم بالضرورة أن أزمات أى مجتمع ومشاكله اليومية لا يمكن حلها من قبل مسئولى الحكومة، وإنما يأتى الحل جماعيا، وقد يمتلك اصغر موظف رؤية فى الحل تفوق رؤية مسئولين كبار.

الصحافة ومشاكل المواطن
على سبيل المثال فقد كان وما زال فى الصحف القومية واليومية أبواب ثابتة وشهيرة تتنوع عناوينها من بريد القراء وإلى المحرر ورسائل القراء وأسماء اخرى وكانت تمثل أهمية تأتى من صدق تلك الرسائل التى تحمل مشاكل الناس ومن مواجهة المسئولين والبحث معهم عن حلول مبتكرة، بل إن هذه الأبواب فتحت صفحاتها فى بعض الأحيان للنقاش المجتمعى، وتم معالجة العديد من المشاكل والقضايا والظواهر طبقا لمقترحات المواطنين وقرارات المسئولين، كانت هذه الصفحات ولا تزال تحمل نبض المواطن واشواقه وابتكاراته لكنها اضمحلت وذهبت ريحها بفعل الإهمال وعدم الجدية فى التعامل من قبل المسئولين الذين يبدو أنهم قد انصرفوا عن الصحافة وعن تلك الصفحات وما تحمله من المشاكل والقضايا والاقتراحات التى تنشر فى هذه الصفحات، وتفرغوا لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعى التى لا تحترم القوانين ولا تلتزم بالشفافية والمصداقية وتثير الرأى العام بما تحتويه من إثارة غير حقيقية ونشر الفضائح والشتائم والاتهامات.

مَّن يضحك على مَّن
اخترع بعض المسئولين وسائل جديدة لتلقى شكاوى المواطنين وتخصيص خطوط تليفون وتسجيلات سمعنا صوتك، ثم يخرج علينا المتحدث الرسمى أو المسئول ليعلن أنه تم تلقى مئات الآلاف من الشكاوى تم حلها بنسبة 99٪ وباقى 1٪ جارى حلها!!

لا أدرى على من يضحكون على الجمهور أم على صاحب الشكوى الذى لم يصله حل أو ربط، ويبدو أن السادة المسئولين يعتبرون أنهم نجحوا بنسبة 100٪ وكله تمام، إذ أنهم يتخيلون أنه بمجرد تحويل الشكوى إلى الجهة المشكو فى حقها يكونون بذلك قد قاموا بعمل بطولى كبير.. وتبقى المشاكل ويظل المواطن يشكو ويشكو حتى تتلقفه وسائل الإعلام المغرضة لتضخم من شكواه بالرغم من أنها بسيطة ويسيرة الحل!

لتمكين الإعلام المصرى من التفاعل بجدية مع الأوضاع المتغيرة فى الواقع المصرى ومن ممارسة دوره الوطنى الفاعل فإننى اقترح على التليفزيون والاذاعة ان يفتح اتصالا مباشرا بالمواطنين وان يربط بينهم وبين المسئولين وان يتم ذلك فى الفترة الصباحية علنا، بهذا يستطيع المواطن أن يطرح مشكلته أو أن يقترح تعديلا ما فى اجراءات البيروقراطية التى تعرقل الجهاز الإدارى، ثم يتم الاتصال بالمسئولين مباشرة لكى يرد على المواطن، بهذا نستطيع أن نقيم جسرا بين المواطن والحكومة، وبهذه الطريقة أيضا سيشعر المواطن بأن هناك قنوات تنقل همومه واقتراحاته، وخاصة شكاوى المستثمرين وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى محافظات مصر.

الرقابة الشعبية
سيشعر المسئول بأن هناك رقابة شعبية علنية، وهذا التفاعل الحى سوف يأتى بحلول وابتكارات لتخليص الجهاز الإدارى للدولة والخدمى من كثير من المعوقات، وبذلك فإن الإعلام سوف يقوم بالدور الذى عجزت الأحزاب السياسية عن القيام به حتى الآن.

ولنضرب مثلا بأن مواطنا أو مستثمرا صغيرا يعانى من انقطاع الكهرباء فى منطقته فلو أنه سمع توضيحا من المسئول عن المنطقة عن أسباب العطل وموعد انتهاء إصلاحه فإنه سوف يطمئن وتهدأ أعصابه وسيرتب حياته على ما يتوافر لديه من معلومات.

وبذلك نستطيع اختصار كثير من الغضب الذى يتراكم فى صدور المواطنين، وذلك ايضا سوف يشعر المسئول أنه تحت رقابة شعبية فعلية، وأنا أعرف أن مثل هذا الاقتراح سوف يثير مخاوف لدى عتاة الموظفين الذين تجمدوا فى مناصبهم، لكن التكنولوجيا وفرت لنا بدائل سريعة فمن الممكن أن يكون الفارق بين تلقى مكالمة المواطن وبين اذاعتها دقائق معدودة تتم فيها المراجعة ضمانا لعدم حدوث أية خروقات.

المسألة إذن تحتاج إلى قدر من النشاط لتحريك الوضع -الثابت- حتى يتحول الإعلام المصرى للرقابة الشعبية، وسوف يمتص كثيرا من المشاكل التى تتراكم، كما أنه سوف يكتشف المواهب الادارية والفنية والقدرة لدى المسئولين الموهوبين على ابتكار الحلول السريعة.
أتمنى أن يجد هذا الاقتراح آذانا صاغية لكى لاتعبث قنوات وإذاعات وصحف أجنبية لا يعنيها كثيرا مصلحة المجتمع المصرى.