‏الجمهورية الجديدة.. بين وحدة «المصير» وتعثر «المسير»

نسرين موافي
نسرين موافي

فوت علينا بكرة يا سيد

جملة مشهورة للفنان رأفت فهيم من البرنامج الإذاعي الشهير ( همسة عتاب ) برنامج لعرض الشكاوي على المسئولين ، عندما تستمع اليه تكتشف أن لا شيء يتغير حقيقة في مصر .
لعل عظمتها و تاريخية ارضها هو ما جعلها مكبلة حتي اللحظة بطقوس تاريخية ، فهي أول دولة في التاريخ  تعرف المركزية في الإدارة ، درة تاج الحضارات القديمة و بها من السجلات حكومية ما يعود لآلاف السنين ، تكتشف بمطالعتها أن مفهوم الدولة جدٌ راسخ في وجدان كل مصري، سجل ضرائب ومكاتبات باللغة المصرية القديمة عند ترجمتها تعتقد - بل تكاد تُجزم -  أنها صدرت أمس من مكتب موظف حكومي تقليدي ، موظف دأب علي  تعذيب المواطنين لأي سبب .
ثم ما يلبث ان يقودك ذلك للاعتقاد أن عقلية مثل هؤلاء المسئولين كتاريخ هذه الارض ضارب بجذوره في عمق الكوكب فلا يتغير إلا شكل الأزياء و المباني ، قد تزداد رفاهية أو تقل في الذوق مع اختلاف الحقبة التاريخية.  عقلية  ثابتة لا تتزعزع ، بل أستطيع أن ادعي أن الجوهر أصبح أكثر  تعقيداً و تشدداً و إمعانا في اعتناق البيروقراطية و أدواتها مع إغفال تام لكل الأساليب التكنولوجية و دورها في تسهيل العمل علي الجميع .
و لازال يمتلك أغلبهم مثل هكذا عقلية  لا تسمح له بتسيير حياة المواطنين مادام ان ذلك يخل بالتسلسل الطبيعي للورقيات و التوقيعات و استيفاء كافة الدمغات و المسوغات العقيمة .
بل ان فكرة خدمات المواطنين تحتاج لكتب لبحث في أسباب تدنيها و سبب تعامل القائمين عليها بهذه الفوقية و اللامبالاة لأي ظرف او لأي حالة .
عندما أعلن الرئيس عن انطلاق الجمهورية الجديدة  اعتقدت شخصياً أنها الحلم …الأمل في بداية جديدة علي أسس ثابتة  ، كان يحدوني الأمل أن تكتنفها ابجديات التجديد و الحداثة  في كل شيء فكراً و تنفيذاً و خطاباً و تعامل مع الشعب .. جديدة حتي في علاقة الثقة التي نشأت بين النظام و الشعب تلك التي افتقدتها الجموع لعقود طويلة ، علاقة قوية نشأت في اعقاب ثورة شعبية أحييت الآمال في نظام يجمع كل مميزات الشخصية المصرية و يتلافي او يقلل من عيوبها ، نظام يجمع بين الحزم و القوة و الصرامة و المكاشفة و الشفافية و المرونة .
علاقة تستطع ان تري مكوناتها في ملامح المصريين في كلماتهم علي صفحات مواقع التواصل حتي علي وجوه عمال المشاريع الكبري و حماسهم .
مؤشر هذه العلاقة هو مؤشر الحالة المزاجية للمصريين تصعد بآمالهم فيتحملون برضا ويلات حروب و ليس فقط ازمات اقتصادية ، تهمل تواجدهم و مشاركتهم فيحلمونك حتي مشاكلهم الشخصية و النفسية فالنظام فعليا في مصر يُعامل معاملة الأب .
حالة جديدة حقيقة طالت الجميع و تشبثوا بها
الا انها ما لبثت في التزعزع و الخفوت و السبب!! …قرارات 
قرارات كثيرة لمسئولين بعقلية الموظف  و صمت لم نعتاده من نظام أرسي قواعد المكاشفة و المشاركة و أجاد قواعدها و استمد منها الجميع الثقة و الأمان .

فلازالت شخصية الموظف تحكم المشهد ، بل انها امتدت لتطال كثير من الوظائف العليا ، فيتخذ بعض  المسئولين قرارات من شانها الاضرار بكل مناحي الحياة تحت فكرة أن الموظف الحكومي لا يمس و لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و لا يحاسب او يعاقب بل و يتناسي انه مُكلف بحماية مصالح المواطنين و انه في خدمتهم موجود لاجلهم  .
لا يمتلك شجاعة الرجوع الي الحق و لا يمتلك مرونة التعديل و المناورة ، عقليات جامدة مقتنعة انها تري ما لا يراه الغير و لا تنفذ إلا ما تراه ،فكرها لايتعدي منصبها الذي تحرص عليه معتقدة أنها مخلدة فيه ابدا .

عقلية لا تتفهم معني الرؤية الأشمل و التنسيق ، لنبتلي  
باهدار كثير للمال العام فقط لأننا لا نملك العقلية المرنة صاحبة الرؤية و الضمير التي تتفهم أهمية التنسيق حتي في أتفه الأعمال ، العقلية التي تفكر في النتائج قبل القرار فتحدد الخطة الشاملة بدون تعارض و تسمع بالتعديل و المناورة .
 عقليه استطاعت ان تطال الجميع و كأنها تراث نأبي أن ننساه و بدلا من أن نخطو الي حلم الجمهورية الجديدة  بفكر و دماء جديدة و حيوية تسري في أوردة المجتمع، تطل علينا  العقلية المتحجرة لتأدها و تدفن الآمال بين أكوام الأوراق و بين الحقد و الرغبة في قتل أي مبدع و متميز فتجبرهم علي الهجرة أو تدمرهم ، فلابد ان يسير الجميع علي خطي الموظف صاحب الدولة العميقة .

ملأ هذا الفكر جنبات الوطن إما خوفاً او ارتعاشاً او ارتكانا للواقع المرير او لإنعدام الإبداع او حتي إنعدام الرغبة في مساندته بل وصل بنا الحال الي الإمعان في قتل اي إبداع و محاولة وأد اي فكر .
عقلية كالوباء المعدي يصيب كل المجالات…اعلاميين بدرجة موظف أقصي غايتاهم حشو الوقت و المواقع و الأوراق بكل رخيص أو غالي بلا حد أدني من الإبتكار بالرغم من أنهم أصل المبدعين .
مسئولون بأيدي مرتعشة و بانعدام رؤية و كأنهم وجدوا لتسيير الأعمال لا للابتكار ، عقليات كُلفت بالمسئولية  لتبتكر فأصرت علي أن ترينا ما تراه و تصم آذانها عن أنات و صراخ المواطن بان هناك شئ ما يسوئه و يكدر عيشه .
للاسف أخشي أن تكون هذه العقلية انتصرت علي الجمهورية الجديدة فارتكن الجميع الي تسيير الأعمال و غابت المكاشفة و ضنت الحكومة بالحديث و الحنو علي شعب ذاق الامرين لسنين و ارتضاه مادام شريكاً و عندما انفرد الشريك بالقرار و تناسي ظهيره امعن الشعب في الفردية و الفوضي و اللامبالاة و هذه عادة المصريين لمن يعرفهم جيدا .
و أصبحت اتساءل لماذا ؟! 
ماذا ينقص الجميع ليتبني فكر جديد بعد ان أثبت القديم فشله ؟!
لماذا لا نصحح الطريق!! لماذا لا نصحح ثورتنا ؟! 
لماذا لا ندفع بفكر جديد يصحح قرارات فاشلة دون إعادة إنتاج او إستنساخ لوجوه قديمة و ماضي باخطاء كارثية ؟!
لماذا لا نتخذ  مكاسبنا المحققة قاعدة لنبني عليها مكاسب جديدة .
و الطريق سهل ، فقط نعود لشحن الرأي العام … لخطاب الود و المؤازرة بدون تقليل او تهويل .. مكاشفة تُكمل كما بدأت . 
متي سيتخلي المسئولين في مصر عن فكر الموظف .. متي يعتبر المسئول نفسه متخذ قرار و يدرسه دراسة وافية و يسمح لنفسه بالمناورة عند ظهور العقبات و العيوب ؟! متي يُعطي القرار  لأهل الرؤية و الفكر و العلم ؟ 
و الأهم و الملازم لكل هذا متي تتم محاسبة المسئول  ؟! متي يتم مسائلته عن قراراته و افعاله حتي !! مساءلة حقيقية يأمن الشعب معها لوجود رقابة علي أمواله و أمنه و سلامته ؟!
كانت اجابة هذه الاسئلة عندي حتي قبل شهور … كنت علي ثقة حقيقية من أنه أصبح في مصر ثواب و عقاب .. لا أحد فوق القانون و أن الجميع في خدمة هذا التراب و فداء له .
و حتي الآن أؤمن انه لم يفت الاوان و أتمني ألا يفوت ابدا  فالعلاقة الثابته و الرصيد الكبير للنظام في قلوب المصريين يسمح بإعادة تصحيح المسار .
فمصر تستحق ان نصحح المسار و تستحق أن نعود الي حلم الجمهورية الجديدة