سكرتير مجمع كهنة جنوب الجيزة: النيران شكلت حاجزًا منع الأطفال وذويهم من النجاة.. فاستشهدوا خنقًا

أطفال قداس الأحد إلى السماء

محرر أخبار الحوادث أثناء حديثة مع القمص «شاروبيم عوض»
محرر أخبار الحوادث أثناء حديثة مع القمص «شاروبيم عوض»

كتب: محمد عطية - محمود صالح

..كانت للنيران المشتعلة صوتٌا له في القلب غصة، كانت لألسنة اللهب مشهدٌا مشبّعا بالموت، مليئ بالصراخ، دموعه دم، وآهاته حسرة.. أطفال يهرولون من الموت فيهربون إليه، يحتضنهم وهم في أحضان أهلهم، يأخذهم أمام أعينهم. يبكيهم في لحظة ليتذكروها ويبكون عليها عمرا.
أعمارٌ تناقصت في سجن النار، سجن الموت، 6 أفراد من عائلة واحد.  توأم دخلا الحياة معًا وخرجا معًا. ثلاثة أشقاء.  قس وهب عمره للعبادة. أم لهفها قلبها على ابنها فلحقت به. امرأة مات زوجها فشقت حزنا عليه الثياب.. أطفال قداس الأحد رحلوا من كنيسة "أبو سيفين" بامبابة، مشاهد ومشاهد لا تنتهي، ولن تنسى.
في خضم النيران ظهر "محمد" وأنقذ 5من أطفال أبناء وطنه، وخرج بكسور في قدمه،  لحقه كيرلس وأنقذ ما استطاع انقاذه، وخرج بحروق في يديه، وأخر اجتاحه هياج عصبي عندما رأى بأم عينيه الاطفال وهم يتساقطون كورق الشجر في الخريف. مشاهد ومشاهد لا تنتهي، ولن تنسى.
41 فردًا قد لقوا حتفهم وقت الصلاة، و14 مصابًا شاهدوا بأم أعينهم حجم المأساة.. والى تفاصيل المأساة، ومن رحمها ظهرت شهامة المصريين.

..كانت الساعة السابعة والنصف وقت أن انقطع التيار الكهربائي عن منطقة مطار امبابة والشوارع التي بجانبها، وقتها كان القس عبد المسيح يقف في الطابق الرابع داخل كنيسة «أبو سيفين» وأمامه أطفال أتى بهم ذويهم لحضور القداس وإجراء أول قربانة أو المناولة الأولى، وهي - لمن لا يعرفها - طقس احتفالي تختص فيه الكنيسة الكاثوليكية، بموجبه يتم مناولة ومنح الأطفال سر التناول في سن محددة.

بمجرد ما أن انقطع التيار الكهربائي نزل أحد العاملين في المكان إلى الطابق الثالث حيث مكان المولدات الكهربائية، وضغط على زر التشغيل، وخلال ربع ساعة من تشغيلها بدأت الأدخنة تتصاعد من الطابق الثالث، وفي طرفة عين نشبت النيران في الطابق الثالث بكامله، حتى أن ألسنة اللهب والأدخنة المتصاعدة شكلت حاجزًا منع كل المتواجدين في الطابق الرابع من النزول هربًا من النيران.

إقرأ أيضًا

أحمد كريمة: إذا احتاجت كنيسة للترميم وجب على المسلمين ترميمها من بيت المال

يصف المشهد لـ «أخبار الحوادث» القمص «شاروبيم عوض» سكرتير مجمع كهنة شمال الجيزة قائلا: «الحريق كان مرعبًا، والمنظر كان كارثيًا.. بعد أقل من ربع ساعة من تشغيل المولدات الكهربائية بدأت النيران تشتعل في الطابق الثالث، هنالك صرخ أحد العاملين في الطابق الثالث مستغيثًا، وكانت وقتها ألسنة اللهب بدأت في التصاعد حتى أن السلم الوحيد المؤدي إلى الطابق الرابع كان لا يرى بالعين من هول الأدخنة التي طمست السلم بأكمله، لذلك كان الطابق الرابع والمتواجد فيه القس عبد المسيح والأطفال الموجودين وذويهم بمثابة السجن، وعندما مرت دقائق لم يستطيعوا فيها النزول من الطابق الرابع، امتدت ألسنة اللهب إلى حيث يتواجدون، وبدأت الأنوار ومفاتيح الكهرباء يمتد إليها الماس الكهربائي ثم اشتعلت، والنيران بدأت في الانتشار، ووصلت إلى المكيفات الموجودة في الطابق، وعددهم كبير، أكثر من 5 مكيفات اشتعلوا في لحظة واحدة، تخيل وقتها المشهد، الأطفال في حالة ذعر والقس يحاول مساعدتهم وإنقاذهم، والأهالي خصوصا الأمهات يحتضن أطفالهن، منهن أم كانت تحتضن أطفالها الثلاثة وماتوا جميعًا خنقًا من ألسنة اللهب والدخان».

إقرأ أيضًا

«التضامن»: الانتهاء من صرف كافة تعويضات ضحايا كنيسة «أبو سيفين»

وأضاف: «كانت الصرخات مكتومة لأن أغلب النوافذ كانت مغلقة، حتى أن أحد جيران الكنيسة في البناية المقابلة لها كان يقف في نافذته ورأى مكيّفا في الطابق الثالث امتدت إليه النيران، حينها صرخ طالبًا الاستغاثة وقال للعامل الموجود أمام البوابة الرئيسية أن هناك حريقًا في التكييف، لكن كان وقتها الموضوع في بدايته، وبعد أن بدأت النيران تشتعل أكثر وأكثر انفجرت النوافذ من حرارة الطابقين الثالث والرابع والتي زادت مع زيادة ألسنة اللهب والحريق، وسقط زجاج النوافذ على الأرض في الشوارع الجانبية معلنًا الكارثة».

واختتم: «بدأ الأطفال يتساقطون تباعًا جراء الاختناق، وحاول الرجال الموجودون مساعدة الأمهات والأطفال في النزول، لكن كان السلم المؤدي إلى الطابق الثالث حيث المكان الذي بدأ فيه الحريق مظلمًا والنيران في كل الأرجاء، مما كان من الصعب نزولهم، حينها حاول رجل أن يفلت من ألسنة اللهب فألقى بنفسه من الطابق الرابع فلقى حتفه، وتبعه طفل صغير سقط هو الآخر على سيارة كانت موجودة أسفل الكنيسة، وبدأ الأهالي من كل حدب وصوب يحملون فوق أعناقهم براميل مياه وحاولوا إطفاء الكنيسة وإنقاذ الأطفال، واستمر هذا الوضع قرابة الساعتين كان الأهالي يحاولون إخماد الحريق وإنقاذ المصابين وإخراج جثامين من ماتوا، ومنهم القس عبد المسيح الذي كان آخر جثمان استطاع الأهالي أن ينزلوا به من الكنيسة وعرفت من العاملين أنه مات مختنقا بعد أن حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ثم بعد ذلك حضرت المطافي والإسعاف وتم نقل الجثامين والمصابين إلى مستشفى إمبابة العام ومستشفى العجوزة.

العناق الأخير.. رحيل جماعي لـ 6 من عائلة واحدة.. ماتوا وهم يحتضنون بعض

..كانت زيارة الكنيسة بالنسبة إلى ماجدة نبيه حبيب صاحبة الـ ٦١ عامًا يعد عيدًا في حد ذاته، ارتباطها بالكنيسة ارتباطًا أورثته إلى ابنتيها الاثنتين "إيرينا" صاحبة الـ ٣٤ عامًا وشقيقتها الصغرى "ميرنا عاطف رمزي" صاحبة الـ ٢٥ عامًا.

كانت الأسرة في حالة من الفرح بعد أن تم خطبة "ميرنا" قبل حوالي شهر، وكان أولاد "إيرينا"، الشقيقة الكبرى" يتطلعون إلى الذهاب للكنيسة بصحبة والدتهم. خصوصا وأن والدتهم لكثرة انشغالها كانت لا تذهب بهم إلا قليلا.

لذلك اتفقت الأم مع ابنتيها على أن يذهبن يوم الإحد إلى الكنيسة لحضور القداس الإلهي، وبالفعل أخذت الشقيقة الكبرى، إيرينا، أولادها الثلاثة مريم وبارسينا التوأم ذات الـ ٥ سنوات، وشقيقهم الأصغر إبرام ابن الثالثة من عمره..وذهبت مع أمها وشقيقتها الصغرى إلى كنيسة أبو سيفين.
عدد الأسرة ٦ أفراد، من عائلة واحدة، دخلوا الكنيسة الساعة السابعة والربع صباحًا، قبل اندلاع الحريق بدقائق، وصعدوا إلى الطابق الرابع حيث يقام القداس، جلسوا على أحد المقاعد ثم أقيمت الصلاة، فقاموا لها.

دقائق ورائحة الدخان بدأت تتسلل إلى أنوفهم، واشتعلت النيران بعدها، أخذت الجدة بناتها الاثنتين إلى حضنها، وحضنت "إيرينا" أطفالها الثلاثة، لم يستطيعوا القيام ولا الهروب من النار، هول النيران وأصوات الصراخ أصابهم بحالة من الهلع معها فقدوا النطق، وظلت الجدة تحضن بناتها وابنتها الكبيرة تحتضن أطفالها، وماتوا وهم في أحضان بعضهم البعض، رحيل موجع، رحيل مؤلم.

أمام عين الأم.. التوائم الثلاثة فقدوا حياتهم في لحظة

..كان التوائم الثلاثة "مهرائيل ويوسف وفلوباتير" أبناء الـ ٥ سنوات ينتظرون يوم الأحد من كل أسبوع حتى يعبرون الشارع ويتجهون إلى الكنيسة، في الحقيقة هم كانوا يذهبون إليها يوميًا لأن حضانتهم كانت فيها، لكن يوم الأحد كان بالنسبة لهم يومًا مميزًا، لأنهم يصعدون إلى الطابق الرابع ويحضرون القداس.

ألبستهم والدتهم أفضل الثياب وخرجت معهم لتوصيلهم إلى الكنيسة، ثم عادت إلى البيت، وبعد مرور ما يقرب من نصف ساعة سمعت أصوات هرجلة في الشارع، خرجت تستطلع الأمر فقالوا لها حريق نشب في كنيسة أبو سيفين.

هرعت السيدة إلى الكنيسة في ذعر، وعندما وصلت إليها وجدت من يحمل طفلا من أطفالها الثلاثة وهو ميت، أخذت الطفل في حضنها وصرخت، وما كادت تنتهى من صرخاتها عليه حتى وجدت شقيقيه أيضًا أمامها، هكذا في لحظة، توفى أطفالها الثلاثة. أمام عينيها.

القس عبد المسيح بخيت أنقذ الأطفال حتى لحظته الأخيرة

بينما كان القس عبد المسيح بخيت، يقيم شعائر القداس، نشبت النيران في أرجاء المكان وعم الهرج الجميع بين صرخات واستغاثات وهرولة من مصير محتوم، وقف فيهم وحاول أن يهدئ من روعهم، كان يأخذ الأطفال الذين أصيبوا باختناق ويبعدهم عن أي أثر للدخان قدر الإمكان، وكان يحمل الأمهات محاولا إبعادهن عن النيران.

كان القس، صاحب الـ ٥١ عامًا رجل يبدو عليه التعب والكبر بالرغم من سنه الصغير، هو مصاب بمرض السكر، وهو الذي كساه عمرًا أكبر من عمره، وكان دائما ما يدخل في غيبوبة سكر يغيب فيها لساعات وتصل إلى أيام، وبالرغم من هذا كله، وحالته الصحية التي هي ليست في أفضل حالتها، كان وقت أن نشب الحريق يبدو وكأنه شابًا لم يبلغ منه التعب ولم يسرقه العمر، ظل طيلة ساعة ونصف يحاول بكل بسالة إنقاذ الأطفال وذويهم.

عنه قال القس مرقس رمزي، كاهن كنيسة مارمرقس بإمبابة، إن القس عبد المسيح بخيت، كاهن كنيسة أبو سيفين بإمبابة، رفض الهروب من الكنيسة عند اشتعال الحريق، وأن القس المتنيح ظل ينقذ أبناءه والأطفال من دخان الحريق، إلى أن أدى دخان الحريق إلى استشهاده.
نقل جثمانه إلى مستشفى امبابة العام، وبمجرد ما أن وصل الخبر إلى زوجته انتقلت إلى المستشفى، وكانت في حالة يرثي لها، وتبكى بشدة .

رامي.. ألقى بنفسه من الطابق الرابع

يصف «رامي» هذه اللحظات لـ «أخبار الحوادث» قائلا: ما إن سمعت صوت انفجار زجاج النوافذ حتى تملكني الرعب أكثر وأكثر، كنت وقتها بعيدًا عن امي وعن شقيقي، ومنع الدخان أن أصل لهم، وأدركت حينها أني لن أخرج من هذا المكان مرة أخرى، فذهبت إلى النافذة أصرخ لعل أحدًا يسمعني وينقذنا، وظللت أصرخ حتى وجدت أحد العاملين في المكان بعد أن التهمت النيران أجزاء من ملابسه يقترب نحوي وأنا عند النافذة، وفجأة صعد إلى النافذة وألقى بنفسه على الفور، نظرت إليه فوجدته قد سقط على سيارة أبونا القمص الموجودة أمام الكنيسة، فألهمني ما قام به أن أفعل مثلما فعل، وعليه صعدت أنا إلى النافذة وألقيت بنفسي منها وسقطت على زجاج السيارة ومنها على الأرض، غبت عن الوعي لدقائق، وعندما أفقت وجدت الإسعاف قد حضرت وتم نقلي إلى المستشفى، كنت وقتها محمولا على الأكتاف ولا أستطيع الوقوف على قدماي، وعندما أجروا الكشف علي وجدوا كسورا فيهما. لذلك قاموا بوضعهما في الجبس».  بعد أن تم إسعاف «رامي» وفاق. لا يعرف مصير أمه وشقيقه، ولم يبلغه أحد أنهما لقيا مصرعهما في الحادث البشع.

شهامة المصريين في أروع صورها.. محمد جازف بحياته لإنقاذ حياة 5 أطفال

..في طريقه إلى صديق له؛ سمع «محمد» - ابن الـ ٣٢ عامًا - صرخات قادمة من اتجاه الكنيسة، أوقف أحد الذين يركضون وسأله، فأجابه أن هناك حريقا هائلا يلتهم الطابقين الثالث والرابع من كنيسة أبي سيفين، عليه ركض معهم حتى وقف أمام الكنيسة.

لم يتردد ثانية وهو يرى المأساة أمام عينيه، ولم يرضَ أن يقف مكتوفي الأيدي وإخوته من الأقباط يصرخون من هول ما يلاقونه، صعد مباشرة من السلم حتى وجد نفسه محاطًا بألسنة اللهب من كل جانب في الطابق الثالث، حاول بيديه أن يبعد النيران عنه، فأصيبت يده بحروق لكنه لم يتألم منها، نظر خلفه فوجد مجموعة من الشباب ألهمهم ما فعله «محمد» وصعدوا خلفه يحملون فوق أعناقهم براميل مياه، فأخذ واحدًا منهم وتحسس حتى وجد سلم الطابق الرابع، فسكب المياه على جسده وفي طريقه حتى يستطيع العبور، فالسلم المؤدي إلى الطابق الثالث من الطابق الأرضي واحد، وسلم الطابق الرابع يلزم أن يدخل الصاعد إليه أكثر في الطابق الثالت حتى يجده، لذلك كان وحده وهو يبحث عن السلم وسط ألسنة اللهب والنيران كمن يقف على حافة الموت.

يقول محمد لـ «أخبار الحوادث» واصفًا ما حدث: «ما أن وجدت نفسي في النيران، لم يكن يهمني هولها ولا شدتها، كل ما كان يهمني حينها أن أعرف السلم المؤدي إلى الطابق الرابع، لأن ألسنة اللهب والدخان المتصاعد على كثرته لا يجعلك أن ترى ولو ربع متر أمامك، فجأة وجدت السلم دون أن أعرف كيف، والدخان يخنق ويُعمي في آن واحد، لكن الله وفقني وصعدت، حينها وجدت الكثير من الأطفال ساقطين على الأرض بعد أن أصيبوا بالاختناق، فبدأت في حمل كل من تقع عليه عيناي ونزلت إلى الطابق الثالث، حيث سلمت الطفلين الذين حملتهم إلى آخرين قد صعدوا للإنقاذ، حينها أرشدت من جاء خلفي على باب السلم وصعد الكثير معي ونزلنا بالكثير من الجثامين وأنقذنا ما يمكن إنقاذه».
وأضاف: «استمر هذا الوضع قرابة ساعتين كنا خلالها نحاول إخماد النيران وإخراج العالقين والأطفال، واستطعت أن أحمل خمسة من المصابين وإنقاذهم».

صرخة بيشوي.. «يارتني مت معاهم بعد ما فشلت فى إنقاذهم»

..كانت حالة الهياج العصبي التي كان عليها «بيشوي» شديدة جدًا، حتى أنه كان لا يتحمل الأطباء وهم يجرون له الإسعافات الأولية. كانت حالته الصحية مستقرة، اللهم بعض من الحرائق البسيطة في يديه ورأسه، لكن حالته النفسية كانت بالغة الخطورة، فالشاب الذي رأى بعينيه أطفالا يموتون كان لا يتحمل أن يتحدث معه أحد بكلمة فيما حدث.

التزم الصمت وامتنع عن شرب المياه، وكانت «أمه» التي أسعدها نجاة ابنها بقدر ما ألمها وفاة الأطفال داخل الكنيسة تحاول تهدئته قدر الإمكان، وهو لا يقول إلا جملة واحدة: «مش عارف أنا ليه مامتش معاهم، معرفتش أنقذهم كلهم، اللي ماتوا كتير ومعرفتش أنقذهم، العيال راحوا مننا في غمضة عين».
صرخاته كانت تشبه صرخات الأطفال وقت أن نشبت النيران، هكذا كان يصرخ ويقول: «إلحقونا.. العيال كانوا بيصرخوا كده، العيال كانوا بيعيطوا والنار محاوطاهم من كل حتة، وبيقولولنا إلحقونا، عمرى ما هنسى منظرهم وياريتني كنت مت معاهم، كان هيبقى أحسن لي».

كيرلس.. حمل طفلين من عائلته جثتين

..كانت حالة الهياج العصبي التي كان عليها «بيشوي» شديدة جدًا، حتى أنه كان لا يتحمل الأطباء وهم يجرون له الإسعافات الأولية. كانت حالته الصحية مستقرة، اللهم بعض من الحرائق البسيطة في يديه ورأسه، لكن حالته النفسية كانت بالغة الخطورة، فالشاب الذي رأى بعينيه أطفالا يموتون كان لا يتحمل أن يتحدث معه أحد بكلمة فيما حدث.

التزم الصمت وامتنع عن شرب المياه، وكانت «أمه» التي أسعدها نجاة ابنها بقدر ما ألمها وفاة الأطفال داخل الكنيسة تحاول تهدئته قدر الإمكان، وهو لا يقول إلا جملة واحدة: «مش عارف أنا ليه مامتش معاهم، معرفتش أنقذهم كلهم، اللي ماتوا كتير ومعرفتش أنقذهم، العيال راحوا مننا في غمضة عين».

صرخاته كانت تشبه صرخات الأطفال وقت أن نشبت النيران، هكذا كان يصرخ ويقول: «إلحقونا.. العيال كانوا بيصرخوا كده، العيال كانوا بيعيطوا والنار محاوطاهم من كل حتة، وبيقولولنا إلحقونا، عمرى ما هنسى منظرهم وياريتني كنت مت معاهم، كان هيبقى أحسن لي».