كرم جبر يكتب: معانٍ عظيمة

كرم جبر
كرم جبر

ترسخ الهجرة النبوية الشريفة مبدأ المواطنة والتعايش السلمي عندما فتحت المدينة المنورة أبوابها وقلبها للمهاجرين، وساوت بين الجميع فى الحقوق والواجبات، فى وقت كانت فيه البشرية غارقة فى الرق والعبودية.

أما أعظم المعانى فهى «العفو عند المقدرة» وليس التشفى والانتقام والكراهية، وعندما عاد النبى إلى مكة فاتحاً، قال لمن آذوه وعذبوه وطردوه : «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وتسامح وتعاطف وقرر أن يبدأ صفحة جديدة مع الجميع.

أنقذ الله نبيه من المشركين الذين أطاحوا ببيته ليقتلوه، فخرج وهو يقرأ عليهم قوله تعالى من سورة يس «وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون» صدق الله العظيم.

ومعان عظيمة أخرى، فيها دروس وعظات لما نعانيه اليوم كعرب ومسلمين، فالوحدة أساس القوة، وكانت الهجرة انتقالاً من الضعف إلى القوة، ومن الاضطهاد إلى العزة والكرامة والكبرياء، وفتحت أبواب الأمل فى وجه البشرية جمعاء، فلم يكن الإسلام يوماً ديناً للكارهين للدنيا ولا المبشرين بالكآبة والعنف والقسوة.

شهر محرم من أشهر البركات والنفحات وتجسد الهجرة الانتماء وحب الوطن، والإسلام يجعل ذلك من الفرائض، ويوجب على المسلمين أن يدافعوا عنه، فقد هاجروا إلى المدينة ولم ينسوا أبداً حبهم لمكة وظلوا يعدون أنفسهم للعودة.

والهجرة ترمز إلى الأمانة، وغرس رسول الله فى أصحابه حب الأمانة فى أحلك الظروف، حتى مع الأعداء الذين تآمروا عليه وهى الشجاعة، ليس فقط فى «الإمام على» كرم الله وجهه أول فدائى فى الإسلام، وإنما فيمن تحملوا المشقة والعذاب والمعاناة، دفاعاً عن دين الله، وتمسكاً بحب رسول الله.

وتتجلى المروءة والشهامة ومكارم الأخلاق فى كل خطوة خطاها رسول الله وصحابته، وهم ينقلون البشرية من الظلمات إلى النور، بالمعانى النبيلة والقيم السامية التى حملوا لواءها.

لم يقبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن تؤرخ السنة الهجرية بتأريخ الفرس أو الروم، لحرصه الشديد أن تكون الأمة الإسلامية مستقلة ومميزة عن سائر الأمم، ولم يقبل أن يؤرخ ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم على أهميتها، فقد كان المسلمون مستضعفين فى مكة ولا حول لهم ولا قوة.

واتفق الصحابة فى السنة السابعة عشرة للهجرة على جعل ابتداء التاريخ الإسلامى من سنة الهجرة، باعتبارها الحدث الأكبر فى تاريخ الإنسانية، الهجرة درس بليغ فى الإخلاص، بالنية الصادقة والعزيمة المخلصة، فلا تنحرف بها المطامع الذاتية عن غايتها الكبرى، ولم تبتغ إلا وجه الله.