حكايات من أسواق المواشي في مصر.. تفاصيل

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: هانئ مباشر

◄أسواق الماشي: تشهد حالة من الركود حاليا بسبب ارتفاع أسعار العلف

◄حكايات أسواق المواشي: المفاوضات تتم بين الباعة والمشترين مباشرة أو عبر سماسرة

◄الخبراء ينصحون: هذا هو الوقت الأفضل لشراء الأضحية

 

فى الساعة الرابعة فجرًا، وما إن ينتهى الشيخ على النيل، إمام المسجد الكبير فى إحدى مدن الشرقية من صلاة فجر يوم الثلاثاء، حتى يبدأ الرجال والشباب فى ركوب سيارات النقل والميكروباص التى تنتظرهم فى الساحة الخارجية للمسجد. وفى لحظات يتحوّل الطريق الواصل بين مدينة القنايات وعزبة المسلمية التابعة لقرية بردين مرورا بمدينة الزقازيق لموكب مليء بالسيارات المحملة بالمواشى والأغنام ومعها مئات من تجار الماشية والفلاحين والجزارين وغيرهم فى طريقهم لـ«سوق المواشى».

 

يوم «الثلاثاء» هو الموعد الأسبوعى لانعقاد هذا السوق، والحقيقة أن هذا الطريق ليس وحده الذى يظهر فيه هذا المشهد، فمنذ مطلع الفجر، لا يخلو طريق مؤدٍ إلى السوق، من عربات تنقل البهائم منه وإليه، وعربات أخرى تحمل على ظهورها طعامها، تنقلها بين كافة المدن والقرى بمحافظة الشرقية إلى «سوق المواشى».

 

وهذا المشهد ليس بغريب عن كل أبناء مصر، فكل المحافظات والمناطق فيها مثل هذا السوق، الذى هو عبارة عن منتدى أو بورصة تجمع المُربِّين والأسواق والمستهلكين، ولكلٍ منها ما يميزها عن غيرها، إذ تباع فى بعضها الخراف والماعز فقط، ويُباع فى الآخر العجول أو الأبقار والجاموس والجِمال بجانب الماعز والأغنام.

 

فى الشرقية نفسها هناك سوق آخر ينعقد يوم الخميس بمدينة بلبيس، وفى البراجيل بمحافظة الجيزة ينعقد هذا السوق يومى الجمعة والسبت، الأول يُخصَّص للمواشى والأغنام، واليوم الثانى لبيع المواشى فقط، وهناك سوق «أبو صوير» بمحافظة الإسماعيلية وهو أكبر سوق للماشية والعجول بمحافظات مدن القناة، وفى سوهاج هناك «سوق الخميس» بمركز طهطا، وسوق الأربعاء بمركز طما، ثم سوق قرية الصفيحة بمركز طهطا، وسوق الجزازرة والثلاثاء بمركز المراغة، وسوق قرية باقور التابعة لمركز أبوتيج بأسيوط الذى يعد من أقدم وأشهر الأسواق المتخصصة فى بيع وشراء الأغنام والماعز، ويقصده آلاف المواطنين كل أسبوع من أجل الشراء أو البيع، خاصة فى المواسم والأعياد.

 

إقرأ أيضًا | نحر 35 رأس ماشية في عيد الأضحى بالشرقية لتوزيعها على الأولى بالرعاية

فى هذه الأسواق عمومًا قد تتطابق التفاصيل وربما تتشابه الحكايات، لكن الأبطال مختلفون وتظل لكل سوق الحدوتة الخاصة به وعلاماته التى تميزه.


الحركة على أشدها.. عربات نقل من مختلف الأنواع والأحجام فى الشوارع المحيطة تبدأ فى تفريغ حمولتها من الماشية، ومع اللحظات الأولى من اقترابك من أرض السوق، لن تسمع غير صوت الماشية (الجاموس والأبقار والغنم)، بعضها تم تقييده بحبل متصل بـ«مَربط» - وهو حوض قد يكون مبنيا من الطين أو الصاج مملوء بالبرسيم أو التبن والخف الأخضر - أكل البهائم - والبعض الآخر يقف بين يدى صاحبه الذى جاء به لبيعه، وشارٍ محتمل يقوم بالفحص والمعاينة.. وسمَّعنا «الفاتحة» والصلاة على النبى علشان ربنا يبارك.. أصله «باب رزق»!

 

قبل هذا المشهد هناك مشهد آخر رغم بساطته فإنه يحكى قصه طويلة ويرصد شكلا لتواصل الأجيال والعلاقات المتعددة بين الأب والابن وجده، وعلاقة الأب والجد بأبنائهم وأحفادهم.. وعلاقة الفلاح البسيط بحيوانه الذى قام بتربيته.. ما الذى يمكن تتوقعه من قيام «الجد» بأخذ «حفيده» معه فى الفجر إلى السوق؟


هو لن يستفيد منه فى «شيل» أو «تنزيل» ولن يبيع، بل ولا حتى «عد الفلوس»، لكن هو وفق عرفه يصطحبه معه ليربيه ويعلِّمه ويجعله رجلا يحتك بالناس.. يرتدى «جلابية بلدى»، ويقف «شبل من ورائه أسد».

يقول الجد «حمودة أبو عصام»: الطفل يحترم الأكبر منه ويحاول أن يتعلم منه كل شيء، ولأنها كام سنة وسيكون فى السوق والحياة لوحده فلازم يتعلم صح.. الحيوانات غير المستأنسة نجح الفلاح المصرى من قديم الأزل فى استئناسها، وربما أصعبها الجاموس وهو حيوان برى لكن استطاع الفلاح أن يربيه ويأكله ويراعيه، ويتذكر: ذات مرة حضرت عملية بيع فى السوق، وكان البائع رجلا كبيرا شنبه يقف عليه الصقر، وبعدما أتم البيع، حضن بقرته وقال لها: يعز علىّ فراقك بس «الزنقة وحشه».. وبكى!

 

فى مدخل السوق تنتشر «مطاعم السوق»، وهى عبارة عن مفارش من البلاستيك أو الخيش مرفوعة على عُصى وتحتها يفترش الأرض باعة يبيعون الفول والطعمية والشاى والقهوة والدخان (المعسِّل) لزبائن السوق الذين يجلسون على حُصرٍ بلاستيكية، وفى الغالب هم يسدون رمقهم وينهمكون فى تبادل أطراف الحديث عن أحوال السوق والأسعار أثناء احتساء الشاى وتدخين المعسِّل، وبجوارهم يقف باعة الأحبال والفئوس والسكاكين.. أحبال من خامات مختلفة بين البلاستيك والموكيت، وفئوس وأدوات زراعية حادة وسلاسل حديدية، وهى الأدوات التى تلزم الفلاحين عمومًا ومربى الماشية بشكل خاص.

مفاوضات


ومع اكتمال نصاب السوق تبدأ عمليات مفاوضات البيع والشراء بين الجميع أو بواسطة «سماسرة» جاءوا بالتراضى بين الطرفين.. يبدأ «فِصال» طويل لإتمام عمليات بيع، من خلال تسعير العجل المرغوب فى بيعه، ليرد عليه الراغب فى الشراء بعبارة «أشترى بحق»، ثم تتردد عبارات «صلى على النبى» على لسان البائع والمشترى خلال تلك المفاوضات، قبل أن ينتهى بينهم الأمر عند عبارة «الله يبارك لك»، وهى كلمات تعنى نهاية عملية البيع والشراء.

 

وعموما فإن الأسعار ورواج حركة البيع والشراء لها مواسمها الخاصة، ورغم أن الأيام الحالية تعد أحد المواسم المزدهرة لأسواق المواشى بمناسبة عيد الأضحى المبارك، فإن تلك الأسواق تشهد حالة إقبال متوسطة من التجار والمواطنين لشراء وتداول الأغنام والأبقار والمواشى بمختلف أنواعها.

 

تشهد حالة من الركود حاليا بسبب ارتفاع أسعار العلف

ارتفاع الأسعار

هيثم عبدالباسط، نائب رئيس شعبة القصابين بغرفة القاهرة التجارية، يقول: هناك حالة ركود تسيطر على أسواق المواشى رغم موسم عيد الأضحى، وذلك نتيجة ارتفاع الأسعار حاليا مقارنة بها فى الموسم الماضى، ومن المتوقع أن تشهد الأسعار انخفاضا خلال الفترة المقبلة ولكن بنسبة طفيفة بسبب ارتفاع التكلفة على المربين خلال الموسم الحالى نتيجة ارتفاع تكلفة الأعلاف، بالتالى من الصعب حدوث تراجع كبير حتى لا يتعرض المربون لخسائر.

وعن أفضل وقت لشراء العجول للأضحية، يقول حسنى حامد (تاجر ماشية وجزّار): أنسب وقت قبل العيد بأسبوع لأن تغيير مكان الأضحية يتسبب فى فقدانها الوزن وكلما طالت فترة تغيير المرعى والمكان والعلفة تخسر الأضحية كمية تصل إلى 15 كيلو من وزنها.

الجساس والعشرى
فى أحد أطراف السوق يقف «جساس البهائم» أو «العشرى» وهو شخص موثوق فيه يقوم بتحديد إن كانت البهيمة «بقرة – جاموسة - مهرة ..إلخ» معشرة (حاملا) أم لا، بل ويمكنه أن يحدد أيضا عدد شهور العُشر.. أما «العشرى» فهو الشخص الذى يمتلك الثور ويقوم بتعشير (تلقيح) إناث البهائم.

وقبل انتصاف النهار وربما قبل موعد أذان الظهر يكون أغلب من فى السوق قد حققوا الغرض من تلك الزيارة، فتبدأ العربات الفارغة فى التجمع أمام السوق، لتبدأ بتحميل العجول، وسط بهجة وفرحة الجميع، فالكل «متراضى» لدرجة قيام البعض بشراء «الهريسة» و«المشبك» ممن يببيعونها على عربات التروسيكل.. وعلى حسب قول أحدهم: «خلينا نراضى أهالينا ونخش عليهم بحاجة حلوة»!