محمد عدوى يكتب .. حريف الناس الغلابة

محمد عدوى
محمد عدوى

ينهى‭ ‬الفنان‭ ‬عمله،‭ ‬يعرض‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬وعمل‭ ‬عليه‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة،‭ ‬ويذهب‭ ‬إلى‭ ‬حال‭ ‬سبيله،‭ ‬ينتهي‭ ‬دوره‭ ‬هنا‭ ‬ويبدأ‭ ‬دور‭ ‬آخر‭ ‬للمتلقي،‭ ‬روعة‭ ‬الفن‭ ‬الحقيقي‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وجه‭ ‬هكذا‭ ‬أؤمن،‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬أنت‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬ما‭ ‬أراه،‭ ‬والاختلاف‭ ‬في‭ ‬الذائقة‭ ‬الفنية‭ ‬لا‭ ‬يفسد‭ ‬للود‭ ‬قضية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المنتج‭ ‬الفني‭ ‬مثار‭ ‬جدل،‭ ‬لكن‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مختلفا‭ ‬عليه‭.‬

عادل‭ ‬إمام‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬عابر‭ ‬سبيل‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬الفنية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬هو‭ ‬الحياة‭ ‬الفنية‭ ‬نفسها،‭ ‬التاريخ‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬أحد،‭ ‬التاريخ‭ ‬ينصف‭ ‬أيضا‭ ‬كثيرين،‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬تاريخ‭ ‬يتحرك،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬فوق‭ ‬النقد،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينفرد‭ ‬بالصح‭ ‬أو‭ ‬يظل‭ ‬قابعا‭ ‬فى‭ ‬الخطأ،‭ ‬هى‭ ‬فقط‭ ‬مجرد‭ ‬روئ‭ ‬فنية‭ ‬ونقدية‭.‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬تختلف‭ ‬مع‭ ‬عادل‭ ‬إمام،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يقدمه،‭ ‬الطريق‭ ‬الذى‭ ‬سلكه‭ ‬فى‭ ‬مشوار‭ ‬نجوميته،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬استسهالا‭ ‬قد‭ ‬أصاب‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬أعماله،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬شططا‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الأخرى،‭ ‬ترفض‭ ‬ذائقتك‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تختلف‭ ‬على‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭.‬

المسيرة‭ ‬الطويلة‭ ‬لعادل‭ ‬إمام‭ ‬خصبة‭ ‬ومتشعبة،‭ ‬مراحلها‭ ‬كثيرة،‭ ‬يصعب‭ ‬الحكم‭ ‬المطلق‭ ‬عليها،‭ ‬يندر‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬ممثلا‭ ‬قدم‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬الفنى‭ ‬الكبير،‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬التاريخ‭ ‬الكبير‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬من‭ ‬فراغ‭.‬

التكوين

فى‭ ‬رأيى‭ ‬يمكن‭ ‬تقسيم‭ ‬مراحل‭ ‬عادل‭ ‬الفنية‭ ‬إلى‭ ‬خمسة،‭ ‬البداية‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتى‭ ‬تستلزم‭ ‬الانتشار‭ ‬وتعتمد‭ ‬على‭ ‬الكم‭ ‬والتنوع‭ ‬وتلك‭ ‬التى‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬ظهوره‭ ‬الأول‭ ‬فى‭ ‬أواخر‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬وحتى‭ ‬عام‭ ‬1980،‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬شهدت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬عادل‭ ‬إمام،‭ ‬شهدت‭ ‬أوجه‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الممثل‭ ‬الذى‭ ‬شارك‭ ‬كممثل‭ ‬ثانوى‭ ‬ومشارك‭ ‬وسنيد‭ ‬حتى‭ ‬حظى‭ ‬بتجارب‭ ‬إنتاجية‭ ‬ليشارك‭ ‬فى‭ ‬بطولات‭ ‬جماعية،‭ ‬أوجها‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬بطل‭ ‬كوميدى‭ ‬موهوب‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬إعداده‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬لخوض‭ ‬غمار‭ ‬اللعبة‭ ‬الفنية‭ ‬كلاعب‭ ‬أساسى،‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬كانت‭ ‬مشاركة‭ ‬الزعيم‭ ‬طيفا،‭ ‬ممثل‭ ‬موهوب‭ ‬يغتنم‭ ‬فرصة‭ ‬التواجد‭ ‬ولا‭ ‬ينسى‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسى‭ ‬الذى‭ ‬بدأ‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬دائما‭ ‬وأبدا‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬الزعيم‭ ‬أن‭ ‬الكوميديا‭ ‬علاجا‭.. ‬وكان‭ ‬طبيبا‭ ‬ماهرا‭.‬

النضج

الثمانينيات‭ ‬كانت‭ ‬الفترة‭ ‬الأهم‭ ‬لعادل‭ ‬إمام‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬اسمه‭ ‬بدأ‭ ‬يكبر‭ ‬ويحتل‭ ‬أفيشات‭ ‬أفلامه،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬مهتما‭ ‬أكثر‭ ‬بقضايا‭ ‬مختلفة،‭ ‬عرف‭ ‬طريقا‭ ‬مختلفا،‭ ‬أدرك‭ ‬إشارات‭ ‬جديدة‭ ‬وطرقا‭ ‬جديدة‭ ‬تصل‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬هدفه،‭ ‬الفن‭ ‬كما‭ ‬الحياة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الاختيارات،‭ ‬واختيارات‭ ‬الزعيم‭ ‬الملهمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬كانت‭ ‬صوب‭ ‬‮«‬المواطن‭ ‬الغلبان‮»‬،‭ ‬انحاز‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬للشعب،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صوتا‭ ‬للحكومة‭ ‬كما‭ ‬يدعى‭ ‬البعض،‭ ‬حارب‭ ‬وجاهد‭ ‬وطرح‭ ‬قضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬‮«‬الجحيم‮»‬‭ ‬1980‭ ‬ومرورا‭ ‬بغاوي‭ ‬مشاكل‭ ‬والإنسان‭ ‬يعيش‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬للمشبوه‭ ‬وعلى‭ ‬باب‭ ‬الوزير‭ ‬والحريف‭ ‬وحب‭ ‬في‭ ‬الزنزانة‭ ‬والغول،‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭ ‬هو‭ ‬محور‭ ‬اهتمام‭ ‬عادل‭ ‬إمام،‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬ويعبر‭ ‬عنه‭ ‬بالكوميديا‭ ‬كثيرا‭ ‬وبالواقعية‭ ‬أحيانا‭ ‬ولا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تجتمع‭ ‬الواقعية‭ ‬بالكوميديا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الزعيم‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬خلفها‭.‬

الاختلاف

يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعنون‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬والتى‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬التسعينيات‭ ‬بمرحلة‭ ‬الاقتراب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬الغلبان‭ ‬مع‭ ‬مبدع‭ ‬آخر‭ ‬يجيد‭ ‬ويعرف‭ ‬مشاكل‭ ‬الشارع،‭ ‬مرحلة‭ ‬الالتحام‭ ‬مع‭ ‬وحيد‭ ‬حامد،‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬ثمارها‭ ‬يافعة،‭ ‬والتى‭ ‬بدأت‭ ‬باللعب‭ ‬مع‭ ‬الكبار‭ ‬والإرهاب‭ ‬والكباب‭ ‬مرورا‭ ‬بالمنسى‭ ‬وطيور‭ ‬الظلام،‭ ‬وليس‭ ‬انتهاء‭ ‬بالنوم‭ ‬فى‭ ‬العسل،‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬كانت‭ ‬هموم‭ ‬المواطن‭ ‬حاضرة،‭ ‬كانت‭ ‬أزماته‭ ‬تطرح‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬بقوة‭ ‬وجرأة،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬ان‭ ‬قوة‭ ‬حامد‭ ‬وإمام‭ ‬وجهادهما‭ ‬ومعاركهما‭ ‬الكثيرة‭ ‬مع‭ ‬الرقابة‭ ‬وغيرها‭ ‬كانت‭ ‬مفيدة‭ ‬للمتلقى‭ ‬الذى‭ ‬وجد‭ ‬اختلاف‭ ‬حقيقي‭ ‬فى‭ ‬الطرح‭ ‬السينمائي‭.‬

التنوع

فى‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة،‭ ‬ومع‭ ‬كبر‭ ‬عمر‭ ‬الزعيم‭ ‬وقلة‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي،‭ ‬اختار‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬التنوع،‭ ‬عمل‭ ‬مع‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬وصوب‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اتجاه،‭ ‬تأرجح‭ ‬بين‭ ‬الكوميديا‭ ‬الخالصة‭ ‬والكوميديا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية،‭ ‬قدم‭ ‬نماذج‭ ‬مختلفة‭ ‬للمواطن‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬من‭ ‬بخيت‭ ‬المهيطل‭ ‬إلى‭ ‬سعيد‭ ‬المصرى‭ ‬إلى‭ ‬شريف‭ ‬خيرى‭ ‬وقدرى‭ ‬المنياوى‭ ‬وخطاب‭ ‬النجارى‭ ‬ومرجان‭ ‬أحمد‭ ‬مرجان‭ ‬وحتى‭ ‬زكى‭ ‬الدسوقى‭ ‬ومحسن‭ ‬هنداوى،‭ ‬شخصيات‭ ‬بنكهة‭ ‬جديدة‭ ‬تفوح‭ ‬منها‭ ‬عطر‭ ‬السنوات‭ ‬وثقل‭ ‬الحمل‭ ‬والرغبة‭ ‬فى‭ ‬التنوع‭ ‬المفيد‭.‬

الاقتحام

يدرك‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬أن‭ ‬الدراما‭ ‬التليفزيونية‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬السينما،‭ ‬يجيد‭ ‬اللعب‭ ‬بقواعد‭ ‬الدراما،‭ ‬ويعرف‭ ‬متى‭ ‬يتكئ‭ ‬على‭ ‬تاريخه‭ ‬فى‭ ‬مرحلة‭ ‬الاقتحام‭ ‬التى‭ ‬تلازم‭ ‬الدراما،‭ ‬منذ‭ ‬ناجى‭ ‬عطا‭ ‬الله‭ ‬وحتى‭ ‬فلانتينو،‭ ‬وهو‭ ‬يقدر‭ ‬تماما‭ ‬أهمية‭ ‬العمل‭ ‬التليفزيونى‭ ‬وخطورته‭ ‬ولا‭ ‬ينسى‭ ‬هاجسه‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭.‬

ارتباط‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬بالناس‭ ‬تسبب‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأزمات،‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬أحيانا،‭ ‬مع‭ ‬المعارضة‭ ‬أحيانا‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬كثيرا،‭ ‬كان‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تتحكم‭ ‬فى‭ ‬النقد‭ ‬والصحافة،‭ ‬المثقفون‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬فنانا‭ ‬تحت‭ ‬مظلتهم‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬مع‭ ‬الشعب،‭ ‬انتقدوه‭ ‬كثيرا،‭ ‬كانوا‭ ‬يرونه‭ ‬‮«‬مسلواتى‮»‬‭ ‬كان‭ ‬يتجاهل‭ ‬ذلك‭ ‬وكانوا‭ ‬يزيدون‭ ‬الأمر‭ ‬اشتعالا،‭ ‬وكان‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬هو‭ ‬الزعيم،‭ ‬حريف‭ ‬الناس‭ ‬الغلابة‭.‬