حديث الأسبوع

قتامة المشهد وغياب مبادرات المعالجة

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

زاد البنك الدولى الأوضاع قتامة بما تضمنه تقريره الذى نشر على العموم خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو الجارى، بأن كشف عن معطيات وحقائق عمقت المخاوف مما ينتظر العالم فى المدى المنظور والبعيد. فما كان، ولا يزال، واضحا أن التطورات الخطيرة التى عرفها وعاشها العالم خلال الأشهر القليلة الماضية، بداية مما خلفته تداعيات جائحة كورونا التى يلاحظ أنها عادت وتيرة انتشارها إلى الارتفاع بشكل مذهل خلال الأسابيع القليلة الماضية، ونهاية بما تلقيه الحرب المشتعلة فى قلب القارة العجوز بين القوى العظمى فوق الأراضى الأوكرانية، من أزمات مستفحلة وعميقة وصلت هذه المرة إلى حد التهديد بأزمة غذائية خطيرة، بعدما سدت منافذ التسويق واختلت سلاسل الإنتاج، مما تسبب فى ارتفاعات مهولة فى أسعار العديد من المواد الاستهلاكية والخدماتية الأساسية.

التقرير الأخير للبنك الدولى كشف عن هذه المخاوف بالأرقام والإحصائيات، ونبه إلى خطورة وقوع ما سماها ب (العاصفة الاقتصادية على جميع المستويات) وغير ذلك بتراجع وتيرة العديد من الأنشطة الاقتصادية وتعذر نقل المواد، مما يهدد بإغلاق العديد من وحدات الإنتاج. وأكد أن بعض معالم الأزمة الراهنة تفوق ما عاشه العالم إبان أزمة النفط سنة 1973، لأن تلك الأزمة كانت تتعلق بالنفط فقط ولم تتطاير شظاياها إلى مواد أخرى، عكس ما هو عليه الوضع حاليا، بحيث أن الأزمة الحالية تطال جميع المواد الطاقية من نفط وغاز وفحم، ناهيك عن التقلص الكبير فى إنتاج وتسويق العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية من قبيل الحبوب والزيوت وغيرها، ما يعنى أن أزمة النفط فى سنة 1973، كانت شبه معزولة عن باقى المواد، فى حين أن خطورة الأزمة الحالية تشمل كثيرا من المنتوجات الطاقية والغذائية والخدماتية.

وفى تفاصيل ما تضمنه تقرير إحدى أكبر المؤسسات المالية العالمية، نجد الإشارة إلى أن تدهورا كبيرا فى جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، من ذلك أن معدل التضخم الاقتصادى فى العالم وصل فى نهاية شهر أبريل الماضى إلى 7٫8 بالمائة، وهو ارتفاع فى أحد أهم المؤشرات الاقتصادية لم يعرفه الاقتصاد العالمى منذ سنة 2008 إبان الأزمة المالية التى عاشها العالم آنذاك، وهو أعلى ارتفاع بالنسبة للدول ذات الاقتصاديات العظمى والكبرى منذ سنة 1982، والأكيد أن هذا الارتفاع تواصل خلال الشهرين الماضيين، لأن الأسباب التى كانت وراء هذا الارتفاع تواصلت بوتيرة وبحدة أكثر.

تداعيات التطورات الوازنة التى عاشها، ويعيشها العالم فى هذه الظروف الصعبة التى يجتازها فرضت على مؤسسة البنك العالمى إعادة النظر فى توقعاته الاقتصادية بالنسبة للسنة الجارية، ليكشف من جهة أن التوقعات التى ينشرها للرأى العام ليست من العلوم الصحيحة ولا الدقيقة، بل هى تكاد تقترب من مجرد تخمينات مرتبطة بالمعطيات الظرفية السائدة، إذا لم تكن فعلا مرتبطة بحسابات بعيدة عن الاقتصاد نفسه. وفى هذا السياق يتراجع البنك الدولى فى تقريره الجديد عن معدل النمو الاقتصادى فى العالم برسم السنة الجارية من 4٫1 بالمائة التى كان قد تنبأ بها قبل فترة وجيزة، إلى نسبة لا تتجاوز 2٫9 بالمائة، بعدما كان هذا المعدل قد عرف انتعاشة لم تكن متوقعة فى حسابات هذه المؤسسة التى تدفع بدقة نتائج دراساتها وتوقعاتها وبوجود كتائب من الخبراء المتخصصين، حيث أن معدل نمو الاقتصاد العالمىحسب نفس المؤسسة وصل فى نهاية 2021 إلى 5٫7 بالمائة، وهو ما لم يكن متوقعا بسبب حدة وقوة وشراسة تداعيات الجائحة اللعينة.

البنك العالمى لم يكن وحيدا فى الكشف عن فداحة الخسائر التى يدفعها العالم جراء التطورات الأخيرة، وفى التنبيه الى حجم الأخطار المتربصة بالأوضاع العالمية، إذ أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تؤكد فى توقعاتها التى نشرتها فى نفس التوقيت أن (العالم سيدفع ثمنا غاليا للحرب الروسية الأوكرانية) وأن معدل نمو الاقتصاد العالمى لن يتجاوز 3 بالمائة، بعدما كان الرهان على تحقيق معدل يصل إلى أكثر من 4٫5 بالمائة. وأن الناتج الداخلى الخام فى منطقة الأورو لن يتجاوز هذه السنة 2٫6 بالمائة مسجلا تراجعا كبيرا مقارنة مع ما حققه فى نهاية السنة الفارطة التى وصل فيها هذا المعدل إلى 5٫3 بالمائة، بيد أن معدل التضخم فى هذه المنطقة سيصل إلى مستوى قياسى 8٫5 بالمائة. واذا ما استحضرنا الوزن الاقتصادى لدول منطقة الأورو وتأثيرها فى الاقتصاد العالمى ندرك حجم التكلفة التى سيدفعها الاقتصاد العالمى بسبب ذلك.

و سواء تعلق الأمر بالبنك العالمى أو بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإنهما معا يجمعان على أن الصدمة الجديدة التى يواجهها العالم حاليا ستفضى إلى تضخم اقتصادى غير مسبوق مصحوب بركود اقتصادى عالمى لم يعرفه العالم منذ 1970. وأن تأثيرات هذه الأزمة ستدوم وتستمر لسنين أخرى، لأن بنية الاقتصاد العالمى ليست قادرة على التعافى المباشر من آثار هذه الوعكة القوية الطارئة، وأنه لا بد من المراهنة على عامل الوقت للتعافى التدريجي، هذا ما لم تقع تطورات جديدة تعيد العداد إلى نقطة الصفر.

ماذا يعنى تراجع هذه المؤشرات الاقتصادية فى العالم بسبب الحرب الطاحنة الدائرة حاليا؟ فهذه المعدلات ليست أرقامًا جافة، ولا هى مؤشرات معزولة، بل هى نتائج لمعادلات مركبة. فهى تكشف عن تدهور خطير فى الأوضاع الاقتصادية، ولكنها فى نفس الوقت هى مؤشرات عن تدهور خطير مرتقب فى الأوضاع الاجتماعية، بمعنى أن التدهور سيطال أوضاع الإنسان فى مختلف أنحاء المعمور نتيجة لتراجع هذه المعدلات. وهكذا فإنها تعنى اليوم ارتفاعات مهولة فى معدلات البطالة بعد أن يقضى تراجع معدل النمو على ملايين مناصب الشغل، وزيادة مقلقة فى مستويات الفقر بسبب تراجع وتقلص وانعدام المداخيل المالية، وبسبب الضربات القوية التى توجه حاليا إلى القدرة الشرائية للأشخاص، وتضخم فى مختلف مظاهر الهشاشة الاجتماعية بسبب تقلص وانعدام فرص الحصول على متطلبات العيش الكريم.

لذلك كله وغيره كثير جدا فإن قتامة الأوضاع ستتفاقم خلال المرحلة المقبلة، والأكيد أن شعوب الدول ذات اليد القصيرة فى الحصول على الموارد المالية هى من سيدفع فاتورة التطورات والأحداث التى تتراكم بوتيرة سريعة بحجم أكبر. وما يزيد هذه القتامة سوادا غياب المبادرات الجدية لمعالجة ما يحدث ويخلف تداعيات خطيرة وكبيرة.

نقيب الصحفيين المغاربة