جريمة هزت أعماق مصر.. وحشية وأحقاد 

خاطر عبادة
خاطر عبادة

حادث بشع سبب صدمة عنيفة و أحدث دوى هائل فى الشارع المصرى أمام مشهد تكرار أول جريمة فى حق البشرية؛ لكن بصورة أبشع و أفظع بكثير.. تنم عن شخصية صاحبها المليئة بالعقد النفسية والغل والأحقاد كما لو كان شيطان فى صورة وحش آدمى. 

تجرد شاب من كل معانى الإنسانية والرحمة وطارد فتاة وتعقبها حتى أبواب الجامعة ثم طعنها بكل همجية وقسوة وذبحها بسكين حاد لرفضها الارتباط به.. يظهر جليا من ملامحه وسحنته الشريرة العنف والتطرف وغلظة وصلف الجاهلية؛ حتى أن وسائل الإعلام أظهرت صورة له بشعر طويل و"منكوش" متصلا بلحيته فبدا من هيئته و تسريحة شعره أنه أحد البلطجية والإرهابيين أو الكفار! .. وتكشف ملامحه أيضا عمن يتشبه بهم ويقلدهم ويتخذهم قدوة من مجتمعات غريبة أو فئات ضالة عن المجتمع وبعيدة عن الدين أو عن أى سلوك حضارى.

وتشبيه هذا القاتل الوحشى بالكفار ليس مقصودا به تكفيره عقائديا؛ وإنما لأنه اكتسب من صفاتهم الوحشية الجاحدة  القاسية الفظة الغاضبة التى تؤهلهم ليكونوا من شرار الناس ووقودا للنار ويميلون للتطرف فى الغضب والغل والحقد.

من بين الأسباب الشائعة التى تدفع البلطجية للقتل هى السرقة والإدمان؛ لكن لو تأملنا سنجد هناك أيضا خلافات عادية كثيرة قد تحدث بين اثنين من المعارف أو الأصدقاء تتطور لتصبح جريمة، لأن التعامل مع شخص بلطجى أمر خطير لأنه بمجرد الاختلاف معهم ستظهر كل دوافع الإجرام والتطرف والسادية والقهر وانعدام الرحمة والضمير.. هذه ليست سمات الأسوياء، هى شخصيات مريضة معقدة؛ يكتسبون صفات الجاهلية وهى الاندفاع للقتل والعنف دون عقل أو دون سبب أو مبرر معقول؛ لكنها عقول منحرفة استولى عليها الشيطان و شخصيات "صايعة" فاسدة وقعت تحت طائلة الإدمان؛ تتعامل بوحشية كأنها لم تسمع عن شيء إسمه الدين والقرآن والقيم.

لكن ما يخيف أكثر هذه المرة أن سمات ذلك البلطجى قد تظهر فى نطاق وأماكن غير معتادة لما فى أوكار الجريمة؛ اليوم ظهرت عند أبواب الجامعة وأشخاص يقولون إنه من عائلة بل كان متفوق دراسيا !!
هذا الأمر يحتاج لوقفة وتحليل نفسى ودينى ومجتمعى أيضا،، هل تظهر من بيننا فئات لا نعرفها مصابة بالانفصال عن القيم والدين والمجتمع وكأنهم يعيشون فى مجتمع آخر ووادى آخر.. أو مناطق تمثل مرتعا للفساد أو بؤرة للجريمة؟.

الأمر أكبر من كونه سلوك نفسى مضطرب؛ هذه جريمة قتل بشعة وإجرام.. الطبيعة الإجرامية متأصلة عند القاتل؛ رغم أن هناك شخصيات كثيرة مؤذية، لكن هل هناك أذى أكبر من القتل، هو انحراف وفساد عظيم وكبيرة من الكبائر.. قد يخدعك فى البداية أسلوبهم المسلى و إظهار الذكاء والتحضر وحلو الكلام والأزياء لكن سرعان ما تكتشفهم عند أول خلاف.. فجر فى الخصام

من سمات هذا المجرم أيضا؛ السادية والتسلط المؤذي "البلطجة" وحب السيطرة فيشعر الضحية كأنها من ممتلكاته الشخصية.

كل الناس يغضبون ويختلفون فى حدود العقل والأصول التى تربينا عليها، لكن ليس بتلك الطريقة الوحشية المختلة والجحود حين تغضب كما لو كان كتلة من الشر والجحيم.. أى أذى نفسى قد تسببه فتاة لشخص بلطجى فى صورة وحش متجرد من الإنسانية- حتى يطاردها بهذا الشكل ويقتلها.. لكن مجرد الخلاف مع هذا النوع من البشر يتحول لمطاردة وجو يشبه أفلام الرعب كأنه مصاص دماء.. هذا النوع من الجرائم لم نكن نشاهده إلا فى قارة أمريكا

جرائم غريبة ومرعبة تشبه فى وحشيتها وتطرفها عنف الجريمة فى المجتمعات الأجنبية التى يغيب عنها الوازع الدينى، وتدق جرس الإنذار أمام ظهور تلك الفئات

دوافع السلوك العدواني المتطرف والتى تهوى به فى عالم الإجرام هى الانغماس فى المعاصى والانفصام الأسرى وبالتالى ينفصل كليا عن المجتمع وقيمه والدين؛ رفض الواقع والحقد على المجتمع؛ وكذلك انتشار  المخدرات و غياب القدوة الحسنة والاقتداء بثقافات أجنبية أو نماذج بلطجة شاهدها فى أفلام أو مسلسلات أو حتى أغانى شعبية تروج للعنف و الثأر والغل وأخذ الحق باليد؛ وكأن ذلك من المروءة أو من سمات الجدعنة وهى مسؤولة أيضا عن تدنى الذوق العام وتدهور القيم

الحادث بشع ومقزز وهز أعماق الشعب المصرى لوحشيته الشديدة؛ وقد عبر الجميع عن غضبهم وانزعاجهم من الجريمة المؤذية نفسيا وراح البعض يبحثون عن وسائل رادعة لحماية الأمن المجتمعي من ظهور هؤلاء؛ رغم أن بعضهم ليس لديه سجل إجرامي لكنهم يعيشون بيننا ويدخلون الجامعات .. ما الذى يجعلنا نتخوف من ظهور فئات لا تنتمى لمجعاتنا، فئات ينعدم بداخلها الوازع الدينى ولا تلهو إلا وراء المادة والشهوة العمياء حتى طبعت على قلوبهم و أعمت أبصارهم .. وفئات تجرى وراء الكيف والمخدرات..

الانتحار 

وتزامن مع حادث قتل فتاة المنصورة وفى نفس اليوم.. انتحر شابين أحدهما من فوق برج القاهرة وأخر من فوق الكوبرى بالمنصورة.. ودوافع الانتحار الشائعة تتشابه فى بعض الأحيان مع جريمة القتل بشكل كبير، وهى التفكك الأسرى وغياب الهوية واضطراب نفسى شديد وعدم الرضا و التسامح مع الواقع ينمى بداخله فكرة الاعتراض على أقدار الله والحقد؛ كما قد يعانى من فقدان الاتصال بالذات والمجتمع والسقوط فى هوة نفسية عميقة يفقد فيها إحساسه بقيمته وذاته وشعوره بالحياة، وأيضا الإفراط فى تعاطى المخدرات للهروب من الواقع واتجاهه للانحراف وارتكابه جريمة فى حق ذاته أولا واليأس من رحمة الله.

ما يحدث يذكرنا بمسألة قديمة ومتجددة فى آن واحد ومدخل هام لتحليل أحد أركان الجريمة وهى العلاقة العكسية بين المرض النفسى وقضية الإيمان بالله.. والقول البديهي المعهود هو أن المؤمن الحقيقى والصادق القوى يعتقد ويؤمن بأن لديه حصانة دائمة وركن شديد وملاذ آمن يرجع إليه، وهو الله العلى القدير، متصالح مع حاله؛ إن فاتته الدنيا فهناك متسعا فى آخرته.. وأن خشيته من الله تمنعه من أن يؤذى الناس وإيمانه بالآخرة يحثه دائما على ضبط النفس والعودة لرشده وحب الخير والجمال ويمنحه الأمل دائما فى الحياة وإيمانه بأن مقاليد الأمور بيد الله يريح باله وقلبه.. وأنه حسن الظن بالله.. وذلك بعكس الملحد الذى تحاصره دائما أفكار اليأس والإحباط والوساوس والظلام وسوء الظن بالله؛ إذا لم يرشده قلبه ويراجع نفسه وحاله باستمرار كما يفعل المؤمن فى كل وقت.

والذى يتعمق و يتطرف فى الفكر الضال أوالملحد ينعكس ذلك على فكره؛ كما لو كان يبحر وحيدا بقارب وسط أمواج من الظلام دون مجداف .. كما أن عدم خوفه من الله يمثل دافعا حقيقيا لارتكاب الجريمة إذا ما انعدمت لديه الإنسانية واستسلم لأمراض القلب من حقد وغل وحسد وطمع بجانب التطرف الفكرى وكل ذلك من عوامل الجريمة فى المجتمعات بشكل عام سواء المسلمة أو غير المسلمة.
وهذا ما يدفعنا لضرورة الدقة فى الوصف بين الإيمان الحقيقى والصادق وبين الإيمان المزيف الذى يخلو من حب الخير وفعل الخير ومراجعة النفس وتنقيتها باستمرار حتى لا تختلط بشوائب الدنيا والناس.

أخيرا.. الأمر يحتاج لدراسة عاجلة وتحليل ووقفة لحماية أمننا المجتمعى من عبث الانحراف وراء الشهوات أو لهو وسائل التواصل التى عمقت الفجوة بين الناس وزادت من الانفصام الأسرى والمجتمعى و ظهور نوع من الجرائم لشباب يبحثون عن قدوتهم فى ثقافات الخارج الدخيلة على المجتمع..
وقفة مجتمعية من رجال ومنظمات المجتمع المدنى والإعلام ودراسة شاملة لحماية الأمن المجتمعي والذوق العام من التدهور.. دور الإعلام ليس امتصاص الصدمات وتهدئة الناس فقط ولكنه توعية وفهم وقدوة ويضع يده على الجرح ويوصى بدراسات .. نحتاج حلولا جذرية تتجسد فى قرارات تحمى الثقافة الأصيلة والقيم من عبث الانحراف والفساد.