الحلقة المفقودة فى عملية التنمية

خاطر عبادة
خاطر عبادة

منذ أيام افتتح السيد الرئيس مشروعات مجمع الإنتاج الحيواني والألبان بمدينة السادات؛ وهو مشروع ضمن المشاريع القومية التى تنتهجها الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتى فى كل المجالات والتكامل الاقتصادى.. ومثال لمشاركة القطاع الخاص مع الدولة فى المشروعات العملاقة الكبرى.. 

 استغل الرئيس ذلك الحدث للتأكيد على ضرورة مشاركة القطاع الخاص لدعم الدولة فى هذا الإطار.. وقال إن الدولة بذلت أقصى ما عندها لضبط الأسعار  فى ضوء الارتفاعات المتزايدة باستمرار عالميا فى أسعار الطاقة والغذاء بسبب الأزمة العالمية بين القوى الكبرى؛ وأكد الرئيس أن مصر لا تعانى أى نقص فى وفرة السلع خصوصا أن احتياطى السلع الغذائية أمن و يكفى لمدة 6 أشهر، بما يضمن عدم رفع الأسعار أو تحميل المواطنين بأعباء إضافية حتى نهاية العام)..
العالم كله يتابع باستمرار وقلق مردود الأزمة الاقتصادية على كل الدول والتى لم يسلم منها أحد- حتى مواطنى الدول الكبرى؛ الجميع الآن يصلى من أجل نهاية الحرب والأزمة قبل نهاية العام الجارى.

لكن تحسبا للأسوأ فى تلك الأزمة.. و حتى ذلك الموعد هل تستطيع مصر العظمى حشد قواها الكامنة من رجال الأعمال الوطنيين الشرفاء للمشاركة فى مشروعات قومية مماثلة تختصر علينا الوقت والجهد فى مشوار تأمين الغذاء والاكتفاء، بما يضمن عدم اللجوء والاضطرار لإرهاق الناس بمزيد من ارتفاعات أسعار الغذاء وسط أزمات عالمية متسارعة قد تطول و تهدد بموجات غلاء إضافية .. ثقتنا فى الله تعالى كبيرة أننا حتى ذلك الموعد سنرى تلاحم وطنى غير مسبوق يولد من رحم التحديات.. وأن القيادات التاريخية إنما يصنعها التحدى والإصرار ولم تولد زعامة من فراغ.

مساهمة أصحاب الأعمال والمصانع فى إنشاء استثمارات سواء صناعية او فى الاقتصاد الأخضر تغنينا عن الاستيراد من الخارج هو ضرورة قومية؛ ولم يطالب أحد بتبرعات ولكن مجرد المشاركة هو واجب قومى فى هذا الظرف التاريخى الذى يشبه الحرب العالمية.

وليس بالضرورة على كل رجال الأعمال المشاركة فى مشروعات تضاهى حجم وقدرات الدولة فى تنفيذ مشروعات قومية عملاقة لكن الفرصة الآن مواتية للمساهمة بأى مجهود مع إنشاء مجمعات صناعية لتحقيق الاكتفاء ؛ خصوصا أن الدولة توفر الأرض والمرافق والفكرة.. يتبقى الآن تفعيل لجان قومية ترعى تلك المبادرات وتشرف على إنشاء مزيد ومزيد من المشروعات العملاقة الكبرى فى إطار دعوة الحوار الوطنى؛ الذى يجب أن يكون على رأس أولوياته مناقشة ذلك التحدى و أن يخرج علينا بلجان ومبادرات قومية مشتركة تدعم الاقتصاد أولا ترسم الأمل وتنشر الطمأنينة وتحمى البسطاء .
 
كما يتوجب على الدولة المضى بشكل أسرع فى تيسير وعودة البناء بكل طاقته لتوفير مناخ من الرضا العام نظرا لما يمثله ذلك القطاع الحيوى من أهمية تتصل بكل مجالات الحياة، كما سينعكس عل  توفير السيولة وزيادة حركة التجارة المحلية مما يحسن من معيشة الناس وتقليل حدة التضخم وبالتالى يبدد مخاوف الناس والمستثمرين الراغبين فى إقامة مشاريع.. فما الذى قد يثبط من همم التاجر أو الصانع والمستثمر من فتح مشاريع جديدة سوى ضعف القوة الشرائية وحركة التجارة بسبب ركود حركة البناء؛ وبالتالى علينا استعادة الحلقة المفقودة فى  عملية التنمية وهى عودة حركة البناء .. هذا من جهة.. أما الحلقة الأخرى تتمثل فى دور المجتمع المدنى ورجال الأعمال فى عملية التنمية.

بالتأكيد لمسنا نية حقيقية من جانب مؤسسات الدولة لعودة حركة البناء بعد القضاء على عشوائيات المبانى واستعادة أملاك الدولة وإنهاء ملف التصالح.. واسترجاع حق الدولة القديم.. لكن يتبقى أيضا القرار الذى يصاحبه إجراءات ميسرة لاستخراج التراخيص دون التقيد ببنود غير ضرورية أو شروط صعبة على الناس؛ بل التوسعة بقدر الإمكان فى ضوء حاجة الناس.

قبل ولاية الرئيس السيسى، كانت الدولة تسير بنهج عشوائى  غير منظم، لكن يحسب للقيادة السياسية تبنى نهج إطلاق المشروعات القومية الكبرى لإعادة البناء فى كل المجالات.. وكل خطوة تجدى فى هذا الاتجاه؛ الآن تتوسع الدولة فى فتح أفق جديدة للتنمية وإقامة مجتمعات عمرانية متكاملة على حدود المدن والمحافظات وتزيد من رقعة الاقتصاد الأخضر بمشاركة رجال الأعمال والمطورين العقاريين بجانب مشروعات زراعية كبرى وملموسة.

واليوم يجب أن نعى جميعا أنه ليست الدولة بمفردها هى من تقود عملية التنمية.. هذا لا يحدث فى الدول الكبرى، ولكن هناك منظمات مدنية وقوى وطنية تشارك الدولة فى إطار حب الوطن وتقديسه.. وليس المصالح السياسية والصراع.

المشاركة بحسن نية لدعم إجراءات الدولة، التى كانت
تسعى لتأمين احتياجات الغذاء ومنعت سياسة الاحتكار والاستغلال التى كانت سائدة فى أنظمة سابقة، و فعلت مبادرات للحد من الغلاء؛ لكنها فى نفس الوقت كانت تسير بنهج منظم لتحقيق الاكتفاء الذاتى وتنفرد بإطلاق المشروعات الوطنية، حتى لو كانت بمساهمات غير ملحوظة  للقطاع الخاص؛ حتى لو كانت بخطوات غير سريعة لم يلمسها كل مواطن؛ فالآن لم يعد بمفردها تحقيق كل ذلك فى وقت قياسى سوى بمشاركة المجتمع المدنى ورجال الأعمال.. ماذا لو تغير المشهد واكتملت الصورة الوطنية من دولة ومنظمات وأفراد يتصدرون المشهد الوطنى.

 أن الأوان أن ندرك جميعا أهمية المشاركة وتصحيح أخطاء الماضى واستثمار دعوة البناء لدعم بلادنا فى مثل تلك الظروف التاريخية.. تلك الدعوة موجهة لمن سوى رجال الأعمال والصناع والزراع وحتى الأفراد الأغنياء الذين يمكنهم المشاركة على قدر إمكاناتهم لتوظيف تلك الأموال من أجل الصالح العام وزيادة الإنتاج وتوفير الغذاء.. الوطن بحاجة للجميع فى هذه الظروف التاريخية قبل فوات الأوان-لا قدر الله-.. لا يمكن أن تكون هناك نهضة إلا بوعى ومشاركة مجتمعية.. أين دور الأغنياء الملموس والفعال !

يجب على المؤسسات الدينية بجانب منظمات المجتمع المدنى توعية المستثمرين والأغنياء لزيادة الأموال المخصصة لدعم الاقتصاد ولو بمشاريع زراعية أو صناعية صغيرة ومتوسطة .. المساهمة فى مشاريع عامة بمبادرات قومية بمشاركة جناحى الأمة- الدولة والمجتمع المدنى؛ بجانب جذب الاستثمار الخارجى؛ ولا ننسى الدور العربى واستغلال حالة الوحدة العربية لتحقيق الاكتفاء وزيادة التجارة البينية..
ما نراه إذن؛ هو أن الدولة تأخذ بجميع الأسباب، و تؤمن بأن يد الله مع الجماعة، ونترك النتيجة والباقى على المولى القدير.. وكلنا ثقة فى عونه وتوفيقه..