الطريق

خيري عاطف يكتب: الحرية للإرهاب

الكاتب الصحفي خيري عاطف
الكاتب الصحفي خيري عاطف

القرار الذى إتخذته امريكا قبل ساعات.. اعجبنى.
وحتى لا يختلط الأمر امام البعض.. نعم أقصد تماماً ذلك القرار الذى شطبت فيه واشنطن 5 كيانات ارهابية من قوائم الإرهاب، ومنها الجماعة الإسلامية، نفسها الجماعة التى نفذت جريمة إغتيال السادات، امام مرأى ومسمع العالم، وفى نفس اليوم خططت لإقتحام مديرية امن اسيوط، والهجوم على قسم ثان، والدورية اللاسلكية، ومباحث أمن الدولة، والمباحث الجنائية، ليسقط 181 شهيداً من رجال الشرطة فى عدة عمليات دموية لم تستمر لبضعة ساعات.
نفسها الجماعة الإرهابية التى تورطت فى تنفيذ عشرات العمليات الإرهابية والتى سقط فيها العشرات من المصرين والأجانب على أرض المحروسة.
اعلم ان هناك من سيتهمنى بالتطرف او الجنون، وربما ستكون التهمة جاهزة انى فرد من تلك الجماعة، او على الأقل من سليل منها، او من اعوانها او من المشاركين او المعاونين او حتى المشجعين من الانصار المعادين للدولة، المؤيدين لسقوطها، ولكل من يقرأ هذه الكلمات له الحق واؤيده اذا اختذله او اكتفى بسطوره الأولى دون ايضاح المقصود.
وإعجابى بالقرار نابع من قوته، أو بالأدق قوة ردة الفعل فور صدوره، خاصة من المتابعين المصريين.
المصريون الذين استقبلوا الخبر الصادم بلا صدمة، المدهش بدون دهشة، وكأنهم يتوقعون تماماً ان هذا القرار سيصدر عاجلاً او اجلاً، بعد بالونة اختبار كشفت عنها اجهزة الاعلام الأمريكية قبل عدة أيام، اشارت من خلاله ان واشنطن تعتزم شطب 5 كيانات ارهابية من قوائم الإرهاب منها الجماعة الإسلامية.
وما يزيد من قوة القرار او ردة الفعل، ان المصريين لم يطلبوا ايضاحاً من الساسة، او تفسيراً من المتخصصين، بل ان كتائب السوشيال ميديا على "تويتر والفيس بوك" لم تتطرق للأمر من قريب او بعيد، حتى برامج "التوك شو" التى تبحث كل يوم عن قضايا ساخنة لتأجيجها او لايضاحها ومناقشتها، لم تر ان القرار يستحق العرض ولو لبضعة ثوانى.
.. وأسباب عدم مناقشة القرار فى ظاهرها غريبة ومدهشة، ان تصدر امريكا قراراً يفتح الباب مجدداً لحجور الأفاعى لا يستحق الدراسة، ان ترفع وصمة الإرهاب عن قاتل رئيس جمهورية فى حجم مصر لا يستحق التوقف، ان تسمح لهؤلاء بالظهور علانية وممارسة حياتهم بشكل طبيعى دون قيود رغم قتلهم العشرات من الابرياء اصبح امراً عادياً بالنسبة لأمريكا بل وطبيعياً.
والحقيقة وهى التى باتت مؤكده، ان المصريين او الاجيال الحالية من الشعب التى ذاقت مرارة النكسة فى 67، وصنعت الإنتصار فى 73، وعاصرت الاضطربات السياسة، وكانت شاهدة على الإرهاب، وشهدت احداثاً كادت ان تُسقط البلاد فى 2011، وحاربت اعتى الجماعات الإرهابية بدءاً من جماعة الإخوان مروراً بالجماعة الإسلامية نهاية بأنصار بيت المقدس التى اعلنت مبايعتها لتنظيم داعش قد ايقنت وتأكدت ان امريكا لا تحارب الإرهاب، بل هى من تصنعه وتحميه وتنشره فى دول العالم لتحكم اجندتها كما تريد، وتستغله كسلاح بديل للسيطرة على الشعوب.
نفسها الأجيال الحالية التى عانت الامرين من ساسة متجمدين، تركت المنابر عمداً، وفتحت الشاشات طوعية لرجال دين فسدة، بعضهم متطرفاً، واخرون بدوا معتدلين، وهم يسعون سوياً للدفع بالاف الشباب الى افغانستان بحجة حماية الإسلام ومحاربة الكفار.
نفسها الأجيال التى عاصرت امريكا وهى تدعى الدفاع عن الديمقراطية، لتغزو العراق وتُسقط الدولة التى كانت قوية، وتجعل ارضها مستباحة لعشرات الجماعات الإرهابية، ثم تلقى لتلك الجماعات الإرهابية بالسلاح من الجو تحت عنوان متكرر "على سبيل الخطأ".
نفسها الأجيال التى شاهدت فيه اوباما وهو يتأمر على الشعوب العربية، تحت مسمى الربيع العربى، لتسقط سوريا، واليمن، وليبيا، وتعانى تونس والسودان.
هى نفس الإجيال التى عاصرت رؤساء امريكا وهم يتحدثون عن الديمقراطية، بينما يمارسون ابشع انواع الديكتاتورية ضد شعوب بأكملها، ويطالبون بمحاربة العنصرية، وهم ينكلون بالسود.
هى نفس الأجيال عندما بحثت، وجدت ان امريكا ولدت على انقاض الهنود الحمر، وان تمثال الحرية التى تتغنى به، اشيد فوق الاف الجثث من القتلى على ايدى غرباء قادمين من شرق اوروبا وغربها، استباحوا القتل وامتهنوا تجارة الرقيق.
ولم يكن غريباً او عجيباً، الا تندهش نفس الأجيال من رئيس اقوى دولة فى العالم – كما يروجون- وهو يصدر قراراً يفرج فيه عن الأفاعى، بعقلٍ اضعف من جسده.