في الصميم

من «الريان» إلى «المستريح».. متى نتخلص من هذا الوباء؟

جلال عارف
جلال عارف

عودة ظاهرة «المستريح» أمر ينبغى التعامل معه بكل جدية، ولكن بدون تهويل أو تهوين. بجانب المسئولية الشخصية لمن يقوم بالاحتيال ولمن سلمه أمواله بلا ضمانات وخارج القانون.. يبقى الجانب الأهم وهو أن عودة الظاهرة تعنى أن هناك خللا فى السوق، وثغرات تسمح بتبديد جزء - ولو صغيرا- من ثروة المجتمع فى وقت نحتاج فيه لأن نضع فيه كل جنيه فى مكانه الصحيح لخدمة الاقتصاد الوطني.

التعامل الجاد مطلوب لأن دروس الماضى تقول إن التهاون هنا يؤدى لتفاقم الأمر. وعلينا أن نتذكر أن انفجار ظاهرة شركات توظيف الأموال فى الثمانينيات لم يأت فجأة، بل سبقه تجار العملة الذين سيطروا على السوق واستحوذوا على جزء كبير من تحويلات العاملين فى الخارج، واستغلوا الثغرات العديدة فى القانون يومها، لنجد أنفسنا فى النهاية مع وباء توظيف الأموال ونصب «الريان» وزملائه الذين استخدموا بعض الدعاة واخترقوا الإعلام والصحافة واستغلوا كل الثغرات ليبددوا المليارات من مدخرات المصريين.

الوضع الآن يختلف. والدولة تطارد الظاهرة وتسد الطريق على كل محاولات الإضرار باقتصاد البلاد، ولذلك يتساقط «مستريح»، وراء الآخر، ونسمع القصص المكررة عن خداع «المستريح»، وغفلة المودعين أو طمعهم. ويبقى الأهم وهو أن الظاهرة لا تنتعش إلا مع خلل فى الأسواق، وثغرات فى القوانين، ومناخ مازال يسمح بأوهام الثراء السريع بدلا من العمل المنتج!
والقصة هنا  قديمة ومؤلمة. سنوات الانفتاح «السبهللي».

وازدهار السمسرة على حساب الصناعة الوطنية، مازالت آثارها باقية. العودة للطريق الصحيح ليست سهلة. هناك جهود لدعم الصناعة الوطنية ومضاعفة الاستثمار فيها. وهناك إصلاحات تشريعية وتطوير كبير للبنية الأساسية الضرورية للتوسع فى التنمية المطلوبة. مازال أمامنا الكثير لكى تصل ثقافة الإنتاج إلى كل شبر فى أرض الوطن.

والقضية لا تتعلق فقط بدور مؤسسات الدولة، بل أيضا بثقافة المجتمع وتوجهه لكى يكون مجتمعا منتجا يعلى من قيمة العمل والعلم ويعرف ان الطريق لحياة أفضل لا يمر أبدا بـ«المستريح»، بل بالإنتاج فى مصنع أو ورشة أو المشروع الصغير الذين يكبر بالعمل، ويحظى بكل الدعم من جميع مؤسسات الدولة، وتضع الاجهزة المحلية نفسها فى خدمته.

ما نحتاجه هو أن تتحول البلاد إلى ورشة إنتاج، وأن يكون فى استطاعة كل فرد أن يضع مدخرا  تصدره «مهما قلت»، فى هذا الطريق وليس فى جيب «المستريح». أو حتى فالاستهلاك غير الضرورى وغير المفيد. أن نطلق أمام المواطن سبل المشاركة فى المشروعات الانتاجية الكبري، وأن نفتح أمامه باب الاستثمار والمنتج فى مشروعات صغيرة أو مشتركة.
أن تعود البنوك الوطنية لأداء دورها فى إطلاق المشروعات الإنتاجية المدروسة وفتح باب المساهمة فيها أمام المدخر الصغير، أن نعلم أولادنا أن العمل والإنتاج والقدرة على الابتكار هى طريق المستقبل وليس السمسرة.

إنه الطريق الصعب، لكنه الطريق الوحيد للتقدم الحقيقي. كان كذلك دائما، والآن أصبح أكثر من ضرورة فى ظل أوضاع اقتصادية تعصف بالعالم وتفرض طريقا وحيدا لمواجهة الأزمات وهو أن تنتج ما تحتاجه وما تصدره.
إما طريق العمل والإنتاج.. وإما طريق السمسرة الذى يكون فيه «المستريح» مجرد عنوان صغير لمخاطر أكبر!!