إنها مصر

سر الصمود

كرم جبر
كرم جبر

كشرت أمريكا عن أنيابها وتخلت عن شعارات الصداقة والتعاون بعد الأحداث الإرهابية وأشهرها برجا التجارة فى 11 سبتمبر 2001، وتعاملت بالعصا الغليظة والقوة الغاشمة، وكانت البداية تفكيك العراق وهدم مؤسساته، وإيقاظ ما أطلقت عليه «الصحوة الإسلامية» وإشعال الثأر التاريخى بين السنة والشيعة، فحدثت مذابح مروعة يندى لها جبين البشرية.

وقفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، تقول عبارتها الشهيرة «إننا نصنع فى العراق جنة الديمقراطية، التى سوف تهب منها نسائم الحرية، على دول وشعوب المنطقة».

أدركت الشعوب المعذبة أن النسمات لا تأتى أبداً من جهنم، وإنما تأتى ناراً ولهيباً، وانطلقت «صحوات الشيطان» تشعل الحروب الدينية، فى شوارع دمشق واللاذقية وبغداد والبصرة وصنعاء وعدن وطرابلس وبنغازي.

لم تصبح مصر مثلهم، لأنها قاومت الفتن وتصدت للمؤامرات الكبرى فى الداخل والخارج، ورغم كل ذلك لم تغفل الخيار الديمقراطي، بعد تنقيته من دخان الجحيم العربي، وبدأت نهضة اقتصادية كبرى قوامها المشروعات القومية وتحديث المرافق والخدمات، والآن يدعو الرئيس لحوار وطنى لاستكمال بناء الدولة.

ولأن الجيش الصلب والشعب المتماسك ومعهما رئيس وطني، هم المعادلة التى توافرت لعناصرها عوامل الاستقرار، استمرت مسيرة البلاد فى لحظات تاريخية كانت الأصعب والأشد قسوة.

فشلت الجماعة الإرهابية فى إشعال فتنة الحرب الدينية، لأن المصريين لجأوا إلى جيش مصر وشعبها ورئيسها، واستقووا بهم فى مواجهة المحنة، وأكدوا أن مصر هى الدرع والحضن والحصن والأمان.

***

مصر تنجب كل سنة 2.1 مليون نسمة، يعنى دولة متوسطة الحجم، ونصف عدد سكان دول مثل الكويت ولبنان ومالطا، وربع إسرائيل، وكلما دقت الساعة السكانية فى مدينة نصر، صرخت صفارات الإنذار، محذرة من أن مصر ستصل فى عام 2030 إلى 120 مليون نسمة.
الأفواه المفتوحة ستصبح مثل الجراد الذى يلتهم الأخضر واليابس، ومهما حفرت البلاد فى الصخر وشيدت آلاف المشروعات، فلن يشعر الناس بالتحسن إلا إذا أغلقوا حنفية الإنجاب الكثيف.

***

من صور «مسخ الوعي» فى المدارس الأجنبية تغريب التعليم وغياب المقررات التى تنمى الولاء والانتماء وحب الوطن وتعظيم الانتصارات، واستبدالها بمناهج للدول المنتمية لها، فينشأ جيل تائه ويعيش فوق أرض لا يعرف قيمتها ولا التضحيات التى بذلت من أجلها، ويفرح الآباء والأمهات بأن أولادهم لا يجيدون نطق اللغة العربية، وانفصلوا تماماً عن واقع بلادهم التاريخى والثقافى والحضاري.

النتيجة هى إضعاف الروح المعنوية خصوصاً الشباب، والمضى بهم إلى الإحباط واليأس وفقدان الأمل فى المستقبل، وخلق جيل غير منتم ومليء باللامبالاة، وشاهدنا صوراً من ذلك فى حرق الممتلكات العامة والخاصة فى أحداث ما سمى الربيع العربي، الذى جعل الشعوب نفسها تحرق وتدمر بلدانها.
إنهم يستخدمون منهج «ترسانة من الشائعات تحاصر قليلا من الحقائق»، وتسرى بسرعة بسبب هشاشة مثل هذا التعليم، للتشويه والتشكيك وهدم الثقة بين الدول وأبنائها، وكم اشتعلت فتن وصراعات بفعل شائعات كاذبة لم تجد من يتصدى لها ويوقف الحروب التى أشعلتها.