يا سيدة نفيسة.. إليك تهفو روحى

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«الوقوف بين يدى الله فى صلاة الفجر، ودقائق من الصمت والغوص فى الأعماق، اغتسال وتطهر من كل شوائب القلب المثقل، وضوء الجسد ووضوء القلب معًا»

 تجليات رمضان، أيامه ولياليه، أجواؤه الروحانية المحلقة بالنفس إلى آفاق بعيدة، تحملنى دائمًا على جناح الحب للتماهى مع تفاصيل تلك الحالة الصوفية الفريدة. أذان المغرب يصدح بأصوات ذهبية مجلجلة، تعلن عن لحظة الفرج وفك الحظر عن الصائمين.

بفرحة خاصة لا يشعر بها سوى الصائمين، الارتواء برشفة ماء ترطب الحلق الجاف بعد يوم صيام قائظ الحرارة، لحظة لا تصفها كلمات.

شكر الله على نعمة الفرج وهبة الحياة، لمة الأسرة والأحباب على مائدة الإفطار. الركوض إلى المساجد لإقامة الصلوات بالليل والنهار، من صلاة الفجر حتى صلاة التراويح والتهجد. بيوت الله مضيئة، مشعة بالخير والبركات، أضرحة أهل البيت عامرة بالمصلين الذين يلتمسون فى رحابها العاطر السلام الداخلى وراحة القلب والاستجابة لدعوات قلوب أنهكها الرجاء.


الله عليك يا سيدة نفيسة، يا غالية، يا عظيمة، إلى مسجدك الحبيب تهفو روحى، أمام ضريحك الفواح بمسك العطور تهدأ نفسى، وتلتئم جروح قلبى. الله عليك يا نفيسة العلم والروح والعقل، الله.. الله. وأنت يا رمضان يا أعظم الشهور وأرحمها على عبادك الضعفاء الفقراء والمعذبين، يا بلسم النفوس والقلوب، تدفعنا جميعًا للتفكير خارج ذواتنا الفانية، والوصول بصالح أعمالنا إلى فعل شيء يعمر الأرض، ويجبر الخواطر، ويطبب المرضى، وينصر البشر الذين لا ظهر لهم ولا سند.


كل منا يفكر ويسأل نفسه: ماذا أنا فاعل فى رمضان؟ يتسابق الكل على فعل الخير، التبرع، التطوع، التواصل مع الأهل، إصلاح ما أفسده الدهر مع صديق أو قريب فرقت بينهم الأيام لأسباب تافهة، الكل يصير أفضل فى هذا الشهر أو على الأقل يتمنى لو يصير.

أذان الفجر ولحظة تجلٍ أخرى تتخلل يوم رمضان، الوقوف بين يدى الله فى صلاة الفجر، ودقائق من الصمت والغوص فى الأعماق، اغتسال وتطهر من كل شوائب القلب المثقل، وضوء الجسد ووضوء القلب معًا.


هكذا يرحل النبلاء


استعد المحامى القدير للتوجه إلى المحكمة، دار العدالة وموطن الحق، سنوات طوال قاربت الستين يقدم عطاءه المهنى، والوطنى بإخلاص ونزاهة، لا شيء يعلو فوق شرف المهنة، ولا واجب مقدسًا لديه أكبر من الانحياز للمتهم حتى تثبت براءته.


ذهب الرجل إلى المحكمة يحمل أوراق قضيته، كما يحمل تاريخًا طويلًا مشرفًا من الإنجاز والعطاء، وأنينًا موجعًا مخبوءًا بفقد فلذة كبده قبل شهرين، أب يتلقى العزاء فى ابنته الشابة. رغم جبل الآلام لم يتأخر عن واجبه كمحامٍ شهير، يباشر عمله ويدارى جراح القلب.


وقف يوم السبت الماضى أمام هيئة محكمة إمبابة يترافع فى قضية المحامين، وإذا به يشعر بدوار مفاجئ، يخذله جسده، يتهاوى ساقطًا على أرض المحكمة، يحاول المحيطون نقله إلى أقرب مستشفى، لكنه فجأة يموت. تذهب روحه إلى بارئها فى رحاب دار العدالة ومحرابها النبيل، يسلم المحامى القدير رجائى عطية الروح أثناء قيامه بعمله فى ساحة القضاء، وكأنه حتى فى غيابه عن دنيانا يريد أن يلقننا درسًا فى العمل والإخلاص والتفانى.


رحم الله المحامى الكبير الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين وحامل أرفع الأوسمة والنياشين من رؤساء مصر عبد الناصر والسادات. رجل القانون الذى تشبثت روحه بروب المحاماة حتى الرمق الأخير.


عالم أفكار.. أفكار


إنه عالمنا الآن الذى نعيش فى فضائه.

عالم الفكرة الجديدة، الغريبة، الخارجة عن المعتاد والمألوف. الفكرة من الممكن أن تنقل صاحبها إلى مكان آخر، وأن تمنحه النجاح، الشهرة، والفلوس إذا توفرت لها عناصر تطورها واستمرارها، وأهمها الإخلاص الكامل للفكرة والدراسة الجادة لكل تفاصيلها ، والإصرار على تنفيذها مهما كانت التحديات.


بقدر أهمية الأفكار، بقدر مأساويتها إذا ما تكاثرت، وتفرعت، وتشعبت فى عقل صاحبها. يمكن أن تخلق دائرة مجنونة داخل رأسه هو مركزها، تبتلعه الدوامة ولا تؤدى به إلا إلى الجنون أو الهذيان.

الفكرة الإيجابية تصنع حياة صاحبها والآخرين المحيطين به، والفكرة السلبية تدمر حياة صاحبها والآخرين المحيطين به، الوسواس القهرى مثلا مرض نفسى مؤلم، وصعب يعانى صاحبه من توالد أفكار لا حصر لها فى دماغه، لا يستطيع ملاحقتها، ولا يملك فرملتها وإيقافها.

سبحان الله، لكل شيء فى الدنيا وجهان، ربما جسد الخالق الخير والشر فى كل ما نحياه على هذه الأرض، حتى ما تنتجه خلايا أدمغتنا من أفكار تدفعنا أحيانا إلى المجد، وأحيانا أخرى إلى الجحيم.


مسابقة رائدات الأعمال


قبل أيام قليلة احتفلت جمعية أطفال السجينات بتوزيع جوائز الدورة الثالثة لـ «مسابقة نوال مصطفى لرائدات الأعمال». هذا اليوم الذى أعيشه بمشاعر الفخر والاعتزاز بكل امرأة مصرية استطاعت أن تواجه المحنة وتحولها إلى منحة.

كل إنسانة آمنت بقدراتها، لم تستسلم لضربات الزمن، ولم تهزمها قضبان الحاجة وسجن العوز.


لمعت فكرة المسابقة فى رأسى فى قلب اشتداد أزمة فيروس كورونا التى قطعت أرزاق الكثيرين، خاصة من محدودى الدخل ومنهم النساء اللاتى تخدمهن الجمعية وتساند خطواتهن، وهكذا انطلقت الدورة الأولى فى أغسطس 2020. واستهدفت سجينات الفقر المفرج عنهن، والمحتملات، وأسر السجناء، وبنات وزوجات السجناء.


الهدف الرئيسى للمسابقة هو فتح باب رزق لأكبر عدد من المستفيدات من خلال الفائزات الثلاث من رائدات الأعمال، اللاتى لدى كل منهن فكرة جديدة ومبتكرة، ودراسة جدوى مدروسة، أما الشرط الأهم هو أن يتيح مشروعها فرص تدريب وتشغيل لسيدات معيلات ممن ترعاهن الجمعية.


حرصت لجنة تحكيم الجائزة على التنوع الجغرافى وخاصة المحافظات النائية والمهمشة كجنوب سيناء والوادى الجديد وأسوان. ودققت فى قدرة المتسابقة على تسويق منتجاتها، وتحقيق عائد مادى مناسب لها وللعاملات معها فى المشروع.


فى الدورتين الثانية والثالثة رأينا أن نفتح دائرة الاختيار أكثر، ودعونا كل امرأة مصرية ترى فى نفسها رائدة أعمال للتقدم للجائزة، بشرط أن تضم إلى مشروعها نساء من جمعيتنا، وتفتح لهن أبواب الرزق.


رأينا أن يكون أحد أهداف المسابقة هو زيادة عدد الأشخاص الذين سيبدأون فى استخدام المنتجات الصديقة للبيئة فى حياتهم اليومية، وزيادة القدرة التنافسية لسوق المنتجات الخضراء وهذه هى الطريقة التى يمكن أن نغير بها العالم.


مصر والسنغال


عاشت جماهير الكرة المصرية كل المشاعر والدراما بكل معانيها خلال مباراتين، الأولى كانت الجمعة الماضية والثانية أمس الثلاثاء «أكتب هذه السطور الثلاثاء صباحاً قبل ساعات من المباراة الحاسمة» لأن الجريدة تطبع فى هذا التوقيت، أى أننى لم أشاهد الماتش الثانى حتى كتابة هذه السطور.


المواجهة كانت صعبة، بل شاقة على الفريق المصرى لأن فريق السنغال هو المصنف الأول بين الفرق الإفريقية، فريقنا أيضا يضم عددًا من الأبطال والنجوم يلعبون كمحترفين فى نوادى أوروبا العريقة نجمنا محمد صلاح، وتريزيجيه، والننى وغيرهم. كذلك المدرب كيروش صاحب خبرة طويلة مع منتخبات وأندية كبيرة، وسجل إنجازاته لا يستهان به.


لكن المصريين خرجوا من المباراة الأولى قلقين، خائفين من ماتش العودة فى السنغال يوم الثلاثاء. فى رأيى أننا لم نكن فى وضع مريح أو مطمئن خاصة فى الشوط الثانى، ورغم فوزنا بواحد صفر على السنغال إلا أنه كان نصرا غير مكتمل، العقول والقلوب مشغولة بما سوف يحدث يوم الثلاثاء 29 مارس. ومع ذلك يجب أن نقف مع منتخبنا الوطنى، وألا ننسى أنه منتخب يحتاج إلى شغل جاد ووقت مع كيروش الذى تسلم المهمة منذ شهور قليلة.

أتمنى ألا نجلد أنفسنا مهما كانت النتيجة، وألا نقلل من جهد وبسالة أبطالنا، وفى الوقت نفسه علينا أن نطالب من الآن بإعداد جيد يليق بمنتخبنا الوطنى فى البطولات القادمة.


أكتب هذه السطور وأتمنى أن تكون نتيجة المبارة قد جاءت لصالح المنتخب المصرى، وأن تكون أمنية مائة مليون مصرى قد تحققت بصعود مصر ضمن المنتخبات المشاركة فى كأس العالم 2022. يا رب.


عبد القادر محمد على


مثل نسمة صيف جميلة، تلطف الأجواء الحارة، وتخفف على البشر قسوة الحياة، وجفافها عاش بيننا كائن جميل، لم يعرف قلبه عاطفة إلا الحب، ولم يحمل فى نفسه كرها، أو غضبا تجاه أحد مهما أساء إليه أو تسبب له فى ضرر. عاش فنانا زاهدا، بعيدا عن حب الظهور أو التباهى بإنجازاته وتفرده فى الإخراج الصحفى والكتابة الساخرة.


هذا الكائن البشوش، الذى يحمل طاقة حب هائلة اسمه عبد القادر محمد على، وكان أحد نجوم جريدة الأخبار المتفردين فى ابتكار ماكيت جديد للجريدة جذاب شكلًا، ومريح لعين القارئ فى نفس الوقت. كذلك كتب عمودًا يوميًا قصيرًا فى الأخبار تحت عنوان «صباح النعناع».

وعندما طلبت منه أثناء فترة رئاستى لتحرير كتاب اليوم أن نجمع تلك المقالات الباسمة الساخرة فى كتاب يحمل نفس الاسم، فرح كالأطفال، وشكرنى بخجل وتواضع لا يصدر إلا عن البشر الحقيقيين، الذين نفتقد وجودهم كثيرًا فى حياتنا.


رحل عبد القادر محمد على فى هدوء وسلام مثلما عاش، وترك وراءه فيضا من الحب والشجن. رحم الله الزميل الغالى علينا جميعًا وأسكنه فسيح جناته يا رب.