ماذا لو سمعت الدولة نصيحة جلال دويدار منذ ربع قرن؟

الراحل جلال دويدار
الراحل جلال دويدار

محمد الشماع
في 17 نوفمبر 1997 وقع أسوأ حادث إرهابي في تاريخ مصر تقريبًا، حيث هاجم إرهابيون في الدير البحري بمحافظة الأقصر وفود سياحية وقتل منهم عددًا كبيرًا، وهو الحادث المفصلي الذي غيّر مفهوم وتكتيك مواجهة الدولة المصرية للإرهاب في التسعينيات تقريبًا.
في هذا الوقت كان الراحل جلال دويدار رئيسا لتحرير جريدة الأخبار، وقد كتب سلسلة من المقالات تعليقًا عن الحادث، ولكنه في إحداها أعطى الدولة المصرية ما يشبه بالدليل الفكري لمواجهة موجة الإرهاب في مصر، وهو الدليل الذي لو كانت قد سمعته الدولة حينها، وعملت على تطوير أفكاره، لكنا قضينا على الفكر المتطرف في مهده، وربما لا نكون قد وصلنا إلى نقطة 2012 التي جلس على كرسي حكم مصر طائفة مجرمة إرهابية هي جماعة الإخوان المسلمين.
قال دويدار في مقاله إنه وصل من خلال المعلومات التي نشرت بعد الحادث إلى ما يخص ثلاثة من الإرهابيين الذين ارتكبوا حادث الهجوم على السائحين، فكان أحدهم طالب بكلية الطب البشري بجامعة أسيوط، والثاني طالب بكلية الطب البيطري، والثالث طالب بالمعهد العالي للتعاون والإرشاد الزراعي، وطالب جلال دويدار بتشكيل لجنة من علماء الدين والتحليل النفسي والاجتماعي وخبراء الإرهاب والسياسة وغيرهم من المتخصصين لدراسة كل ما يتعلق بسجل حياتهم، وكيف يتم تجنيدهم للقيام بهذه الجريمة الدموية الغريبة تمامًا عن تقاليد وقيم المصريين.
دويدار أشار إلى أن المعلومات تقول إن عائلات الطلبة الثلاثة ليسوا من الفقراء، وأنهم يعتبرون من الطبقة القادرة بما تملك من أرض زراعية، كما ذكر أقاربهم ومعارفهم أن تصرفاتهم وسلوكياتهم لم تكن توحي بأي شيء غير طبيعي، ويتساءل دويدار إذن كيف حدث ما حدث؟
لم يجب دويدار على هذا السؤال الصعب بكل تأكيد، لكن معرفة كل المعلومات التي تفيد في الكشف عن وسائل عمليات غسيل الأدمغة التي يتعرض لها الشباب من الجماعات الإرهابية ليست مهمة أجهزة الأمن فقط، ولكنها مسؤولية اللجان العلمية والفنية المتخصصة ومراكز الأبحاث الجامعية وغير الجامعية، وكأن دويدار يلقى بالكرة في ملعب الجميع، فجميع الفئات التي ذكرها الكاتب الصحفي الكبير كان من المفترض أن تكون مسؤولة عن دراسة هذه الواقعة المهمة والفارقة.


يقول دويدار إن ما أقدم عليه هؤلاء الشباب المتطرف إجراميا لا يمكن أن يكون سوى حالة مرضية دفعت بهم إلى القبول بارتكاب أبشع الجرائم وكذلك ما ارتبط بها من تعذيب للضحايا ومعاناة لكل أفراد المجتمع المحيط بهم، وتوقع الكاتب الذي وكأنه سافر إلى المستقبل، أن تكشف التقارير أن وراء كل شخصية إرهابية شاركت في جريمة الأقصر قصة أو قضية ساعد على تفاقمها نقص الوعي والانعزالية وإحساس بالحقد والغل. يرى دويدار أنه لا يمكن أن تكون عملية تجنيد هؤلاء الشباب قد تمت شيطانيا وإنما المؤكد أن هناك عناصر داخل الجامعة أو في محيط تواجدهم قد تولت هذه المهمة.
طلب دويدار في نهاية مقاله أن تتغير استراتيجية المواجهة مع الإرهاب، أمنياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، مؤكدا على ضرورة وجود ضمانات لاستمرارية المواجهة. 
كانت هذه هي النصيحة التي وجهها الكاتب الراحل جلال دويدار للدولة قبل ربع قرن، وتحديدًا بعد حادث الأقصر، وهي النصيحة التي لو كانت الدولة سمعتها لكان تغير الأمر تمامًا.