جمال الشناوي يكتب: وزارة إعلام.. متى؟

جمال الشناوي
جمال الشناوي

ربما لا توجد في الديمقراطيات المستقرة وزارة بهذا الاسم.. والبعض يعتبرها وزارة للدعاية والترويج لحكومة.. والواقع يقول نعم في كثير من بلدان العالم وزارة ضمن التشكيل الحكومي تحمل هذا الاسم.

في مصر مرت علينا تجارب عديدة وربما كان اسمها القديم وزارة الإرشاد القومي، أعتبره البعض اعتداءا على حرية الفرد في تكوين قناعاته واختيار طريقه السياسي.. وهذا قد يكون صحيحا في كتب الحريات ومدونات السلوك للأنظمة، وحتى اتفاقيات الأمم المتحدة وملاحقها المتعلقة بالحقوق والحريات.

لا أختلف معك في كل ما سبق أن وزارة إعلام بمفهومها السابق ربما لم تعد مناسبة في عالم بات أشبه بسوق عكاظ.. تتداخل فيه الأصوات وتستطيع أن تسمع ضجيجا قادم من قرية صغيرة في أمريكا الجنوبية.. أو صراخا يشق أجواء السوق لطالبة هندية تعترض على حظر الحجاب في المدارس والجامعات.

العالم بات في طريقة ربما إلى توحيد لغة الحديث.. تتفاعل شعوب في طفل مسكين اختطفته عصابات في شمال سوريا التي مزقتها الحرب الإلكترونية.. والتي ازهقت أرواح وشردت الملايين، بفعل الترويج عبر إعلام لا حدود له هو الميديا الجديدة أو الصحافة الشعبية، لأفكار جديدة تغفل عنها حكوماتنا تسري كما النار في العقول.. تحرق ما تبقى منها من حكمة..

أفكار تنتشر وتتوغل وتتسرب على طريقة إعلان مبيد حشري قديم بصوت مبدع الإعلان طارق نور في ثمانينات القرن الماضي.

أفكار تتسرب بعيدا عن الحكومات، وربما لا تفطن لها حتى تتحول الفكرة إلى إيمان راسخ، يعمى البصر والبصيرة، وتدفع المواطن في بلادنا إلى إشعال البارود تحت قدميه.

نعم في الغرب الديمقراطي لا يوجد مسمى لتلك الوزارة ، لكنها موجوده في كل الوزرات ..يمارسها ساسة قادمون للحكم من أحزاب مارست كل أنواع السحر السياسي على المواطن ..كل وزارة في حكومات  أوروبا هي وزارة اعلام مستقلة بذاتها ..لديها مركز تفكير لا يدخله إلا من آمن بأفكار الحزب الحاكم ..ويلاحق المواطن صباحا ومساءا بحوارات وبيانات وتصريحات حتى يكاد يخنق المواطن بإنجاز قدمته الوزارة أو تحرك جديد ..وأغلب الوزارات في أوروبا لا تنتظر فعل المواطن بل تسبقه دائما بخطوة ..تكاشفه وتصارحه ..ومهما كانت الحقيقة قاسية فهى الطريق الوحيد إلى النجاح .

ما زلت أذكر شائعة ثروة مبارك البالغة ٧٠ مليار دولار.. التي روج لها الراحل الكبير والمبدع في الكتابة حسنين هيكل.. وحمّس البسطاء الذين استهدفتهم الشائعة، ونجحت في القضاء على التعاطف الذي أبدته طائفة من الشعب بعد خطاب إنساني للرئيس الأسبق.. وربما كانت الشائعة خارجة من مراكز التفكير للربيع العربي عبر الأطلسي، إلى صحف لندن ومنها إلى ميدان التحرير عبر الأستاذ.

الإعلام بعد الربيع العربي مستحيل أن يكون مثلما كان قبله ، فتلك الهجمة التي تقترب من أوصاف الحروب الذكية التي تحقق أهدافها دون أي مظاهر للجيوش ..ولعل أبرز ما أفرزته هذه الموجة أنها حولتنا إلى شعب من الأوصياء ..يهوى فرض الرأي فيما لا يعرفه ولا يعلمه ..ويمكنك أن تجد غير متخصص ينتقد خبراء الاقتصاد أو الطاقة ..وذاعت بيننا الثقافات القشرية، وانتشرت الفتوى فيما لا نعلم ..وكأن كل مواطن مطلوب منه أن يكون خبيرا عسكريا، وعالما في الطب ، وداهية في الهندسة وأستاذا في الطاقة الذرية ..ولكم في أحاديث أضرار الأمصال ورفضها دليلا واضحا .

من الخطر ترك الشعب في مثل تلك الحالة من الجدل اليومي على قضايا لا تسمن ولا تغني من جوع.. ونكتفي ببيان جامد لا يمس العقول أو القلوب.

فلم يكن عمر بن الخطاب أشجع الخلفاء، الذي طبق روح الشريعة وسماحة الشرع.. وقرر في وقف تطبيق حد السرقة في عام المجاعة، سوى كاشفا لخطر الجدل وهو يقول وبين أعظم ما   "إذا أراد الله بقوم سوءا منحهم الجدل ومنعهم العمل".

الإعلام لم يعد كما ندرسه في جامعاتنا ومعاهدنا ومؤسساتنا.. بات من المستحيل فصله عن السياسة ولا عن الخطط الاستراتيجية للدول وإن كان بأشكال مختلفة ولنا في أمريكا وانتخاباتها أسوة قد تبدو حسنة..

الإعلام هو أكثر المجالات تضررا ويصل إلى حد الموات إذا ما تجمد أو خاصم التطور الهائل الذى يشهده العالم كل صباح.

الصدق والصراحة والشجاعة والتحرك السريع هو الوسيلة الوحيدة للدفاع الذاتي، وعلاج أخطاء الماضي..

الوحيد في مصر الذي يمارس الإعلام الحديث هو الرئيس السيسي.. الذي يصارحنا ويكاشفنا بشجاعة المخلص لمستقبل بلاده.. لا لمجده الشخصي.. فأتبعوه يرحمكم الله.

بالمناسبة لا أستثني نفسي من ركون وجمود وأخطاء.. ستحيا مصر بإذن الله.