في الصميم

مليارديرات.. فى زمن «كورونا»!

جلال عارف
جلال عارف

ما فعلته «كورونا» باقتصاد العالم خلال عامين خطير.. وما ينتظره العالم فيما بعد «كورونا» أخطر عدد الفقراء فى العالم يتضاعف، وعدد المليارديرات أيضاً (!!) والوضع يقلق عقلاء العالم فيرتفع أخيراً صوت رئيس البنك الدولى «ديفيد مالباس» صارخاً «أذهلنى استثمار شركة مايكروسوفت» ٧٥ مليار دولار للاستحواذ على شركة ألعاب فيديو، مقارنة مع ٢٤ مليار دولار فقط تم جمعها من الدول الثرية ومتوسطة الثراء خلال ثلاث سنوات من أجل وقف التدهور فى أحوال الدول الأكثر فقراً فى العالم.. هل هذا هو التوزيع الأفضل لرأس المال؟!

صرخة رئيس البنك الدولى لم تكن وحيدة.. فى نفس التوقيت كان هناك تقرير من منظمة «أوكسفام» العالمية يقول إن أغنى عشرة مليارديرات فى العالم قد ضاعفوا ثرواتهم خلال جائحة «كورونا» لترتفع من ٧٠٠ مليار دولار إلى ١٫٥ تريليون دولار خلال عامين كان ٩٩٪ من سكان العالم خلالها تتردى أحوالهم، بينما كان الملياردير الأغنى «ماسك» يضيف لثروته ١٫٣ مليار دولار يومياً!!.. ومرة أخرى يثور سؤال رئيس البنك الدولى: هل هذا هو التوزيعة الأفضل لرأس المال؟!

الوضع مقلق حتى لكثير من أغنياء العالم الذين يدركون أن النظام العالمى الذى يسمح بهذا الوضع لا يمكن أن يكون نظاماً عادلاً.. ولا نظاماً آمنا!! ولعل الصرخة التى اطلقها قبل أيام أكثر من مائة من أغنى أغنياء العالم تؤكد ذلك.. حيث طالبوا بزيادة الضرائب المفروضة عليهم وقالوا بوضوح: «بصفتنا مليونيرات نعلم أن النظام الضريبى ليس عادلاً. يمكن لمعظمنا أن يقول إنه بينما كان العالم يمر بقدر هائل من المعاناة فى العامين الماضيين، فقد رأينا بالفعل ثرواتنا تزداد أثناء الوباء.. ومع ذلك يمكن للقليل منا أن يقول بصدق إننا ندفع حصتنا العادلة من الضرائب!!»

لا يمكن بالطبع اتهام هؤلاء بأنهم ضد الرأسمالية.. أنهم -على العكس- يريدون حمايتها من أوضاع يرون أنها أخطر من السكوت عليها. يعرفون أن مضاعفة الثروات فى وقت يموت فيه أكثر من ٢٠ ألف شخص فى العالم بسبب الفقر كل يوم هو أمر لا يمكن أن يستمر.
يشاهدون أوضاعاً يتفنن فيها بعض أغنى الأغنياء فى التهرب من تسديد الضرائب المستحقة عليهم (والتى يرون أنها قليلة) فيلجأون إلى الملاذات الضريبية وإلى استخدام كل الحيل للتهرب من الوفاء بحق المجتمع. يرون أن ضريبة استثنائية على المليونيرات يمكن أن توفر أكثر من ٢٫٥ تريليون دولار تكفى لتوفير اللقاحات لكل العالم وتنتشل أكثر من مليارى شخص من قبضة الفقر.

القضية موجودة على جدول أعمال العالم قبل كورونا بالطبع لكن أزمة الجائحة جعلت ثمن التفاوت الرهيب فى توزيع الثروات (بين الأفراد أو الدول) ثمناً فادحاً للغاية. بالتأكيد سوف يكون النظام الاقتصادى الذى يحكم العالم محلاً للمراجعة.. لم يكن عدلاً أن تستحوذ الدول الغنية على اللقاحات والأجهزة الطبية  وتترك الدول الفقيرة تنتظر مصيرها وتترقب المعونات بعد أن يفتك بها الوباء. ولم يكن إنسانياً أن يسقط مئات الملايين تحت خط الفقر بينما تتضاعف ثروات المليارديرات فى زمن «كورونا». ولن يكون من الرشد فى شىء أن يتجاهل العالم صرخة رئيس البنك الدولى أو تحذير بعض العقلاء من مليارديرات العالم وهم يطلبون فرض ضرائب جديدة على ثرواتهم.. الأمر لا يتعلق فقط بالعدل الغائب، بل أيضاً بالأمان والاستقرار فى عالم ما بعد «كورونا».
ويبقى سؤال يلح على الخاطر وإن كنا نعرف إجابته مسبقاً:

هل يمكن أن نرى بياناً مماثلاً من «المليارديرات» فى عالمنا العربى.. أم أنهم سوف يكتفون بالفرجة على ما يفعله أمثالهم فى بلاد الفرنجة؟!