خواطر الإمام الشعراوي.. وربك يخلق ما يشاء ويختار

الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

يقول الحق فى الآية 68 من سورة القصص:» وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ».

كنا ننتظر أنْ يُخبرنا السياق بما سيقع على المشركين من العذاب، لكن تأتى الآية «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ...» وكأن الحق سبحانه يقول: أنا الذى أعرف أين المصلحة، وأعرف كيف أُريحكم من شرِّهم، فدعونى أخلق ما أشاء، وأختار ما أشاء، فأنا الرب المتعهد للمربى بالتربية التى تُوصله إلى المهمة منه.
والمربِّى قسمان: إما مؤمن وإما كافر، ولابد أنْ يشقى المؤمن بفعل الكافر، وأنْ يمتد هذا الشقاء إنْ بقى الكافر على كفره؛ لذلك شَرعتُ له التوبة، وقَبِلْتُ منه الرجوع، وهذا أول ما يريح المؤمنين.


ومعنى: «مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة...» يعني: لا خيارَ لكم، فدعونى لأختار لكم، ثم نفِّذوا ما أختاره أنا.


أو: أن هذه الآية «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ...» قيلت للردِّ على قولهم: «لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ». يقصدون الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي، فردَّ الله عليهم: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى الحياة الدنيا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ...» الزخرف: 32.


فكيف يطمعون فى أنْ يختاروا هم وسائل الرحمة، ونحن الذين قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا، فجعلنا هذا غنياً، وهذا فقيراً، وهذا قوياً، وهذا ضعيفاً، فمسائل الدنيا أنا متمكن منهم فيها، فهل يريدون أنْ يتحكموا فى مسائل الآخرة وفى رحمة الله يوجِّهونها حسب اختيارهم؟!!


«مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة..» أي: الاختيار فى مثل هذه المسائل.


ويجوز «مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة...» أي: المؤمنون ما كان لهم أنْ يعترضوا على قبول توبة الله على المشركين الذين آذوهم، يقولون: لماذا تقبل منهم التوبة وقد فعلوا بنا كذا وكذا، وقد كنا نود أن نراهم يتقلبون فى العذاب؟


والحق تبارك وتعالى يختار ما يشاء، ويفعل ما يريد، وحين يقبل التوبة من المشرك لا يرحمه وحده، ولكن يرحمكم أنتم أيضاً حين يُريحكم من شرِّه.


وقوله: «سُبْحَانَ الله وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» أي: تعالى الله وتنزَّه عما يريدون من أنْ يُنزِلوا الحق سبحانه على مرادات أصحاب الأهواء من البشر، ولو أن الحق سبحانه نزل على مرادات أصحاب الأهواء من البشر- وأهواؤهم مختلفة- لفسدتْ حياتهم جميعاً.


ألا ترى أن البشر مختلفون جميعاً فى الرغبات والأهواء، بل وفى مسائل الحياة كلها، فترى الجماعة منهم فى سنٍّ واحدة، وفى مركز اجتماعى واحد، فإذا توجَّهوا لشراء سلعة مثلاً اختار كل منهم نوعاً ولوناً مختلفاً عن الآخر.

 اقرأ أيضا | خواطر الإمام الشعراوي .. «أَيْنَ شُرَكَآئِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ»