عيد الغطاس.. ما هي طبيعة الاحتفالات في مصر والعالم؟

صورة موضوعية
صورة موضوعية

عيد الغطاس أو عيد العماد، هو عيد يحتفل به المسيحيون لإحياء ذكرى معمودية السيد المسيح في نهر الأردن، على يد يوحنا المعمدان ويحتفل مسيحيو مصر بعيد الغطاس يوم 19 يناير من كل عام.

ويوضح خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن أبرز مظاهر العيد في الدول ذات الطابع الأرثوذكسي مثل روسيا و‌بلغاريا و‌اليونان أن يُلقى صليب في البحر ويقوم شاب بالغوص لاسترجاعه والغطس في بِرك المياه المتجمدة وقد شهد الدكتور ريحان احتفالات هذا العيد باليونان، ومن مظاهر الاحتفالات في إسبانيا و‌أمريكا اللاتينية خاصًة في كل من المكسيك و‌الأرجنتين تقديم الهدايا من قبل المجوس الثلاثة ويرافق تقديم المجوس الثلاثة الهدايا، مواكب واحتفالات ضخمة ترافقه موسيقى عيد الميلاد والزينة والأضواء والمفرقعات.

ويضيف: "وتقوم لا بيفانا وهي مماثلة لأسطورة سانتا كلوز أو بابا نويل، في الثقافة الإيطالية بتقديم الهدايا للأطفال وفي مصر يبدأ الاحتفال بإقامة القداس الإلهي وترتيل بعض آيات الإنجيل ورفع البخور، ومن ثم مباركة المياه التي يتم الاحتفاظ بها كرمز لمياه نهر الأردن، ثم يبدأ الكهنة القداس بصلاة تعرف باسم "اللقان".

ويضيف الدكتور ريحان أن مسيحيو مصر يحتفلون بعيد الغطاس عن طريق صناعة الفوانيس والشموع الضخمة وكان يسمي هذا اليوم من الأعياد "عيد الأنوار"، وذلك طبقًا لدراسة أثرية للدكتور على أحمد الطايش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.

 

وأشارت الدراسة إلى أن هناك منطقة تسمى قصر الشمع بمنطقة مصر القديمة بجوار الكنائس الأثرية، حيث كان الأقباط يصنعون الفوانيس والشموع وكان عيد الغطاس عيدًا قوميًا تحتفل به مصر احتفالًا رسميًا وشعبيًا بلغ حده أن حاكم مصر نفسه ورجال حكومته وأُسرته ومعاونيه كانوا يشتركون فيه ويأمرون بإقامة الزينة وإيقاد النيران وإضاءة المشاعل وتعميم الأفراح الشعبية في كل مكان، وتوزيع المأكولات على الأهالي مع الصدقات على الفقراء وكان الناس يغطسون في النيل تبركًا بهذه المناسبة السعيدة.

 

وينوه الدكتور ريحان إلى أن مناسبة هذا العيد أن نبي الله يحيى المعروف عند المسيحيين بيوحنا المعمدان، قد عمّد السيد المسيح عليه السلام أي غسّله في بحيرة الأردن، فصار المسيحيون يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم، ولا يكون ذلك إلا في شدة البرد ويسمّونه يوم الغطاس، وكان له بمصر موسم عظيم، وسجّل مظاهر الاحتفال في مصر في العصر الإخشيدي المؤرخ المسعودي عام 330هـ، قائلًا: "إن ليلة الغطاس بمصر والأخشيد محمد بن طفج أمير مصر في قصره بجزيرة منيل الروضة وقد أمر بإقامة الزينة في ليلة الغطاس أمام قصره من جهته الشرقية المطلة على النيل، وأوقد ألف مشعل غير ما أوقد أهل مصر من المشاعل والشموع على جانبي فرع النيل وقد حضر في تلك الليلة آلاف البشر من المسلمين والمسيحيين ومنهم من احتفلوا في الزوارق السابحة في النيل ومنهم من جعلوا حفلاتهم في البيوت المشرفة على النيل".

ولفت الدكتور ريحان من خلال الدراسة إلى أن ليلة الغطاس في مصر كانت أيام الفاطميين والأخشيديين أحسن الليالي بمصر وأشملها سرورًا ولا تُغلق البوابات التي كانت مركّبة على أفواه الدروب والحارات بل تبقى إلى الصباح ويغطس أكثر الناس فى نهر النيل ولم يكتفِ الفاطميون بما أتوا به من خيرات إلى مصر بل عطفوا على كل المصريين على اختلاف مذاهبهم ومنهم المسيحيون فقربوهم إليهم وجعلوا أعيادهم أعياد رسمية فى البلاد اشترك فيها الخلفاء أنفسهم.

وتابع الدكتور ريحان بأن الخيام كانت تنصب على الشواطئ ويأتي الخليفة ومعه أُسرته من قصره بالقاهرة إلى مصر القديمة وتوقد المشاعل في البر والبحر وتظهر أشعتها وقد اخترقت كبد السماء لكي تزينها بالأنوار البهية، ثم تُنصب الأسرة لرؤساء المسيحيين على شاطئ النيل في خيامهم وتوقد المشاعل، ويجلس الرئيس مع أهله وبين يديه المغنون، ثم يأتي الكهنة والرهبان وبأيديهم الصلبان ويقيمون قداسًا طويلًا ربما (قداس اللقان).

 

وكان نهر النيل يمتلئ بالمراكب والزوارق ويجمع فيها السواد الأعظم من المسلمين والمسيحيين فإذا دخل الليل تُزين المراكب بالقناديل وتُشعل فيها الشموع وكذلك على جانب الشواطئ يُشعل أكثر من ألفى مشعل وألف فانوس وينزل رؤساء المسيحيين فى المراكب ولا يُغلق فى تلك الليلة دكان ولا درب ولا سوق ويغطسون بعد العشاء فى بحر النيل سويًا ويزعمون أن من يغطس فى تلك الليلة يأمن من الضعف فى تلك السنة واستمرت الاحتفالات بعيد الغطاس أجيالًا وقد سُجلت فى كتب التاريخ بأيدى مؤرخين مسلمين ومسيحيين كمظهر من المظاهر القومية فى مصر.

 

وبخصوص التعميد فى المسيحية، يوضح الدكتور ريحان أن اليونانيون أطلقوا على المعمدانية فوتوستيريون من الإسم فوتيسما وتعنى تنوير، والمقصود به المكان الذى يثقّف فيه الشخص أو ينّور والمعمدانية تبنى كحمام فيه يولد الشخص مرة أخرى بالماء والروح كما تسمى باليونانية كوليمفثرا وتعنى حوض أو جرن المعمودية.. وأن كلمة عمّد تعنى غسل بماء المعمودية، والمعمودية هى المبنى الذى تجرى فيه عملية التعميد، وطقس العماد هو الطقس الذى سبق اليهـود فيه المسيحيين، والتعميد هو إشارة للحياة المتجددة وهى من سمات الكنيسة منذ نشئتها، حيث أن السيد المسيح تم تعميده واقفًا فى نهر الأردن، ويتم التعميد فى مياه جارية وإذ لم توجد ففى أى مياه أخرى، وحين البرودة فى مياه دافئة .

 

ويوضح الدكتو ريحان أن مدة أربعين يومًا حددت كآخر حدود السن المقرر لتعميد الأطفال الذكور وثمانين يومًا للإناث والتعميد هو أحد الطقوس المسيحية الغرض منه كما يعتقد هو تعميد أو تنصير الأطفال بعد ولادتهم وذلك بتغطيسهم فى الماء الموضوع فى جرن المعمودية ويقوم الكاهن بوشم الطفل وتدشينه ثلاث مرات الأولى حتى منتصف جسمه باسم الأب والثانية حتى منبت رقبته باسم الإبن والثالثة يغطس فيها الطفل كاملًا حتى آخر أطراف شعره باسم الروح القدس ويردد الكاهن أثناء عملية العماد تراتيل كنيسة معينة حينئذ سوف يقفز من الماء التى تهب له الحياة كطفلا جديدًا من رحم أمه الجديدة أى الكنيسة .

 

ويتابع الدكتور ريحان بأن عمليات العماد كانت تتم إبان العصور المسيحية الأولى فى الأنهار والبحار والينابيع وكان التعميد يتم فى المنازل فى فترات التعذيب ويتمثل فى وجود فسقية فى الفناء أو مكان يجاور الحمام وكانت هذه الأماكن غير عميقة لتغطيس الشخص (فهى تشبه ما يسمى اليوم حمام قدم) يقف فيه الشخص المراد تعميده ويصب عليه الماء فوق رأسه، واستمر هذا حتى بعد نهاية التعذيب ثم تطور ليصبح مبنى ملحق بالكنيسة حيث أن هناك حجرة خارجية بالكنيسة يجتمع فيها الأشخاص المراد تعميدهم لينبذوا الأعمال الشيطانية ويعترفوا بالعقيدة المسيحية فى الثالوث ثم يمروا لغرفة داخلية و يخلعوا ملابسهم ثم يدهنوا بالزيت المقدس و يتوجهوا للحوض المقدس بالمعمودية ، حيث يهبطوا ثلاثة مرات إحياءً لذكرى إقامة الثلاثة أيام للسيد المسيح فى القبر ثم يدهنوا بالزيت مرة أخرى و يرتدوا الحلة البيضاء .

 

وينوه الدكتور ريحان إلى أن أجران المعموديات لها أشكال مختلفة فمنها أجران مستديرة مبنية أسفل مستوى الأرضية ولا توجد بها درجات، و أجران مستديرة تؤدى إليها درجات سلم، وشكل مستدير يحوى درجات من كل جانب ويحاط الحوض أحيانًا بصف من الأعمدة به ستائر لتؤكد الخصوصية والحشمة أثناء عملية التغطيس وفى كل مدينة مسيحية مبكرة كان يوجد مبنى مثمن مسقوف بقبة ويشعل مصباح تحت القبة وتظل الأبواب مفتوحة طول اليوم، وبه حمام عريض عليه تماثيل حيوانات تتدفق من أفواهها المياه، وينزل للحمام بدرجات من الرخام وأرضية الحمام مغطاة بالموزايك وبه طغراء السيد المسيح وأسماك

 

ولفت الدكتور ريحان إلى أن المعمدانية أصبحت شائعة فى مناطق الإمبراطورية البيزنطية فى القرن الرابع والخامس الميلادى واختفت بعد القرن السادس الميلادى وأصبحت داخل الكنيسة وليست بناء مستقل، وأقدم معموديات بمصر يعود تاريخها من القرن الخامس حتى التاسع الميلادى، ووجدت فى الجزء الشمالى الغربى أو الجنوبى الشرقى من الكنيسة وينتظر الشخص المراد تعميده سبعة أسابيع على الأقل للإستعداد، والأشخاص المؤهلين للتعميد وهم الذين طلبوا التعميد يتلقون مجموعة من التعليمات ويرتدى المتعمد رداء أبيض جديد يرمز للسيد المسيح ويقف بأقدام مكشوفة على جلد حيوان والذى يرمز إلى ماضيه الوثنى، وفى ليلة البعث فى الفسقية يموت فيها ثم ينهض للحياة مرة أخرى شعره مكشوف تمامًا ، لذلك يجب أن يهبط عبر أستار المظلة التى تظلل الحمام لينزل عبر الدرجات إلى حوض التعميد ويُمسك المطران بكتف الشخص ثلاثة مرات تحت الماء المصبوب عليه ويعمده. وعندما يتم تعميد الجميع الرجال أولاً ثم النساء يقوم الشماسين الكبار بتقديم المساعدة، حيث يرتدى الجميع أثوابهم البيضاء كقطيع جديد فى سرب الراعى، ويتم استقبالهم فى البازيليكا المجاورة فى زينتهم لإنشاد المزامير فى عاطفة ومتعة بمشاركة الأعضاء الأكبر سنًا ، حيث يقفون فى مكان الشرف بجوار المذبح ، وسوف يروا لأول مرة الأسرار المقدسة للعشاء الربانى، وهذا كله جزء من عيد الفصح أو عيد القيامة.

 ويشير الدكتور ريحان إلى أكلات عيد الغطاس وتشمل القلقاس والقصب لأنه رمز لمعمودية المسيحى ففي القلقاس مادة سامة ومضرة للحنجرة، وهي المادة الهلامية إلا أن هذه المادة السامة إذا اختلطت بالماء تحولت إلي مادة نافعة مغذية، ومن خلال " ماء المعمودية " يتطهر المسيحى من سموم الخطية كما يتطهر "القلقاس" من مادته السامة بواسطة ماء الطهى. والقلقاس لا يؤكل إلا بعد خلع القشرة الخارجية، فبدون تعريته يصير عديم الفائدة، فلابد أولاً من خلع القشرة الصلدة قبل أكله وفي المعمودية يتم خلع ثياب الخطية لارتداء الثياب الجديدة الفاخرة، ثياب الطهارة والنقاوة. أما القصب فهو يرمز للمعمودية ، فهو كنبات ينمو في الأماكن الحارة وربما يذكرنا ذلك بأن حرارة الروح يجعل الإنسان ينمو فى القامة الروحية ويرتفع باستقامة كاستقامة هذا النبات، ونبات القصب ينقسم الى عقلات وكل عقلة هى فضيلة اكتسبها فى كل مرحلة عمرية للوصول إلى العلو والقصب قلبه أبيض وحلو الطعم .

 

اقرأ المزيد :- عيد الغطاس.. المصريون يغردون لإخوانهم المسيحيين: هناكل معاكم قلقاس وبرتقال