باحثة أثرية: «الإعدام» كانت أحد عقوبة المعتدين على المقابر عند المصرى القديم

 الأثرية د. مي شريف العنانى
الأثرية د. مي شريف العنانى

انتشرت في الآونة الأخيرة قضايا الحفر خلسة، وهوس الثراء السريع بحثًا عن الآثار، وقد كشفت الدراسات البحثية التي قام بها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن هناك حوالي ٢٠٠٠ قضية حفر خلسة كل عام، وبالتالي سقوط ضحايا الحفر خلسة في عدة محافظات في مصر. 

 وأكدت الباحثة الأثرية د. مي شريف العنانى، أن الحفر خلسة لم يكن مستحدث بل كان يتم منذ القدم، فلقد تعرضت أغلب المقابر المصرية القديمة للسرقة، بالرغم من أن المصري القديم كان حريص كل الحرص في بناء مقبرته على تضليل اللصوص، فقد كان يضع أحجار ضخمة على مقبرته  لإخفائها عن اللصوص، بالإضافة إلى كتابة صيغ سحرية تؤذي كل من يمس مقبرته.

وتشير د. مى العنانى، أن من أشهر المقابر التي تعرضت للسرقة قديمًا هي مقبرة الملك رمسيس السادس، حيث تم سرقة مقتنياتها الثمينة من الذهب والفضة، ولم يقتصر سرقات المقابر على سرقة المقتنيات الثمينة فقط، بل أمتدت أيضًا لسرقة الأحجار ومواد البناء الخاصة بها وذلك لإستخدامها في بناء مقابر أخرى، مثلما حدث في مقبرة الملك سيتي مرنبتاح من الأسرة التاسعة عشرة، والتي أشارت إليها بردية كتبت بالخط الهيراطيقي، والمحفوظة الآن بالمتحف البريطاني تعرف باسم  Papyrus Salt 124.

وقد انتشرت سرقات المقابر في عهد الملك رمسيس التاسع، ونتيجة لذلك قام الكهنة بنقل المومياوات الملكية، ومومياوات بعض النبلاء إلى مقبرة بالدير البحري، والتي تعرف حاليًا باسم «خبيئة الدير البحري»، والتي تم اكتشفها عام ١٨٨١م، والتي تعرضت هي الأخرى للسرقة بعد إكتشافها بواسطة إحدى العائلات بقرية القرنة غرب الأقصر.

وتوضح «العنانى» أن سرقات المقابر من أبشع الجرائم عند المصري القديم، وذلك لأن المصري القديم كان يهتم بالحياة الأخرى إهتمامًا كبيرًا، حيث شيد المقابر ووضع بها أفخم الأثاث الجنائزي لكي يستخدمهم مرة أخرى بعد بعثه في العالم الآخر، ولكي تتم عملية البعث كان لابد أن يحافظ على الجسد فقام بتحنيطه، وذلك لكي تستطيع الروح التعرف على الجسد فيبعث مرة أخرى في العالم الآخر، ويحيا حياة أبدية، لذا فالإعتداء على المقابر، ونهب محتوياتها كانت جريمة كبرى يعاقب عليها القانون، وكانت تنفذ العقوبة إما بالإعدام، أو قطع اليدين، أو الضرب مائة جلدة. 

وكانت تنفذ عقوبة الإعدام، والتي ذكرت في النصوص المصرية القديمة بـ sbAyt aAy n mwt أي «عقوبة الموت الكبرى» إما بالحرق، أو الإغراق، أو قطع الرقبة، أو الإفتراس بواسطة أحد الحيوانات المفترسة.

أما الآن فقد انتشرت قضايا الحفر خلسة بشكل كبير، حيث أن الحفر أسفل المنازل أصبح ظاهرة كما انتشر الحفر في الأراضي بالقرب من المواقع الأثرية، وذلك بسبب هوس الثراء السريع الذي يسعى إليه ضحايا الحفر خلسة، والذين يلجأون إلى الدجالين اعتقادًا منهم أنهم سيحدون لهم موقع الأثر، وبالتالي التنقيب عن الآثار، ولكن هؤلاء الدجالين لا يستطيعون تحديد أماكن تواجد الآثار، لأنهم لا يعتمدون على طرق علمية، بل يلجأون إلى طرق وأساليب خرافية، فقد يستخدمون أنواع معينة من البخور بالإضافة للتضحية بالأطفال بحجة تقديمهم كقربان للجان لفك ما يسمى «الرصد الفرعوني»، وبالتالي السماح لهم بدخول المقبرة الفرعونية، وهذه العملية التي تسمى "الرصد" ما هي إلا حيلة يلجأ إليها الدجالين لإستغلال ضحاياهم ماديًا، كما يلجأون أيضا الي مطالبة الضحايا بمبالغ مالية كبيرة بحجة شراء مادة الزئبق الأحمر، والتي لم يكن لها أي أساس من الوجود، فالزئبق الأحمر ما هو إلا أكذوبة، لأن المادة الحمراء التي عثر عليها بالمقابر ما هي إلا بقايا من مواد التحنيط، ولا تشكل أي أهمية.

وأشارت الباحثة الأثرية د. مى العنانى إلى أن الأساليب التي يلجأ إليها الدجالين ما هي إلا أساليب للنصب على ضحايا الحفر خلسة، فإذا كانت تلك الأساليب حقيقية لنفع بها الدجالين أنفسهم وأصبحوا أثرياء، فالبحث عن الآثار علم كبير شأنه شأن الطب والهندسة وغيرهما، ولا يستطيع أحد تحديد أماكن تواجد الآثار سوى الآثاريين، لأنهم يعتمدون على طرق علمية مدروسة في البحث والتنقيب عن الآثار.

كما أنه للأسف يترتب على الحفر خلسة إنهيار المنازل فوق رؤوس ضحايا الحفر وموتهم نتيجة الجهل بأساليب الحفر، فضلا عن إهدار الكثير من الوقت والجهد والمال دون فائدة، وإرتكاب جرائم كالقتل بسبب التضحية بالأطفال، أو بسبب الخلافات التي تحدث بين الضحايا، إضافة إلى العقوبة المشددة لكل من قام بالتنقيب عن الآثار دون تصريح سواء أسفل المنازل، أو في أي مكان آخر.

وتحذر د. مى المصريين أصحاب الحضارة العظيمة، والآثار التي أبهرت العالم ألا يقعوا تحت وطأة الدجالين، وأن يكونوا على يقين بقيمة حضارتهم، وذلك من خلال زيارتهم للمتاحف والمواقع الأثرية، والتي من خلالها يشاهدون فيها عظمة أجدادهم، مما يدفعهم للحفاظ على آثارهم العظيمة، فيجب علينا أن نحافظ على البقايا الأثرية في جميع أراضي مصر وألا نعبث بها، فقد كانت تلك الأراضي مسرحًا لأحداث تاريخية هامة، فالآثار المصرية تعد المصدر الرئيسي للتاريخ المصري القديم.

 

اقراايضاالقومي للبحوث: يوجد فراغ تشريعي بشأن الانتحار ولا يوجد ما يجرمه