حكايات| ممنوع دخول الرجال.. قرية «المجوهرات» للناجيات من الاغتصاب والعنف

ممنوع دخول الرجال.. قرية «المجوهرات» للناجيات من الاغتصاب والعنف
ممنوع دخول الرجال.. قرية «المجوهرات» للناجيات من الاغتصاب والعنف

«للرجال فقط» هو شعار يرفعه أهالي مقاطعة تتقاعس عن إعطاء النساء حقوقهن ويرفضوا حتى حمايتهن لما يتعرضن له من عنف جسدي ومعنوي فلا والد يحمي ولا زوج يصون ولا أم تدافع فهذه هي العادات وتلك هي التقاليد.

 

دائرة مغلقة لا تتمكن أية فتاة داخل القبيلة من الخروج من أنيابها التي تشبه الأسد في حدتها ومن تحاول الخروج لتنجو من عنف مؤكد يكون مصيرها هو وجودها بين براسن الأسد الذي لا يرحم فلا يوجد من يدافع عنها أو حتى يطالب برحمتها.

 

ولكن لم يستمر الأمر هكذا وعلى مبدأ «لا يحك جلدك مثل ظفرك» قررت نساء القرية عدم انتظار من يرحمهن أو حتى من ينادي بحقوقهن ليعلنوا عن رغبتهن في استكمال الحياة وما تبقى منها بكرامة أبدية بعيدا عن كل ما تنص عليه الأعراف لينشئوا قرية ممنوعة على الرجال تخضع لقوانينهن لتكون منطقة آمنة لكل سيدة تعرضت للعنف وقررت الاعتراض فكانت النتيجة هجرها هي وأبنائها أو ملاذ لكل فتاة شعرت أنها مستباحة وقررت الهرب قبل الوقوع في دائرة من العنف اللامتناهي.

 

اقرأ أيضًا| نصف فتاة.. «إيلا هاربر» تصاب بمرض نادر فتتحول لـ«جمل» بالسيرك

 

ففي كينيا وعلى بعد ما يقارب من 400 كيلومتر من شمال العاصمة نيروبي، وتحديدا في «سامبورو» تقع قرية من نوع خاص فبمجرد وصولك إليها ترى النساء والأطفال فقط وكأنها قرية لأرامل جنود فقدوا في الحرب ولكن في حقيقة الأمر هن نساء اتخذن قرار الهروب من حياة العنف التي يعشنها في القبيلة شمالي كينيا حتى تحولت القرية تدريجيا إلى ملجأ للنساء.

 

 

ولا يسمح بدخول الرجال في تلك القرية لتكون رمز واقعي لوحدة النساء على تخطي الصعاب لذلك سميت بـ«أوموجا» أو «الاتحاد والوحدة» باللغة السواحلية المحلية الكينية بحسب موقع الجارديان.

 

«أوموجا» هي قرية يمكنك أن تتعرف عليها حتى قبل أن تدخلها وتكتشف أنها خالية من الرجال فكونها القرية الوحيدة المحاطة بسياج من الأشواك يجعلك تتخيل مدى الخوف الذي يعاني منه سكانها ولكن مع اقترابك أكثر تشعر وكأن السلام لا ينقطع من هذه القرية فلعب الأطفال حول أمهاتهن وسط الماعز والدجاج الذي لا يقترب من الحصائر التي يجلس عليها النساء العاملات في صناعة المجوهرات ورغم انشغالهن بالعمل إلا أنهن لا يتوقفن عن الحديث والضحك وسط أصوات العصافير.

 

اقرأ أيضًا|  تفنن في اغتصاب النساء.. «جون كريستي» طبيب عبقري بدرجة قاتل

 

لتتعجب رغم كل هذا السلام الذي يشعرن به ما سبب هذا السياج الشائك لتكتشف أن داخل هذه القرية قصص صعبة من العنف والضرب والاغتصاب والزواج القسري تعرضت له كل سيدة من هؤلاء السيدات فما بين فتاة تعرضت للاغتصاب لم يرحمها المجتمع ليتم ضربها حتى الموت على يد زوجها ورجال القرية لتجد نفسها في النهاية مع أطفالها بلا مأوى.

 

وفي النهاية تكون السيدة مسؤولة بشكل كامل عنهم وبين زوجة خضعت للتقاليد وتزوجت من محارب وقع عليه اختيار عائلتها لتقوم بتربية الماشية ورعاية الأطفال وتقطيع الحطب لزوجها ورغم ذلك مع أصغر خطأ يتم ضربها وتعنيفها فتقرر الهروب من موتها.

 

 

فتاة قرر الأب تزويجها في عامها الـ 11 من رجل يتجاوز عمره الـ 57 فقررت أن ترفض مصيرها المؤلم ومع هذا الرفض وعدم الاستسلام ولم تجد مأوى يحتضنها هي وأبنائها لحمايتها من كل ما تعرضوا له فعدوهن الأول هو الرجل لذلك قررن والاعتماد على أنفسهن للحصول على حقوقهن في مجتمعهن الخاص الخاضع لقوانينهن.

 

ومن هنا ظهرت فكرة «أوموجا» قرية نسائية بامتياز تحمي الناجيات من العنف ولا يسمح للرجال العيش بها والتي تحولت إلى واقع حقيقي على يد ريبيكا لولوسولي إحدى الناجيات من العنف والرئيسة الحاكمة لقرية.

 

واجهت ريبيكا أثناء وجودها كعضو في قبيلة سامبورو الكثير من العنف خلال مرحلة طفولتها على يد والدها وأخواتها حتى تزوجت من رجل بشكل قسري وهي لا تزال طفلة واعتقدت أنها بذلك انتهت معاناتها ولكنها استمرت معها حتى أدركت أن الصمت لا يغير من الممارسات التقليدية المسيئة للنساء التي يتبعها أهالي القبيلة فبدأت في محاربة هذه الممارسات علنا بهدف حماية الأرامل والأيتام وضحايا الاغتصاب كما دعت إلى منع ختان الإناث والزواج القسري وزواج الأطفال.

 

وبطبيعة الحال استهجن أهالي القرية وخاصة الرجال منهم موقف ريبيكا ومطالبتها بحصول النساء على حقوقهن في الحصول على تعليم وحقهن في اختيار الزوج والتملك حيث لا يحق للمرأة في القبيلة حصولها على أي ممتلكات وفي محاولة لتلقينها درسا على جرأتها للتحدث في هذه الأمور مع نساء القبيلة تعرضت للضرب على يد رجال القرية أمام نظر زوجها الذي لم يكلف نفسه عناء مساعدتها أو حتى حمايتها.

 

 

دخلت ريبيكا بعدها المستشفى في حالة خطرة وبعدما تماثلت للشفاء شعرت بأن حياتها مهددة بالخطر في تلك القبيلة فقررت عام 1990 مع 15 سيدة أخرى ممن تعرضن للعنف ترك القبيلة واستقروا في حقل مهجور يبعد قليلا عن القبيلة ليتحول هذا الحقل بعد فترة قصيرة إلى قرية أوموجا وتبدأ معها قافلة الهجرة النسائية لكل من تعرضت للعنف أو تخلت عنها أسرتها أو الهاربون من الزواج المبكر.

 

ومع استمرار توجه النساء إلى القرية بلغ تعدادها 47 امرأة و200 طفل واجهت ريبيكا مشكلة جديدة وهي كيفية تلبية احتياجات هؤلاء النساء وأطفالهن لتكون أولى مشاريع القرية الاقتصادية لاكتفائها ذاتيا هو افتتاح عدد من المحلات الصغيرة المتنقلة تبيع فيها النساء الدقيق والذرة والسكر ولكن فشلت الفكرة وبعد محاولات عديدة فاشلة توصلت في النهاية إلى احتراف النساء لصناعة المجوهرات التقليدية والحرف اليدوية للسائحين مع تسويق القرية كمنطقة جذب سياحي لعشاق السفاري والمخيمات السياحية.

 

ومنها تمكنت القرية من التطور وتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ حيث تقوم بعض النساء بصناعة الحلى والأخريات في تربية الدواجن والزراعة لتوفير الطعام اللازم لسكان القرية وفي النهاية وتحت مظلة شجرة الكلام تتجمع النساء لاتخاذ القرارات يتم تجميع الأموال المحصلة من بيع الحلى والتذكارات السياحية وتقسيمهم بعد ذلك لشراء الطعام لكل أسرة بناء على عدد الأطفال في كل منزل مع الاهتمام بإنفاق جزء على المدرسة التي تم افتتاحها لتعليم الأطفال وبشكل خاص الفتيات.

 

 

واستمرارا لإرادة هؤلاء النساء التي لا تقهر تمكن رغم قيام عدد من الرجال بإقامة قرية قريبة لقطع الطريق أمام السياح ومنعهم من دخول قرية "النساء" وحتى التعدي عليهن وضربهن للحد من قدراتهن من ادخار المال وتملكن أرض القرية على غير العادات التي لا تسمح للمرأة بالتملك ودفعن 200 ألف شلن للحصول على ملكية القرية حتى لا يتمكن أي رجل من طردهن أو التعدي على ملكيتهن الخاصة.

 

وفي النهاية استطاعوا نساء أوموجا على ابتكار قانون خاص بهن تحدين به الأعراف والتقاليد التي تمنعهن من حقوق كثيرة مثل حق اختيار الزوج وحق الدراسة وغيرها حتى استطعن فعليا الحصول على استقلاليتهن واصبحن يملكن قرية ومدرسة وعمل وصناعة.