لفت نظر

جمال الشناوى يكتب: دوس على كل الصعب.. يا ريس

جمال الشناوي
جمال الشناوي


التاريخ لا يعيد نفسه دوما، لكن دروسه تضئ لنا طريق المستقبل .. اذا أدركنا واستوعبنا..

شخصان ربما يتشابهان مع الرئيس السيسي في بعض الصفات لكن الشجاعة تجمع بين الرجال الثلاثة..

الأول من وجهة نظري هو بانى أمريكا الحديثة .. وقائد جيوشها المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وربما الدرس الأهم في الرجل هو الدراسة الجيدة للأزمات ..والانطلاق بسرعة كبيرة إلى فرض الحلول ..وكان الزعيم الأمريكي لايبالى كثيرا بأحاديث النخبة السياسية والثقافية ..ومن أشهر ما قاله أن «المثقف شخص يستخدم كلمات أكثر من اللازم لقول أكثر مما يعرف».

زعيم آخر قاد بلاده من ثبات عميق في غياهب الفقر والمرض والجهل إلى التطور والرفاهية.. وكانت أولى خطواته أن واجه شعبه بمشكلاته.. وصرخ فيهم صرخة منبه.. هو مهاتير محمد الذي يقول في مذكراته صفحة ٢٨٠.. لماذا يقنع شعبنا بالفقر.. »سعيت لتحديد أسباب ابتعادهم عن الاقتصاد والأسباب التي أدت إلى ضعف أداء الشعب المزمن..«

وقدم تشخيصا بمشكلات الشعب في كتابه «معضلة الملايو» وهو شعب ماليزيا.. وانطلق ببلاده يبنى الموانئ ويشق الطرق ويشيد الكباري.. ويقدم قروضا للعائلات متناهية الصغر للانطلاق إلى المستقبل.

أما ثالث الزعماء من وجهة نظرى هو الرئيس السيسي.. الذى دوما ما يصارح الناس بأزمات الدولة بشجاعة يندر توافرها في الباحثين عن دوام السلطة الذى يستلزم تنازلات وألاعيب أهل السياسة..
ولم أبني وجهة نظرى من فراغ ، ولكن تدعمها المشروعات العملاقة على أرض الواقع وفي مختلف المجالات، ولم يقف عند النهوض بالدولة المصرية، بل كان المواطن المصري نصب عينيه ويسيطر على كل إهتمامته، ولنا فى أهالى الصعيد أسوة حسنة ، فنصف سكان بلادنا في صعيد مصر وريفها عاشوا عقودا طويلة .. في غياهب الإهمال ولم يكونوا أبدا رقما مهما في محاولات وخطط التنمية .. فقط كانوا مصدرا لرفاهيه الأغنياء فقط .. سرايا للباشا، أو عزبه يملكها مليونيرا من خدم السلطة.. سنوات طويلة تتابعت وتبدلت أنظمة الحكم بين الملكية والجمهورية، ولكن أحوال سكان الصعيد والريف كانت من سيئ لأسوأ.. رغم التحرر من قيود الرق المسموح والعبودية الممتعة للكبار، وأقصى ما قدمه أهل السياسة قديما هو مكافحة الحفاة مقابل شراء أصواتهم في الإنتخابات في التجربة الديمقراطية الفاسدة، وتتوالى الحكومات،ولكن ظل نصف سكان مصر ضحايا إهمال وصمت وسكون، ومن يحلم بحياة أفضل، عليه الهجرة إلى القاهرة..  
محاولات محدودة لم يكتب لها الاستمرار نتيجة المغامرات السياسية والعسكرية إبان حكم عبد الناصر أو انفتاح اقتصادي «منحرف» في عصر السادات.. أو جمود وتجمد بعدها.
وسقط الملايين من أهالينا صرعى للأمراض والإهمال التام.. وعلنا نذكر إحصاءات تحدثت عن نسبة لا يستهان بها من الشعب باتت تسير بأكباد عشش فيها فيروس «سي».. وسخر السفهاء منا من خطوة أراها الأكثر جسارة، عندما قرر الرئيس السيسي القضاء على الفيروس وتطهير أكباد المصريين من المرض الذي يفتك بهم..
بعد يناير ٢٠١١ بأسابيع كنا في رحلة تدريبية على «الصحافة الجديدة» في عاصمه إحدى الدول الشمال الأوروبي، التي باتت تستخدم فقط كواجهة أمامية لتدخلات قوى أكبر ..وقف الرجل وبيده أوراق وبيانات عن المجتمع المصري من الداخل ١٢ مليون مصاب بفيروس سي، ملايين أخرى بأمراض سارية، أعداد هائلة ثالثه عن التسرب من التعليم ، ودراسة رابعة «مدفوعة الأجر» أعدتها منظمة مجتمع مدنى عن انهيار التعليم .. ظل الرجل يتحدث عن حقوق هؤلاء ولماذا الدولة غائبة .. محاضرة ذكرتني بخطب كثير من رجال الأحزاب في مصر عن الفقر والجهل والمرض لإظهار فشل الحكومة حتى ينال مطلبه الخاص «بالطبع لا أقصد الجميع» .
وبالمناسبة تذكرت ما رواه لي أحد رؤساء الأحزاب في بداية حياتي الصحفية، عن كيفية إدارة الحوار السياسي بين السلطة والأحزاب، تقول الرواية أن رئيس مصري سابق جمع رؤساء الأحزاب في اجتماع بمقر الرئاسة، وحضر الجميع تقريبا، كل منهم كان يحمل بين يديه أوراق بها مطالبات خاصة بالحزب وأعضائه يقدمها بعد خطبة عصماء عن الفقراء في بلادنا، ولأن رأس السلطة كان يفضل «اللا» فعل كان يستجيب لطلباتهم الخاصة ليسيطر عليهم ويكملوا فقط الشكل الديمقراطي للنظام .. إلا واحدا منهم تأخير عن بداية الاجتماع ، وبعد دخوله داعب الرئيس «والله جاي في الأتوبيس يافندم ..وبسم الله ما شاء الله العربيات كتير قوى برة.. ورد الرئيس الأسبق خلاص هترجع بعربية، وعاد الرجل إلى حزبه بسيارة "ريجاتا" موديل ٨٧»
مشهد جديد علينا أن تجد فيه رئيس الدولة المصرية ، يقرر أن يفعل الصواب وفقط ..لا يعيب الزمان ، لكنه يكشف أزماتنا بكل صراحة وشجاعة ..وأذكر أن أحدا روى لى قصة تعويم الجنية ، وحاول بعضهم إثناء الرئيس أو إقناعه بتأجيل القرار حفاظا على الشعبية ..فسأل خبراء الاقتصاد في اجتماع ممتد عن البدائل ، وكان الرد واضحا لا بديل سوى الوقف الفوري لدعم قيمة الجنيه ، التي تلتهم مليارات الدولارات سنويا ..وجاء قرار الرئيس حاسما وواضحا «سأفعل الصواب».

* * * * 

الرئيس السيسي يقود قطار سريع للتنمية .. يواجه في طريقه صعوبات كثيرة، ربما أبرزها هو نتاج سنوات أوشكنا فيها على الهلاك، والضياع سواء بهجمات منظمة من الخارج، أو ضبابية الرؤية لدى الكثيرين حتى على مستوى المواطن.
لم أكن أتصور أن هناك إمكانية لإطلاق مشروع القرن وفرض الحياة الكريمة على البسطاء من أهلنا في الجنوب والشمال .. قرار لم أجد وصفا له سوى مشروع القرن .. أكثر من نصف الشعب سيجد مياه نظيفة للشرب كان محروما منها، وشبكات صرف صحى، بعد سنوات طويلة من صرف المجاري إلى النيل وفروعه، وكنا نراه فعلا طبيعيا في ظل ضعف حكومي وإهمال بات من طبائع الأمور.

الأسبوع الماضى .. بينما كنت أتابع أحاديث الرئيس في جولته إلى أهالينا في الجنوب .. بدا لى أن الرجل لاينام .. وكان مشهد إسناده لثلاثة محاور على النيل تكلفتها تقترب من ٩ مليارات جنيه .. مثيرا لدروس الإدارة الجسورة .. فرئيس الجمهورية يعرف بالإسم كبار مقاولي القطاع الخاص .. الحاج سعيد والمهندس هاني .. المشهد يكشف أن الرئيس ملما بكل تفاصيل الدولة ومشروعاتها على طول البلاد وعرضها ..بل وعلى تواصل يومى مع القائمين عليها .
هذا العمل الأقرب إلى الثورة يحتاج منا جميعا أن ننهض ونثور على نمط حياتنا، ولعل أبرز ما لفت أنتباهى هو انتقاد علني من رئيس الدولة لأساليب إدارة القطاع العام ..وطرق التعيين في الوظائف ، والحقيقة أننى وجدته يتحدث بلسان كل المصريين ، فأزمة أغلب القطاعات في الدولة أنها خالية من كفاءات في الوظائف، ومثلا الإعلام والصحافة نموذجا صارخا لذلك .. فأغلب المواهب والكفاءات لم تستطع الحصول على كارت توصية أو دعم من مسئول .. وامتلأت المؤسسات بأنصاف الكفاءات والموهوبين .. فتراجعت وباتت عاجزة .. وكانت النتيجة المباشرة هي نخبة للمجتمع ضعيفة غير قادرة على أداء دور مساند للدولة.
والآن أظن أن بلادنا تحتاج إلى صناعة نخبة جديدة تساند بطولات معارك التنمية الحالية .. وأتمنى أن تشمل أي حكومة قادمة وزيرا تكون مهمته الأولى رعاية الأفكار ودعم الابتكار وصناعة المعرفة .. وزير صناعة المعرفة يكون دوره بناء تلك النخبة من عوام الموهوبين الذين طردهم مجتمع لم يعد يجد من يدرس تطوراته.
فمثلا يمكننا في الثورة التي تدور فصولها على كل بقاع مصر .. أن نؤسس لطلاب وخريجي الهندسة شركات صغيرة برأس مال محدود .. وتتكون الشركة مثلا من خمسة مهندسين شباب ، تحت رعاية وشراكة مع المقاولين الكبار .
لو افترضنا تأسيس ألف شركة صغيرة، من الخريجين الجدد لكليات الهندسة .. تتولى مهام مقاولي الباطن في البداية .. وبافتراض ان نسبة نجاحهم لن تزيد عن ٥٠٪ سنخلق ٥٠٠ شركة جديدة .
وهكذا في كل القطاعات .. الزراعة والرى والطب البيطرى .. الصيدلة والطب ، لو استطعنا تنفيذ بعضا من تلك المؤسسات الصغيرة كل منها يبدأ بـ١٠ خريجين بقواعد وتوزيع اختصاصات ومهام واضحة ..أظن ان بلادنا خلال أعوام قليلة ستشهد ميلاد نخبة اقتصادية جديدة .
كتبت سابقا ولن أتوقف عن ضرورة مشاركة طلاب الجامعات في بطولات معارك التنمية التي يقودها الرئيس بقدرات غير محدودة وبتوفيق من الله لا يغيب دوما عن المخلصين.
لماذا لا يخرج طلاب الجامعات من مدرجات الدرس إلى متابعة المشروعات والتدريب العملى يكون في مشروعات الزراعة التي تنتشر من توشكي جنوبا إلى الدلتا الجديدة جنوب العلمين .. إلى مزارع سيناء شرقا .. وهكذا في المزراع الحيوانية والسمكية .
أتمنى أن تربط الحكومة الأجيال القادمة بما يجرى من تطور هائل بات الجميع يلمسه .. عندها فقط ستجد ملايين الشباب يهبون للدفاع عن ثورة البناء الجارية .. وهى تجربة سبقتنا إليها الصين ونجحت بامتياز في خلق جيوش من المدافعين عن بلادهم .. يصعب إختراقهم بأصنام قادمة لنا ممن يكيدون لنا .
خلال سنوات قليلة فقط سنخلق «نخبة جديدة» غير ملوثة بالإنتهازية التي تعشش في نفوسنا .. نخبة قادرة على الابتكار ومؤهلة للتطور .. فأحاديث الرئيس عن حتمية التفكير لحل الأزمات تحتاج إلى عقول جديدة تشبعت بآليات العصر الجديد .
وهذا الأسبوع أجرت  صحيفة «ديلي ميل» البريطانية استطلاعا لرأى الخبراء عن طبيعة الحرب العالمية الثالثة والسيناريو المتوقع لها.
وجاءت إجابات معظم الخبراء .. أن التكنولوجيا قبل غيرها هي ساحة المعركة واستندت الصحيفة إلى توجه وزارة الدفاع البريطانية إلى خفض كبير لتمويل الأسلحة التقليدية وركزت على تطوير الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وغير ذلك من مجالات تكنولوجيا المعلومات.
ووفقا لمحاوري الصحيفة، فإن الولايات المتحدة وروسيا والصين ستستخدم في الحرب العالمية المفترضة الصواريخ فرط الصوتية، التي يصعب اكتشافها وإسقاطها في الوقت المناسب بسبب سرعتها الفائقة.
وفي حال حدوث نزاع واسع النطاق، ستحاول الدول المتحاربة حرمان خصومها من الاتصالات والإنترنت عن طريق قطع كابلات الاتصالات البحرية العابرة للمحيطات وستبدأ في «صيد» الأقمار الصناعية المعادية.
ما أحوجنا إلى نخبة  شابة جديدة لتحمى ما يجرى على ارض مصر .. وما أشد احتياجنا إلى وزير لصناعة وتوطين المعرفة والعلوم الجديدة ..
التغييرات السريعة التي تدور على أرض مصر، والتحولات الأسرع التي يشهدها العالم .. تحتم على كل مخلص لنفسه وأهله وبلده .. أن يصطف سريعا خلف قيادة سياسية تدرك حجم التحديات وتجرى جراحات عاجلة لإستئصال كل الأمراض التي تعشش في نفوسنا ..وبلادنا .