أوراق شخصية

لأولئك الذين أنطقوا الحجر (2)

آمال عثمان
آمال عثمان

أبحر العالم عبر عوالم وفضاءات المكان والزمان، ينشد رِفْقَة الأجداد والسير فوق أقدم طريق للمواكب الملكية عرفته البشرية، طريق «الكباش» ذلك الطريق المسكون بخطى ملوك مصريين عظماء، ووقع أقدام فراعنة أذهلوا العالم بصروحهم ومسلاتهم وأهراماتهم، وتركوا تراثاً تقف له الدنيا إجلالاً واحتراماً، وأقاموا حضارة امتد شعاعها ليغمر شعوب الأرض علماً وفناً وفكراً  وأخلاقاً.

جاءت الاحتفالية الكبرى التى شهدها الرئيس عبد الفتاح السيسى - أول قائد مصرى يخطو فوق طريق الكباش فى العصر الحديث -  بمدينة الأقصر «سيدة كل المدن» لتعكس أصوات أحفاد المصريين التى انطلقت من أعماق الحضارة، لكى تشهد العالم على مدى احترامنا وحرصنا على تراث أجدادنا، وتبرهن للدنيا على براعة وعبقرية المصريين، ومثلما استطاع المصرى القديم أن يطوع الحجر، ويسخره لكتابة تاريخه وإنجازاته على الجدران، استطاع الأحفاد أن يعيدوا الحياة لتلك الحروف والكلمات المحفورة فوق الجدران، وأن ينطقوا تلك الأحجار ويخرجوها عن صمتها، لتبيح بأسرار لم يمحها الزمن.

وراء هذا العمل العظيم الذى أنطق الحجر، وأتاح للدنيا الاستماع إلى أصوات المصريين القدماء - لأول مرة - فى التاريخ، يقف عالم جليل يقرأ اللغة المصرية القديمة، مثلما يقرأ الجريدة اليومية كل صباح، ابن مدينة أسوان الدكتور «ميسرة عبد الله» أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، والمسئول عن اختيار وترجمة الأغانى التى أنشدها الفنانون فى حفل الافتتاح، وهى من الأشعار التى كتبها المصريون القدماء على جدران معبد الكرنك منذ 3600 عام، باللغة المصرية القديمة أقدم لغة مكتوبة فى العالم كله، وهى «أنشودة حتشبسوت» المحفورة، و«أنشودة أمون» و«أنشودة الفيضان»، ومنح كل من الملحن أحمد الموجى والمايسترو نادر العباسى قائد الأوركسترا، لتلك الأشعار نبضاً وحياة، ليتغنى بها المصريون من جديد.. إن احتفالنا يا سادة لم يهدف فقط للترويج السياحى، وإنما للترويج السياسى والاقتصادى والثقافى والحضارى، وليعيد لبلادنا مكانتها التى تستحقها بين الأمم المتحضرة.