في الصميم

بورسعيد.. وذاكرة الوطن ومولد «سيدي الحرامي» وشهرته ديليسبس

جلال عارف
جلال عارف

خلال هذا الشهر تحل الذكرى الخامسة والستون لواحد من أعظم انتصاراتنا الوطنية في العصر الحديث، في ٢٣ ديسمبر كان آخر الجنود المشاركين في العدوان الثلاثى على مصر يغادر أرض الوطن معلنا «هزيمة العدوان وانتصار إرادة شعب مصر وفشل محاولة استعادة السيطرة الاستثمارية على قناة السويس التي عادت لأحضان الوطن بقرار التأميم التاريخي الذي أعلنه جمال عبدالناصر في يوليو من هذا العام.

كل حديث عن بطولة شعبنا في هذه المعركة المجيدة يبدو قاصرا أمام الواقع الأسطورى الذي كانت «بورسعيد» رمزه الخالد بصورها أمام أساطيل وطائرات العدوان الآثم، وبقتال أبنائها الذى أوقف جيوش الغزو وأفشل مخطط إعادة احتلال القناة، وبمقاومتهم التى لم تتوقف يوما حتى تطهرت الأرض من آخر جنود العدوان فى يوم الانتصار العظيم.

ما زالت ذكريات هذه الأيام العظيمة حية فى الذاكرة. كيف صمدنا على أرض المدينة الباسلة ونحن محاصرون بنيران الحرائق وقذائف البوارج الحربية لا تتوقف، كيف قاوم الرجال بأسلحتهم البسيطة دبابات الأعداء، ثم كيف استمرت بورسعيد على رفضها للعدوان رغم آلاف الشهداء والمصابين، وكيف تصاعدت عمليات المقاومة الشعبية التي كتب فيها رجال ونساء بورسعيد صفحات خالدة فى التضحية والفداء حتى كان النصر العظيم فى ٢٣ ديسمبر قبل خمسة وستين عاما.

مازلت أذكر هذا اليوم كما لو كان بالأمس القريب. كانت المدينة تترقب الانسحاب الأخير وتعرف أنه أصبح محتوماً، ومع ذلك كانت فرحة النصر تلون سماء المدينة وتعطر هواءها.

ولم يكن تفيجر تمثال ديليسبس في هذه الظروف إلا تعبيرا عن إرادة شعبية كانت تريد أن تسدل الستار على هذا الفصل المظلم من القهر والاستغلال الذي عاشته مصر سجينة للاحتلال ورهينة لقناة السويس التى نجح هذا النصاب «ديليسبس» في أن يجعل مصر تحفرها بأجساد أبنائها لحسابه ولحساب الناهبين لثروات الشعوب، ولتكون - منذ نشأتها وحتى التأميم- دولة داخل الدولة.. أو على الأصح فوق الدولة.

الغريب أننا وبعد ٦٥ عاما من إنهاء هذه المأساة الوطنية مازلنا نسمع هذه الأصوات المتكررة التي تتحدث عن إعادة تمثال ديليسبس إلى موقعه في مدخل القناة «!!».. أي مهانة للنفس وأي إهانة للوطن؟! هل نسيت هذه الأصوات القبيحة مائة وعشرين ألفا ماتوا في العمل بالسخرة التى فرضها ديلسبس، وهل نسيت تآمره لكى يضمن استحواذ بريطانيا وفرنسا على أسهم القناة بعد إغراق «الخديو» في الديون وهل نسيت هذه الأصوات القبيحة كيف عاشت مصر حتى تأميم القناة وهي لا تحصل على شىء من عائداتها بسبب جرائم المحتال ديليسبس؟ وهل نسيت هذه الأصوات القبيحة أن مولد «سيدى ديليسبس»، الذي ما زالت تصر على إقامته بتمويل جمعية فرنسية مشبوهة هو إهانة لكل القيم الوطنية، وهو احتفال يستحقون عليه نفس المصير الذى انتهى إليه «ديليسبس» نفسه في بلاده مدانا بالاحتيال والنصب. بالإضافة إلى ما يستحقونه فى بلادهم التى يوجهون الإهانة لكل شعبها الذى خاض الحروب وقدم أغلى التضحيات لكى يكون سيدا على أرضه ولكى تعود القناة مصرية والقرار مصرياً.

أليست ٦٥ عاماً كافية للانتهاء من مولد «سيدى الحرامى»، الشهير ديليسبس؟! سؤال يحتاج لحديث آخر.