قضية ورأى

نبوءة نهاية العالم

د. أمل قنديل
د. أمل قنديل

أنضحك أم نبكى من النبوءة الجهنمية التى طالعنا بها مسئول مصرى سابق مع انتهاء المؤتمر الدولى لتغيرالمناخ بأن مقومات الحياة ستنعدم من العالم بما فيه لندن عند ارتفاع متوسط درجة حرارة الجوعالمياً  ٣-٤ درجات مئوية ، مدعياً أنه لن يكون هناك معنى للقلق وقتها بسبب غرق الإسكندرية أيضاً مع ارتفاع منسوب البحار والمحيطات لمستويات غير مسبوقة نتيجة لتلك الزيادات فى درجة الحرارة. هل كان هذا الزعم «رد الصاع صاعين» لرئيس الوزاء البريطانى الذى أشار فى المؤتمر إلى الخطر الداهم الذى تواجهه تلك المدينة الشرقية العريقة وغيرها من المدن الساحلية بسبب تبعات تغير المناخ والتى على العالم مواجهتها بكل جدية وإحترافية ؟ للأسف طلع العيارفشنك.


فالزعم بأن غرق الإسكندرية سيواكبه فناء الحياة بسبب زيادة درجة الحرارة عالمياً  ٣-٤ درجات مئوية غير صحيح علمياً وعملياً. 


لقد استند هذا الزعم إلى افتراضات مخالفة للحقائق العلمية الطبيعية والجغرافية والاقتصادية ، ومن تلك الافتراضات أن ارتفاع درجة الحرارة فى العالم يحدث بشكل متساو  فى جميع مناطقه وأن ارتفاع متوسط درجة الحرارة فى العالم سيؤثر سلباً بالتساوى على كل أرجائه. .

 أما واقعياً فهذا غير صحيح فهناك تباين فى معدلات زيادة الحرارة بين المناطق الجغرافية المختلفة وفى الإقليم الواحد ، وفى الأقاليم قارسة البرودة خاصة فى أقصى شمال العالم كشمال أوروبا وروسيا والصين وكندا ستتفتح فى بعض المناطق مقومات للحياة لم تكن متاحة من قبل مع اتساع المساحات الملائمة للزراعة فيها بسبب الانحسار الجغرافى والموسمى للمساحات المغطاة بالجليد وتحسن الإنتاجية الزراعية أينما زاد اعتدال الجو. ولا ينطبق هذا بالطبع على المناطق الحارة أصلاً كجنوب أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب آسيا التى قد تصبح الحياة فى بعض أرجائها مستحيلة. .

إن ارتفاع منسوب البحار والمحيطات مع زيادة متوسط درجة حرارة الجوعالمياً سببه عوامل مركبة لذا فعلاقة ذلك الارتفاع بتلك العوامل وبدرجة الحرارة علاقة ديناميكية وليست خطاً مستقيماً ، كما أن النماذج المناخية المستخدمة لحساب معدلات ارتفاع منسوب البحاروالمحيطات المتوقعة تختص بظواهر طبيعية و ليس ببيئة معملية يتحكم فيها الإنسان ، لذا كان معدل ارتفاع منسوب البحاروالمحيطات المتوقع سابقاً وفقاً لبعض النماذج أقل مما رُصِدَ لاحقاً. 


إذاً فإن ارتفاع منسوب البحر المتوسط لمستوى يمثل تهديداً للأنشطة الاقتصادية فى الإسكندرية أو أى مدينة على ضفافه أو لمستوى يمثل تهديداً وجودياً لهذه المدينة أو تلك ربما يحدث عند درجات حرارة أقل مما تتوقعه بعض النماذج المناخية حالياً أوعند معدلات يمكن لمناطق جغرافية أخرى التكيف معها. .

كما أن الدول الشمالية المشار اليها لديها ايضا قدرات اقتصادية للتعامل مع تبعات زيادة الحرارة علي سكانها واقتصادها اكبر مما لدى الكثير من دول الجنوب..

بقدر ما قد نتمنى تساوى تبعات الإحتباس الحرارى فى أرجاء العالم فإن الواقع المشاهد غير ذلك ، وسواء كان أسوأ أو أفضل من توهم فناء الحياة تزامناً مع غرق الإسكندرية علينا مقابلة الواقع وجهاً لوجه بالعلم والعمل والابتكار وعدم طمسه كى لا تصبح مهمة المتخصصين الذين يفنون وهم يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه كمن يؤذن فى مالطا ولكى لا تغرق الإسكندرية هى ومدن أخرى والبعض يتخبط وراء واقع افتراضي.