الأخبار تحاور علماء الظل «6»

مدير مركز الفوتونات والمواد الذكية بمدينة زويل: «البشر قبل الحجر» في البحث العلمي

صلاح عبية
صلاح عبية

- نريد الانتقال من «خطوبة» البحث العلمي والصناعة إلى الزواج وإنجاب المنتجات
- أحلم بمجلس أعلى للتعليم والبحث العلمى يقوده الرئيس على غرار «التجربة الإنجليزية»
- أوجدوا الصلة بين الصناعة
والبحث العلمى ثم اسألوا عن الإنجازات
- لسنا «ماكينة» تضع فيها المشكلة فيخرج لك الحل.. والشركات تفضل البديل المستورد

رغم اعترافه بوجود بعض السلبيات التى لا تزال تخيم على قطاع البحث العلمى المصري، إلا ان البروفيسور صلاح عبية، مدير مركز الفوتونات والمواد الذكية بمدينة زويل، لم يفقد «تفاؤله» الذى ظل محتفظا به منذ عرفته قبل سنوات.. ومثل غيره من العلماء الذين التقتهم «الأخبار» ضمن سلسلة حوارات «علماء الظل»، استفاض البروفيسور عبية، فى تشخيص أمراض البحث العلمي، لكنه وبالرغم من ذلك، كان قادرا على رؤية نصف الكوب الممتلئ، والمتمثل فى كثير من الإنجازات التى تحققت على أرض الواقع، والتى كان هو شخصيا أحد أبطالها، بحصوله فى أكتوبر الماضى على زمالة مجمع الفيزياء الأمريكي، كأول أستاذ يعمل بالجامعات العربية والأفريقية يمنح هذا التكريم الرفيع.

ويرى "عبية" أن هذا التكريم الدولي، تقدير لفريقه البحثى متمثلا فى شخصه، وهو نتاج أبحاث أثروا بها مجال التخصص، وأثبتوا من خلالها أن مصر لديها بحث علمى قادر على المنافسة الدولية، ولكن ينقصه الحلقة المفقودة بينه وبين التطبيق،.. ونوه كثير من الباحثين الذين التقيتهم سابقا، لهذه المشكلة التى  أشار إليها عبية، ولكنه تفرد عن غيره بإقتراح حل جديد.. وخلال الحوار تحدث ياستفاضة عن تفاصيل هذا الحل، وكيف يمكنه انشاء علاقة مصاهرة بين البحث العلمى والتطبيق، .. وإلى نص الحوار.  

- دعنا نستهل حوارنا بأحدث الإنجازات، وهو الاختيار لزمالة مجمع الفيزياء الأمريكي، وأود أن أعرف منكم: ما هى القيمة العلمية لهذا الاختيار؟
يرسم السؤال على وجهه ابتسامة هادئة أعقبها بقوله: مجمع الفيزياء هو واحد من أقدم المجامع العلمية فى العالم، حيث يعود تاريخ تأسيسه إلى  نهايات القرن التاسع عشر، وتحديدا فى عام 1899، ومعظم علماء الفيزياء الكبار فى العالم هم أعضاء فيه، وتعد زمالة هذا المجمع واحدا من أهم التكريمات التى يمكن أن يحصل عليها الأستاذ، لا سيما أنها تأتى بترشيحات الآخرين، أى أنك لا تتقدم بطلب للحصول عليها.. وجاء ترشيحى لأكون أول أستاذ يعمل فى المنطقة العربية والإفريقية، ويحصل على هذا التكريم نتيجة أبحاثة التى خرجت من تلك المنطقة.


تكريم معنوي

- وما قيمة أن تكون زميلا لمجمع الفيزياء الأمريكي؟
تختفى الابتسامة لتفسح المجال لمشاعر الحماس التى ارتسمت على وجهه وهو يقول: على المستوى الشخصي، هو نوع من التكريم المعنوى المهم للغاية، فهو يأتى من مؤسسة علمية عريقة تختار بشكل عادل ومستقل، وعلى المستوى الأكبر بعض الشيء، فهو تكريم لفريقى البحثى فى مجال الفوتونات، أما على المستوى الكبير جدا، فاختيارى يعنى أن البحث العلمى المصرى بات معترفا به بشكل عالمي، وهذا أمر لم يكن متاحا قبل عقدين، ومن شأنه أن يعطى أملا للباحثين.


- ما أعلمه أنك أستاذ في الهندسة، فكيف تحصل على زمالة مجمع الفيزياء؟
يضحك قبل أن يقول: من الجيد أنك طرحت هذا السؤال، ليكون مناسبة لتوضيح حقيقة أن الحدود الفاصلة بين التخصصات العلمية لم تعد موجودة فى المنظومة البحثية، وأصبحت هناك تخصصات بينية، فمثلا تخصص «النانو تكنولوجي»، يمكن ان تجد علماء فى الزراعة والطب والكيمياء والفيزياء، بل وحتى المتخصصين فى الهندسة المدنية، يعملون فيه، وقد يكون ذلك غريبا، ولكن أصبحت الكبارى الحديثة فى العالم لا تستخدم الحديد الصلب الذى نعرفه، ولكنها تستخدم ما يعرف بـ «أنابيب الكربون النانوية»، والتى تتيح تعديلا بالمادة على مستوى الذرة والجزيئات تكسبها صلابة ومتانة وعمرا أطولا، هذا فضلا عن خفتها وعدم وجود مشاكل كالتى توجد فى الحديد الصلب مثل الصدأ.

وبالنسبة لتخصصى فى الفوتونات، فهو تخصص وإن كان أساسه هندسيا، إلا أن الفيزياء تدخل فى كثير من تطبيقاته، وهو ما دفع مجمع الفيزياء الأمريكى إلى اعطائى زمالة المجمع.


الأستاذ قبل المبنى

- عودة لتكنولوجيا النانو التي استخدمتها كمثال للتخصصات البينية .. هل تفضل أن تكون هناك كلية متخصصة فى النانو، كما فعلت جامعة القاهرة، أم يتحول إلى برنامج فى الكليات التى يمكن ان تستفيد منه؟
لم ينتظر استكمال السؤال وقال على الفور: الأمر يتوقف على الكتلة الحرجة من المتخصصين الذين لديهم خبرة فى المجال داخل الجامعة أو المؤسسة البحثية، فإذا وجدت هذه الكتلة فيمكن إنشاء معهد متخصص أو كلية متخصصة فى النانو، مثل معهد البنك الأهلى للنانو تكنولوجى بمدينة زويل، وإذا لم تتوفر تلك الكتلة الحرجة وكان لدينا باحثين متفرقين فى أكثر من كلية، ولديهم دراية بعلوم النانو، فيمكن انشاء لجنة لعلوم النانو بالجامعة يكون أعضاؤها من هؤلاء الباحثين لوضع رؤية الجامعة فى هذا التخصص خلال العشر سنوات القادمة، وقد يكون من ضمن هذه الرؤية برامج للنانو فى الكليات، تمهيدا لأن يكون هناك كلية أو معهد متخصص، ويجب البدء فى ذلك سريعا، فالنانو تكتنولوجى هو حاضر ومستقبل العلم حاليا.


- أراك مهتما بوجود الأساتذة المتخصصين، ولم تشر من قريب أو بعيد إلى الإمكانيات، فما توافر لكم فى مدينة زويل من دعم سخى من البنك الأهلى لتجهيز المعامل قد لا يتوافر لآخرين؟
تصبح ملامح وجهه أكثر جدية قبل أن يقول بنبرة صارمة: البشر قبل الحجر، فأنا أتحفظ على مشروعات بدأت بتجهيز المكان والمعامل دون ان يكون لديها الأستاذ المتخصص فلم يكتب لها النجاح، فالأصل أن يكون لديك الأستاذ المتخصص، والذى يقوم بدوره بتحديد متطلباته فيتم البناء والتجهيز استنادا لهذه المتطلبات. 


أفكار غير تقليدية

- تحفظك هذا يقودنى إلى  تعليق ذكره لى أحد الباحثين فى حوار ضمن سلسلة حوارات «علماء الظل»، التى نستضيفكم فى إطارها، حيث اشتكى من أن ميزانية البحث العلمى لا تزال قليلة رغم زيادتها بنص دستوي، لأنها موزعة بين الانشاءات والأجور والانفاق على الأبحاث، وهذا يجعلنا نرى مؤسسات بحثية براقة فى مبانيها لكنها خاوية من الداخل.. فهل تتفق مع ما ذهب إليه؟

يأخذ رشفة من الماء يلتقط خلالها الأنفاس قبل أن يقول بنبرة متحمسة: أتفق وأختلف مع ما ذهب إليه الباحث، والإتفاق معه فى أن نسبة الـ1% بحاجة إلى زيادة، وذلك لأن البحث العلمى من المهن المكلفة، وأقل بند فى تكاليفها هو رواتب الباحثين، بينما البنود الأخرى مثل المعامل وتجهيزاتها والمواد المستخدمة فى الأبحاث مكلفة جدا.


وأختلف معه في أن الحلول التقليدية مثل مطالبة الدولة بزيادة الميزانية ليست مجدية، فالدولة مشكورة خصصت نسبة الـ1 % من الدخل القومى للإنفاق على البحث العلمى وجعلته حقا دستوريا، ولا أستطيع أن أطالبها بالمزيد فى ظل ما نراه من مشروعات فى الصحة والتعليم والطرق والبنية الأساسية، ولكن فى المقابل توجد حلول غير تقليدية، وهى ليست من اختراعي، ولكنها مستقاة من تجارب دول أخرى، ومنها أن يتم تخصيص نسبة 1% من انفاق الصناعة والتجارة وشركات البيزنس على الإعلانات للبحث العلمي، ويمكن أن نفعل ما هو أعمق وهو خلق تواصل بين الشركات المرتبطة بمجال بحثى معين والمؤسسات البحثية المعنية بهذا المجال، بحيث يكون جزء من إنفاق تلك الشركات على الدعاية مخصص للبحث العلمى بتلك المؤسسات، ولا مانع من أن تضع تلك المؤسسات البحثية «لوجو» يشير إلى اسم الشركة الداعمة لأبحاثها، ولا مانع أيضا من توجيه كلمة شكر لتلك الشركة فى الأبحاث العلمية المنشورة، وهذه الدعاية يمكن ان تجنى منها الشركات فائدة أكبر من عرض إعلان فى التليفزيون.. والمطلوب من الدولة لتطبيق هذه الحلول هو وضع التشريع الذى يضمن تنفيذها، وبذلك تكون قد حلت مشكلة زيادة الميزانية دون أن تتحمل أعباء إضافية.


- قد يرد البعض على هذه المقترحات قائلا: وهل قدم البحث العلمى انجازات تجعل الشركات متحمسة لهذه الحلول؟
تخرج الكلمات من فمه سريعة وهو يقول بنبرة لا تخلو من الحماس: لدى الكثير للرد على سؤالك، فأولا أود القول أن البعض ينظر للبحث العلمى على أنه ماكينة تضع فيها المشكلة فيخرج لك الحل من الجانب الآخر، وهذا غير دقيق، فالبحث العلمى يحتاج لصبر ووقت، ومع ذلك أؤكد لك انه عندما تلجأ بعض الشركات للبحث العلمى سعيا نحو إيجاد حلول لمشكلة تواجهها يتم طرح حلول ممتازة، ولكن ذلك نادرا ما يحدث، لأن أغلب الشركات لا تزال تفضل الحل الأسهل المستورد من الخارج..أما الأمر الآخر الذى أود قوله، فهو أن العاملين بتلك الشركات، تخرجوا من الجامعات ومعاهد الأبحاث، وعندما نطالب بدعم الميزانية البحثية من الانفاق الإعلانى للشركات، فنحن لدينا منتج غير مباشر يروج لنا، وهم طلابنا، فمثلا كل طلاب النانو تكنولوجى الذين تخرجوا من المعهد الخاص بمدينة زويل يعملون حاليا  فى شركات داخل وخارج مصر، وهذا منتجنا غير المباشر الذى أتحدث عنه.. وأخيرا أود التأكيد أننا عندما نوجد صلة بين البحث العلمى والشركات سنشعر بإنجازات البحث العلمى أكثر وأكثر، فالذين يسألون عن الإنجازات، أقول لهم أخلقوا هذه الصلة أولا، وأذكر فى هذا الإطار أننى كنت أرى أثناء عملى بالخارج كيف أن بعض الأقسام البحثية كانت تضم بين أعضائها ممثلين للشركات، مثل شركة «سيمنز» وهؤلاء يحضرون مجالس الأقسام ويتعرفون على اتجاهات المؤسسة البحثية، وفى المقابل كانوا يعرضون على المؤسسة البحثية المشاكل التى تواجههم بشكل دوري، وهذا التواصل اليومى يجعل كل طرف على دراية بما يعمل الطرف الآخر، بدلا من الجزر المنعزلة التى لا تزال موجودة عندنا.


همزة الوصل

- بما أنك أشرت إلى وجود منتج غير مباشر يروج لكم وهو الطلاب الذين تخرجوا فى مدينتكم، فلماذا لا يكون هؤلاء الطلاب هم همزة الوصل بينكم وبين الشركات التى يعملون بها؟

يشير إلى غرفة السكرتارية الخاصة بمكتبة قبل أن يقول بنبره لا تخلو من الثقة: بالخارج ينتظرنى بعد انتهاء الحوار معك أحد طلابي، والذى يعمل بشركة مهمة جدا، فالتواصل بيننا وبين الطلاب الخريجين يحدث بشكل مستمر، بل إن هذا التواصل هو أحد المعايير التى استند إليها مجلس الاعتماد الأمريكى لدرجات الهندسة والتكنولوجيا  فى تقييمنا خلال الزيارة الأخيرة للمدينة، ولكن إذا كان ذلك يحدث بشكل فردى وداخل مؤسسة واحدة من مؤسسات البحث العلمي، فما أطالب به هو أن يكون هناك «نظام» على مستوى كافة المؤسسات تكون الدولة حاضرة فيه من خلال تشريع يحقق الصلة بين البحث العلمى والصناعة.  


-إذا كانت هناك نجاحات فردية، كما قلت، فلماذا لا يتم الإعلان عن ما تحقق نتيجة ذلك من انجازات، ليكون ذلك تشجيعا على تحويل هذه الأمر إلى نظام تتبناه الدولة؟ 
تظهر مسحة من الحزن تغلف وجهه قبل أن يقول بنبره حزينة: هناك تقصير من الجامعات ومراكز الأبحاث فى تسليط الضوء بشكل كاف على نجاحات أعضائها، والاحتفاء بقصص النجاح عندما توجد لغة مشتركة بين البحث العلمى والصناعة.


-  ولماذا لا تكون هذه اللغة المشتركة هى الأساس فى العلاقة بين الجانبين؟
يرد على الفور: لأنه لا توجد ثقة بين الجانبين، فالباحث يكون خائفا على فكرته من أن يتم سرقتها دون أن يستفيد منها أدبيا وماديا، ورجل الصناعة لا يوجد عنده إيمان بالدور الذى يمكن ان يقوم به الباحث، ولكن عندما نسلط الضوء باستمرار على نماذج النجاح، ربما ننجح فى بناء جسورالثقة بين الجانبين.


هناك حل انتهجته أكاديمية البحث العلمى لبناء جسور هذه الثقة....
- قبل أن أكمل السؤال بالإشارة إلى الحل، قال بنبره متحمسة: من المؤكد أنك تقصد « التحالفات البحثية».


- أومأت بالموافقة واستكملت السؤال قائلا : فهل هذه التحالفات التى جمعت بين رجال الصناعة والباحثين فى مشروع واحد ليست كافية؟  
-  يومئ بالرفض قبل أن يقول: أنا أقود أحد  التحالفات الخاصة بالطاقة المتجددة، وهى فكرة كانت جيدة للغاية من رئيس الأكاديمية الدكتور محمود صقر من أجل زرع الثقة بين البحث العلمى والصناعة باجتماعهم فى مشروع واحد له أهداف مشتركة بين الجانبين، ولكن ماذا بعد انتهاء مشروع التحالف؟.. بإعتبارى أقود أحد التحالفات سأقول لك، أن الباحث سيذهب إلى معمله ورجل الصناعة إلى مصنعه، ونعود إلى الوضع ما قبل التحالف، فهذا التحالف فى رأيى كان بمثابة فترة خطوبة يتعرف فيها الطرفان على بعضهما، ولكن ما نريده هو أن يكون هناك علاقة زواج  مستمرة تسفر عن إنجاب منتجات بشكل دائم.


-ما أعلمه أن بعض التحالفات أسفرت عن انتاج بعض المنتجات؟
يومئ بالموافقة قبل أن يقول: هذه المنتجات كانت فى اطار مشروع التحالف، انا أبحث عن علاقة مستمرة تجعل هناك ممثلين لرجال الصناعة، كما سبق وأشرت، فى مجالس أقسام المؤسسات البحثية، لخلق الصلة الدائمة، فأنا لا أريد أن يكون تمويل البحث العلمى كله قائم على المؤسسة البحثية أو الحكومة، ولكن النموذج الأفضل للتمويل والذى يأتى من وجود العلاقة المستمرة، تكون أضلاعه ثلاثة وهى المؤسسة البحثية والصناعة والحكومة.
مجلس أعلى للبحث العلمي


-وما هى الآلية المطلوبة لإيجاد العلاقة المستمرة بين المؤسسة البحثية والصناعة والحكومة؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول: لا أستطيع تحميل أكاديمية البحث العلمى المسئولية كاملة، فهى مسئولة عن منظومة البحث العلمي، وهناك آخرون مسئولون عن الصناعة، وفريق ثالث مسئول عن التشريع، والحل لخلق الرابط والصلة هو ما أحلم به منذ فترة، وطالبت به قبل ذلك، وأعيد تكرار نفس الطلب، وهو أن يكون لدينا مجلس أعلى للتعليم والبحث العلمى يرأسه رئيس الجمهورية، ويكون ممتد العضوية لمدة 10 سنوات على الأقل، ويكون أعضاؤه 10 أشخاص لديهم خبرة على المستوى الدولي، ولا يرشح هؤلاء الأعضاء لأى مناصب تنفيذية، وتكون مهمتهم فلترة الأفكار المختلفة التى يمكن أن أقولها ويقولها غيرى لوضع استراتيجية كاملة للبحث العلمى تخلق الرابط بين الصناعة والبحث العلمى والدولة، وينتج عنها خطط تنفيذية طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل، ويكون الوزراء المعنيون ملتزمين بتنفيذها، ويتابع المجلس مع الوزراء المعنيين ما تم تنفيذه وما لم يتم تنفيذه.


ومثل هذا الحل ليس اختراعا من عندي، ولكن معمول به فى دول العالم المتقدم، فإنجلترا على سبيل المثال، لديها لجنة تضم فى عضويتها ما بين خمسة وستة علماء بريطانيين يضعون استراتيجية للبحث العلمى ويتابعون بشكل مستمر ما تحقق وما لم يتحقق.


- وهل عدم التجاوب مع مثل هذا الحل أو غيره يرجع لنظرة البعض للبحث العلمى على أنه ترف وليس ضرورة؟
يشير بعلامة الرفض وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة: هذه النظرة كانت سائدة فى الخمسينيات والستينيات بالعالم كله واختلفت الآن، حيث كان رجل البحث العلمى فى أذهان الناس هو شخص يدخن البايب ويعيش فى برج عاجي، ولكن الآن فى ظل التنافسية الشديدة أصبحت الصناعة فى حاجة دائمة إلى تكنولوجيا جديدة، وهذه التكنولوجيا ستأتى من الأفكار الجديدة، ومصدر الأفكار الجديدة هم الباحثون.


-إذا كانت قد تغيرت فى العالم، فلماذا لم تتغير عندنا؟
تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: لم تتغير لأننا ما زلنا غير قادرين على التشبيك بين البحث العلمى والصناعة، لذلك فأهمية البحث العلمى لا تزال غير واضحة، ولكن بلد مثل الهند، أصبحت تجنى المليارات بعد أن أوجدت هذا التشبيك فى مجال واحد فقط، وهو صناعة البرمجيات، وهى صناعة لا تحتاج إلى مواد خام، وكل مدخلاتها أفكار جديدة يقوم بها شباب تم تدريبهم وتعليمهم بشكل جيد، بينما عندنا فى مصر تتعجب من أن يكون لدينا صحارى مليئة بالسليكون النقي، ولا زلنا نستورد خلايا شمسية، فلدينا علماء ولدينا مادة خام وعندنا صناعة ورغبة من الدولة ورجلها الأول الرئيس عبد الفتاح السيسى فى إحداث التقدم، وكل ما ينقصنا هو إحداث التشبيك.


لغز الخلايا الشمسية
-من الجيد أنك طرحت مثال الخلايا الشمسية، لأن أحد الباحثين سبق وقال لى اننا لا نملك القدرة على معرفة سر تصنيعها؟
تظهر علامات الدهشة على وجهه قبل أن يقول: كلام غير صحيح، نحن فى مدينة زويل انتجنا تصميمات جديدة تفوق الموجود بالسوق كفاءة، ولكن هذا الإنتاج لا يزال فى النطاق البحثي، وتم نشر أبحاث فى دوريات عالمية عن هذه التصميمات، ودورى كباحث انتهى عند هذه النقطة، فأنا كباحث أمثل ترسا فى ماكينة، ويجب أن  يكون هناك ترس آخر ينضم لى حتى تدور الماكينة ويكون من مخرجاتها منتج جديد، وبالمناسبة ليس شرطا ان يكون هذا المنتج سلعة ملموسة يتم بيعها أو تصديرها، ولكن يمكن ان يكون فكرة يتم حمايتها فى مكتب براءات الاختراع الأمريكى ، ليكون لديك حقوق الملكية الفكرية لها، ومن ثم تستطيع بيعها.


- أعتقد أنه من الضرورى أن يكون لديك هذا المنتج فى ظل التوجه نحو تعظيم مصادر انتاج الطاقة من هذا المصدر المتجدد، وذلك خشية أن يأتى وقت قد تمنعه عنك دول العالم بسبب أى خلاف قد يحدث؟ 


يأخذ رشفة من فنجان قهوة قبل أن يقول: أفهم ما تريد الوصول إليه، ولكن أود التأكيد على أنه لا يوجد دولة فى العالم عندها كل شيء، فالعالم يسير على نظام «خد وهات»، من أجل تحقيق التوازن، وحتى لا يحدث ما تتخوف منه، فإذا كانت دولة مثلا  ستوفر الخلايا الشمسية، فإن ستعتمد على الدولة الأخرى فى توفير البرمجيات، ولذلك يجب ان نمتلك ما نبيعه للآخرين، وهذا لن يأتى إلا اذا كان أحد تروس الماكينة ينتج أفكارا، ويكون هناك ترسا آخر يأخذ هذه الأفكار ليحميها فكريا ويقوم بتسويقها وبيعها أو يحولها لمنتجات جديدة، وإذا كان ذلك يحدث فى حالات فردية، فما أتمناه أن يتحول إلى منظومة.
مؤشرات جيدة


-ولكن هل ترى أن الوقت مناسب الآن لإتخاذ خطوة انشاء المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمى لأحداث «التشبيك» الذى تطالب به؟
يرد على الفور: لابد من التنفيذ بأقصى سرعة، فأنا أقدر حجم الأعباء الملقاه على عاتق الرئيس، والتى لا يتحملها انسان، ولكنى أعلم أيضا أنه يقدر البحث العلمى والتعليم ويضع تطويرهما على قائمة أولوياته، وما أطالب به هو السبيل إذا أردنا أن يكون لدينا بحث علمى نشعر بقيمته وأهميته فى حياتنا.


أشعر فى حديثك وكأن الباحثين فعلوا ما عليهم ولم يبق إلا إيجاد الحل الذى يخلق لهم الصلة مع الصناعة

- يرد  بلهجمة متحمسة: حديثى كله بالطبع ينصرف إلى الباحثين الجادين، ومن المؤكد ان المنظومة تضم أيضا غير الجادين، ونسبة هؤلاء إلى هؤلاء لا أعرفها، ولكن لدينا مؤشرات تنصفنا وتؤكد أن البحث العلمى على الطريق الصحيح، وتتمثل هذه المؤشرات فى تقدمنا لأكثر من 15 مركزا فى مؤشر الابتكارية العالمي، واحتلالنا المركز الـ30 عالميا فى مؤشر النشر البحثي، وهذا يعكس أن لدينا بحث علمى محترم وجاد، ينقصه فقط من يستفيد منه ويحول أفكار التى تتضمنه إلى منتجات. 


-وما قيمة بحث علمى لا يتحول لمنتج أو بمعنى آخر كيف نطالب بزيادة ميزانية البحث العلمى ونحن لا نستفيد من مخرجاته؟
-يبتسم ابتسامة ساخرة قبل أن يتساءل مستنكرا : وما البديل ؟ هل نغلق مؤسساتنا البحثية؟!


ويستطرد وقد اختفت الابتسامة لتفسح المجال لملامح جادة: بلا شك توجد استفادة، وقد حدثتك من قبل عن منتجنا غير المباشر المتمثل فى الخريجين المنتشرين فى المصانع والشركات، ولكنى أبحث عن الاستفادة الكاملة، المتمثلة فى تحول مخرجات البحث العلمى إلى منتجات.

 

 

 

أقرا ايضا | فريق بحثي بجامعة بني سويف يحصل على براءة اختراع في تكنولوجيا النانو

 

 

أتعجب من استيراد الخلايا الشمسية رغم امتلاكنا صحارى مليئة بالسيلكون النقى