دينا توفيق
عامان على اكتشاف أول إصابة بفيروس كوفيد-19 فى ووهان الصينية.. تألم العالم ومازال يئن حتى الآن مع كل لحظة فقد للأرواح.. ذعر وقلق مع انتظار الحصاد اليومى لبورصة البشر بصعود مؤشرات الوفيات والإصابات.. محاولات إنقاذ مستمرة وحرب يخوضها الأطباء مع فيروس أشبه بالشبح ولكنها جميعا كانت مجرد تجارب للتعامل مع وباء ووصف بـالمستجد.. غموض يكتنف كل ما يتعلق بالجائحة، نشأة الفيروس ومن أين جاء والإجراءات الاحترازية وقرارات الإغلاق وحقيقة اللقاحات وتوسيع عملية التلقيح حتى دخلت فى حرب المنافسة وجنى الأرباح خاصة مع فرض بعض البلدان لقاحات معينة لدخول أراضيها.. عامان وعلامات استفهام لازال العالم يبحث عن إجاباتها!
منذ بداية الأزمة الصحية، زعمت العديد من الحكومات مثل فرنسا وإيطاليا أن العلاج المبكر كان غير فعّال، نظرًا لكونه فيروس جديدا، لقد فرضت قيودًا كبيرة على الحريات، ولا مفر سوى الدفع باللقاحات التى كما وعدت بأنها ستحقق مناعة جماعية وإنهاء الأزمة والعودة إلى الحياة الطبيعية. ولكن ما يحدث حول العالم الآن وبالتحديد فى أوروبا على الرغم من توسيع عملية التلقيح بالجرعة الثالثة المعززة إلا أن الفيروس أخذ فى الانتشار؛ حتى أصبحت النمسا أول ديمقراطية غربية تعلن فرض اللقاح لجميع السكان البالغين. وفى الولايات المتحدة أثيرت مشاحنات سياسية وقانونية واجتماعية فى جميع أنحاء البلاد، مما جعل الولايات ضد الحكومة الفيدرالية، والحكومات المحلية ضد ولاياتها، والموظفين ضد أرباب العمل، وخلافات وانقسام أسري. قال محامو الولايات إن المتطلبات تشكل تجاوزًا فيدراليًا وتجبر الأمريكيين على الاختيار بين سبل عيشهم والاستقلالية الطبية.
ووفقًا لصحيفة اوواشنطن بوستب الأمريكية، هناك من ترك والديه أو من ترك زوجته وأطفاله خوفًا عليهم بعد أن قرر عدم أخذ اللقاح، ومنهم من عاد بعد أن تلقى خبر وفاة أحدهم؛ حتى بات الانقسام واضحا داخل الأسرة الواحدة بين مؤيد ومعارض ومن يخالف يخرج من المنزل. وبموجب أمر الطوارئ الصادر عن بايدن، اعتبارًا من 4 يناير، يجب أن يتم تطعيم حوالى 84 مليون أمريكى يعملون فى شركات خاصة بها 100 موظف على الأقل ضد الفيروس أو الخضوع للفحص الدوري. وعلى الرغم من أن إدارة السلامة والصحة المهنية بوزارة العمل الأمريكية قالت إنها أوقفت الأمر فى انتظار جلسة النظر فى القضية خلال الأيام القليلة القادمة، إلا أن مسألة فرض اللقاح أصبحت قضية كبرى فى البلاد. وما يحدث فى الولايات المتحدة يمكن أن يؤثر على بقية أنحاء العالم، فى وقت تزداد نسبة الحاصلين على اللقاح وتفكر الدول فى أفضل الطرق لمواجهة الوباء.
أصابع الاتهام توجه نحو مسئولى الصحة العامة وتكوينهم شبكة لنشر المعلومات التى يريدونها لإنجاح سياستهم ومخططا رغبوا فى تمريره. إخفاء الحقائق والتصدى للمعلومات المعرقلة لتنفيذه كان هدفهم الأساسى طيلة الوقت مع إبراز تصريحاتهم على أنها الحقيقة، والإنصات لهم طوق النجاة من الوباء.. ليس هناك ما يمنع من اللجوء إلى التضليل طالما يخدم أغراضهم، وعندما يكشف خداعهم وتظهر أكاذيبهم يتراجعون عما فعلوا وكأنه لم يكن.. كان المستشار الصحى للبيت الأبيض، اأنتونى فاوتشيب ومدير المعهد الوطنى الأمريكى للحساسية والأمراض المعدية، مدافعًا قويًا عن نظرية الأصل الطبيعى لفيروس منذ ظهوره، ولكن سرعان ما تحول وتخبط بموقفه بعدما أعلن عدم اقتناعه بأن الفيروس أتى من الطبيعة، ودعا إلى تحقيق مفتوح فى أصل الفيروس وما حدث فى الصين، بعد أن ظل لأكثر من عام ينفى إمكانية تخليق الفيروس مخبريًا، حتى دائمًا كان يجد مناصرة منظمة الصحة العالمية، وفقًا لتصريحاته لشبكة افوكس نيوزب الإخبارية الأمريكية.
لكن فشل ما يســــمى بـاالاستراتيجية الصحيةب لمدة 18 شهرًا القائمة على الوعود التى لم تتحقق وكذلك كثرة الأخبار وعدم نفيها وسياسة الحذف والحجب التى مارستها مواقع التواصل الإجتماعى دفعت إلى المزيد من المخاوف وفقدان الثقة. ومثال على ذلك، مركز السيطرة على الأمراض فى يوم من الأيام كان الوكالة الفيدرالية التى يحترمها الجميع، الآن هناك العديد من الأسباب التى تجعل من الضرورى التدقيق فيما يتم التصريح به؛ خاصة أن حملات التلقيح أظهرت الصراع بين القوى الغربية على اللقاحات التى طورتها شركاتهم التى تجنى مليارات الدولارات، وفقًا لما نشرته مجلة افورين أفيرزب الأمريكية. منذ زمن كان للقاحات مكان فى الدبلوماسية منذ حقبة الحرب الباردة؛ فالدولة التى يمكنها تصنيعها وتوزيعها على البلدان النامية تجنى عائدًا فى شكل القوة الناعمة. واليوم، قد تكون الصين من بين الدول التى تتحرك بشكل أسرع نحو ترسيخ هذه المكاسب، تحت قيادة الرئيس اشى جين بينجب، الذى أعلن فى مايو 2020 أن اللقاحات الصينية الصنع ستصبح امنفعة عامة عالميةب. فيما اعتمدت كلٌ من بريطانيا والولايات المتحدة على تعاقدات سرية مع مصنعى اللقاحات، حيث اعتمدت واشنطن على السلطات التى يمنحها قانون الإنتاج الدفاعى لفرض حظر فعلى على تصدير اللقاح كما حدث خلال النصف الأول من العام الحالى قبل أن يقرر الرئيس بايدن فى مايو الماضى إرسال ما لا يقل عن 20 مليون جرعة لقاح للوقاية من كوفيد-19 لدول أخرى.
كما دخلت شركة منتجة للقاحات مثل اموديرناب مع إحدى الجهات المسئولة عن الصحة العامة التى يمكن أن يعتمد على تصريحاتها العديد من دول العالم مثل المعاهد الوطنيــة للصحـــة الأمريكيـــــة اNIHب، فــــى نزاع حول من ستئول له براءة اختراع المكون الرئيسى للقاح كوفيد-19، الوضع الآن هو منافسة شركات ولا يتعلق الأمر بالصحة بوجه عام ما يعنى تداعيات واسعة على توزيع اللقاح على المدى الطويل والأرباح وجنى مليارات الدولارات فى المستقبل. الأزمة تعدت كونها اعترافا علميا؛ فإن مشاركة المعاهد الوطنية فى براءة الاختراع، سيكون للحكومة حق غير مقيد فى منح ترخيص لقاح موديرنا لمصنعين آخرين، مما قد يوسع الوصول إليه فى الدول الفقيرة ويجلب للحكومة إيرادات بملايين الدولارات. وفقًا لشبكة اCBS الإخبارية الأمريكية، قالت المعاهد الوطنية للصحة مؤخرًا إنها تسعى مع الشركة الأمريكية لحل النزاع المستمر منذ شهور قبل أن يؤثر على الإنتاج العالمى للجرعات. فيما قالت قالت شركة تصنيع اللقاح إنها تعرض مشاركة ملكية براءة اختراع لقاح كوفيد-19 مع الحكومة الأمريكية، وستسمح لإدارة بايدن بترخيص براءات الاختراع على النحو الذى تراه مناسبًا. قدر مكتب المساءلة الحكومية مؤخرًا أن المعاهد الوطنية للصحة قد حصلت على 2 مليار دولار من االإتاواتب منذ عام 1991 على ترخيص براءات الاختراع للأدوية المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء FDA..
ومع تصارع مسئولى الصحة فى الولايات المتحدة على الأرباح وإلى من ستئول، تاركين الباب على مصراعيه أمام الأخبار الكاذبة؛ وفقًا لموقع اsalonب الأمريكي، يقول منظرو المؤامرة المضادة للقاحات إنه يمكنك التخلص من أثر اللقاحات باستخدام مادة االبوراكسب. نشر مقطع فيديو على موقع TikTok معلومات خاطئة حول كيفية اإزالة اللقاح من الجسم، حيث تدعى طبيبة العظام اكارى ماديجب، أنه يمكنك الاستحمام بصودا الخبز وملح إبسوم لإزالة الإشعاع والسموم. وبعد ذلك، إضافة البوراكس لتخليص أنفسهم من اتقنيات النانوب. يستخدم البوراكس فى قتل الحشرات وعلاج العفن والفطريات، ويمكن أن يكون حارقًا وضارًا بالبشر الذين يتعرضون له بشكل مباشر.
وبالطبع، السؤال الحقيقى هو لماذا يريد أى شخص تم تلقيحه التخلص من أثر اللقاح. والجواب، وفقًا لشبكة NBC الإخبارية التى تغطى هذا الاتجاه، هو أن العديد من الذين تم تلقيحهم بعد قرارات الرئيس بايدن الإجبارية، ربما فعلوا ذلك ضد معتقداتهم الأيديولوجية، مما يشير إلى أن البعض الذين تم تطعيمهم كان من أجل تجنب فقدان وظائفهم أو المعاناة من عقوبات اجتماعية أخرى.
المشكلة تكمن فى أن الاقتراحات الخاصة بإزالة اللقاح - وهو أمر غير ممكن- تستند إلى ما يسمى بـاالعلم الزائفب، الذى يتسبب فى عواقب وخيمة.. ويجب على الصحة العامة التحقيق فى تأثير الأخبار التى يصمون أذنهم عنها وتضع العالم أجمع فى حيرة من الأمر حول مصداقيتها مثلما حدث مطلع الشهر الحالى عن قيام مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI بإلقاء القبض على المدير التنفيذى لشركة فايزر األبرت بولارب فى إحدى ضواحى نيويورك بعد توجيه تهمة تضليل الرأى العام العالمى حول الآثار الجانبية للقاح. ما زاد الأمر غموضًا ودفع البعض إلى التأكيد على مصداقية الخبر، هو عدم نفيه سواء من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الرسمية أو من السلطات الأمريكية. ينبغى أن تكون هناك مشاركة فعّالة وشفافية من مسئولى الصحة العامة فى مثل هذه الأوقات، والتوقف عن الصراع عن جنى الأرباح بدلاً من خدمة المصلحة العامة، ولا يزال العالم يدفع الثمن.