قهر المطلقات غير الحاضنات .. أمهـات مكســورة

المطلقات غير الحاضنات
المطلقات غير الحاضنات

إيثار حمدى

سلط مسلسل اإلا أناب حكاية (على الهامش) الذى عرض مؤخرا الضوء على امرأة طلقها زوجها بعد سنوات طويلة من العشرة، لتجد نفسها فى الشارع، بلا حقوق، وتواجه بمفردها مصيرا مجهولا وقاسيا، وليس لديها ما يعينها على الحياة، فى الوقت الذى تخلى فيه طليقها عن تقديم أى مساعدة لها، خاصة أن الأولاد فى حضانته.

حكاية المسلسل التى أصابت المشاهدين بالصدمة لم تكن أكثر دراما من القصص الحقيقية التى حصلت عليها آخرساعة من مصادرها خلال هذا التحقيق الذى نفتح فيه ملف المطلقات غير الحاضنات فى محاولة لإنقاذهن من الكسر، تزامنا مع اليوم العالمى للعنف ضد المرأة، من أجل أم قدمت كل شيء لزوجها وأبنائها، لتواجه الطرد والذل فى نهاية العمر.

تحكى منة عبد السلام عن خالتها فاطمة صاحبة الوجه الذى يشبه القمر والطباع الهادئة والتى يحبها كل من يعرفها، تقول إنها تزوجت صغيرة فى السن وتنقلت للعيش مع زوجها فى العديد من الدول العربية وكانت تعمل مدرسة، إلا أن المشاكل لم تفارقهما أبدا.

وأضافت: تحملت خالتى خياناته العديدة من أجل تربية بناتها، وباتت تعيش معه مثل الغريبة، لا تجمع بينهما علاقة، وفى الغالب لا يتحدثان إلا فى أضيق الحدود، كل منها يعيش فى غرفته بعيدا عن الآخر ويتناول وجباته بمفرده.

تضيف منة: كانت خالتى تنتظر حتى ينام لتدخل الحمام، أو تتناول الطعام، فلم تكن تستطيع التحرك فى الشقة طوال فترة وجوده خارج غرفته، وتطور الشقاق بينهما إلى أن أصبح كل منهما مسئولا عن احتياجاته، لا يستخدم أشياء الآخر، لدرجة أنها كانت تهمس فى التليفون عندما تحدث إحدى بناتها أو أحدا من أقاربها أو صديقاتها حتى لا يسمعها.

وتابعت: تخطت خالتى  الستين عندما قرر أن يتزوج عليها، أما الخطوة التالية فهى أنه طلقها وطردها من المنزل لأنها غير حاضنة، ولم يكن لديها أى مكان آخر تعيش فيه، فاستأجر لها بناتها وأقاربها شقة صغيرة، وساعدوها على قدر استطاعتهم، حتى تم تجهيز الشقة بالكامل.

وبعد مرور أشهر قليلة لم تجب على مكالماتهم، وحين اتصلوا بجارتها أخبرتهم أن أنوار شقتها مضاءة لكنها لا تفتح الباب، ليذهبوا إليها ويكتشفوا أنها ميتة، وملقاة أمام الحمام حيث كانت تنوى الوضوء لصلاة الفجر، ماتت فجأة رغم أنها لم تكن تشتكى من أى مرض، وقال بناتها إنها ماتت من القهر بسبب ما فعله والدهن معها.

أما هدير محمود فتحكى عن والدتها سامية التى كانت تعمل طيلة حياتها لتنفق على البيت، رغم أن زوجها (والد هدير) يعمل محاميا ناجحا، ويحصل على دخل شهرى كبير، لكنه لم يكن يساهم بشيء فى مصاريف البيت.

تقول هدير: أمى من أنفقت على زواج أخى، وقامت بتجهيزى إلى بيت زوجى لدرجة أنها خرجت امعاش مبكرب وهى فى الـ 56 من عمرها حتى لا نحتاج إلى شىء، وحين وصل والدى إلى الستين اكتشفنا أنه على علاقة بسيدة أخرى، أما المفاجأة فهو أنه اتصل بخالى لينهى معه إجراءات الطلاق فجأة لتجد أمى نفسها مطرودة من البيت بين يوم وليلة وتحل بدلا منها امرأة أخرى بعد 35 سنة من العشرة. 

وتابعت: عندما طالبته أمى بالأجهزة التى اشترتها بأموالها قال لها ارجعيلى القديم وأنا أسيبلك دول غير كده مش هتاخدى قشاية من البيتب، ثم تزوج وأحضر عروسه الجديدة إلى الشقة ومعها ابنها الذى أنجبته من رجل آخر.

 تبكى هدير وهى تقول: لم يكن لدى أمى أى مكان تعيش فيه سوى منزلى بعد أن تخلى عنها أخى أيضا ولم يعرض عليها الإقامة معه، وما تبقى لها من مكافأة نهاية الخدمة لم يكن يكفى إلا الإنفاق على احتياجاتها وعلاجها، فعاشت معى فى بيت زوجى منذ أكثر من خمس سنوات، وفى المقابل لم يعطها والدى المؤخر وهو مبلغ زهيد بالمناسبة، لا قيمة له، خرجت بحقيبة ملابسها فقط، ولولا زوجى الشهم لضاعت منا.

وتسرد نسرين ممدوح - 45 عاما - قصتها بنفسها، تقول إنها عاشت مع زوجها أكثر من 15 عاما، تعرف على فتاة صغيرة فى السن، وقرر أن يطلقها ويطردها مع أبنائها من منزل الزوجية دون منحها أى حق من حقوقها، وحاول إجبارها على توقيع إيصالات أمانة حتى يضمن عدم مطالبتها بأى شيء مما يفرضه عليه القانون من نفقات لها ولأبنائها الذين يدرسون فى مراحل تعليمية مختلفة ولكنها رفضت.

وأضافت: تعامل معى بالضرب والإهانة من أجل إرهابي، حتى وقعت أسنانى من شدة لكماته، وعندما تدخلت زوجة أخى ضربها أيضا، وبعد فترة كبيرة تدخل رجل كبير من العائلة وأقر بتوقيع كلينا على إيصالات أمانة يحتفظ بها معه، يضمن من خلالها عدم تعرض أى طرف منا للآخر، فى مقابل أن يتركنى أرحل من المنزل بسلام، وبهذا ضاع حقى، وحاليا أعيش مع أخى وزوجته فى شقة والــــدى، وحــتى الآن لـــم أعــــثر على عمــل أنفق منه على نفسى وأولادى.

مـــريم مـنير - 50 عاما - تقول إن زوجها قدّم على اللجوء لكندا وهاجر وتركها مع طفلين ولد وبنت، منذ أكثر من 10 سنوات بعد أن عرض عليها أن تهاجر حتى يستفيد من الأموال التى يحصل عليها مقابل زيادة عدد أفراد الأسرة، وعقابا لها على الرفض قرر عدم الإنفاق عليها أو على أولاده الذين رفضوا بدورهم السفر معه وهم يقولون له: الن نغادر مصر التى أتى إليها المسيح لنعيش فى بلد آخر، ده المسيح جه هنا علشان يحتمى فى مصر، دى مصر بلد الأمانب.

وأضافت مريم: ومنذ ذلك الوقت لا يعلم عنا شيئا ولا يتكفل بأى شيء من مصروفاتنا، ولا أجد عملا نظرا لتقدمى فى العمر، عندما أحاول الالتحاق بوظيفة يفضلون الفتيات الصغيرات فى السن، الشيء الوحيد الذى كان فى مصلحتى أنه لم يستطع إخراجى من الشقة لأنها من ممتلكات والدى، وحاليا يساعدنى إخوتى على المعيشة، والحمد لله ابنتى حصلت على مجموع 96% فى الثانوية العامة والتحقت بكلية الطب.. ونظرا لصعوبة الطلاق فى الديانة المسيحية فهى ما تزال علـــــى ذمـــــته ولكنهما منفصلان تماما، بعد  أن باعها وباع أولاده من أجل الأموال.

من قرية صغيرة فـــــى محـــافــظـــة المنوفية جاءت نسمة لتعيش مع زوجها فى القاهرة بمنطقة المعادى، وتقول: كان والدى متوفى ووالدتى تعيش فى شقتها الموجودة فى بيت العائلة بالقرية مع ابنها وزوجته وأبنائهم.

وتابعت: اذات يوم سافرت لزيارة أمى اسعادب، وفوجئت أنها تعانى من أعراض مرض الألزهايمر ولم يكلف أخى نفسه بأن يعرضها على طبيب أو يشترى لها أى علاج لأكتشف أنها وصلت لمرحلة خطيرة، تنسى أن تدخل الحمام وتتبول على نفسها، وفوجئت بعلامات زرقاء على جسدها لأكتشف أنه وزوجته كانا يضربانها، وفى المقابل لا يهتمان بنظافتها مطلقا على أمل أن تموت ويتخلصا من حملها الثقيل عليهما.

واستطردت: قررت أن أحضرها معى للقاهرة وعرضتها على طبيب متخصص فقال بأن حالتها متأخرة مع مرض الألزهايمر ولا يوجد لها علاج، وبعد مرور عدة أشهر من العذاب توفيتب.

يقول د. حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق إن السيدة غير الحاضنة أى التى يكون أولادها تجاوزوا سن الحضانة، واختاروا الإقامة مع أبيهم بدلا منها بعد بلغوهم السن القانونية، ليس لها حق فى الشقة من الناحية القانونية، وتقع مسئولية رعايتها وتوفير مكان لإقامتها على الأبناء، مضيفًا الزوجة المطلقة فى هذه الحالة تعيش مع أبنائها إن كانوا كبارا، وكل ما يفرض على طليقها نفقة العدة والسكن فى فترة العدة وحقوق قليلة.

ويقر د. حامد بأن الوضع صعب ولكن مادام أبناؤها قادرين على الكسب فحق هذه المرأة فى الرعاية أصبح من مسئولية أولادها لأن ابنها أو ابنتها مكلفان شرعا برعايتها، وفى حال اختيار الأبناء العيش مع والدتهم بعد الانفصال فالوالد مكلف فى هذه الحالة بالسكن والنفقة للأولاد ولكنه غير ملزم بأى شيء تجاه الزوجة.

يوضح رضا البستاوى المحامى بالنقض أن القانون حدد سن 15 عاما للأبناء يقررون بعدها مع من يريدون العيش الأب أو الأم، أما إذا استمرت حضانة الطفل مع والدته فإن الأب فى هذه الحالة ملزم بالإنفاق على الأم وتوفير مكان للمعيشة.

وأضاف: النفقة مستمرة من الأب للأبناء لا تسقط حتى يستطيع الصغير كسب المال، وليست مرتبطة بالسن، ولكن الزوج لا يكون مسئولا عن أم أبنائه بعد الطلاق فى حال اختيار الأبناء العيش معه.

ويتابع: هذا ما ينص عليه القانون، وهناك العديد من التعديلات التى تتم حاليا على قوانين الأحوال الشخصية ومنها قوانين الحضانة والاستضافة وغيرها ولكن لم يتم الإقرار بها حتى الآن.

ويستطرد: افى حال طلاق الأم فى سن متأخرة، وكان أبناؤها متزوجين أو غير متزوجين ولكنهم بلغوا السن القانونية وقادرين على الكسب وفى المقابل ليس لديها مكان تعيش فيه أو مصدر تنفق منه على نفسها يحق لها أن ترفع دعوى نفقة على أبنائها، ففى هذه الحالة هى ملزمة منهم وليس على طليقها أى التزاماتب.

ويشير إلى أن المرأة المطلقة الكبيرة فى السن إذا فقدت رحمة أبنائها ولم يراعوها بعد انفصالها عن والدهم هنا تكمن المشكلة الكبيرة، تشعر أن عمرها ذهب هباء وأنها فشلت فى تربيتهم، وبالطبع هى ليست قاعدة،  فلكل شخص ظروفه الخاصة وهناك أبناء غير قادرين على الإنفاق سوى على أطفالهم.

تشير مارجريت عازر الوكيل السابق للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، إلى أنهم فى المجلس القومى للمرأة قدموا اقتراحا حول مشكلة طلاق السيدات فى سن متأخرة يفيد بأن السيدة التى تعيش مع زوجها أكثر من 15 عاما وقام بتطليقها ولم تكن حاضنة يحق لها الاحتفاظ بمنزل الزوجية أو يكون طليقها ملزما بتوفير مسكن لها يناسب مكانتها بالإضافة لتوفير معاش من زوجها مادامت لا تستطيع الزواج.

وأضافت عضو المجلس القومى للمرأة: اهناك اقتراح آخر بأن توفر الدولة بيوتا مجانية مخصصة للمطلقات فوق السن وخرجن من الحضانة والنفقة على غرار دور المسنين لغير القادرات، ويجب تبنى هذا الأمر وإصدار تشريع ينص على تنفيذ الاقتراحينب، وحتى الآن تتم مناقشة الاقتراحات فى مجلس النواب ولم يتم الإقرار بتنفيذها.

وتختتم: الأمر فى غاية الأهمية، لأن الزوجة عندما تنفصل عن زوجها فى عمر الخمسين أو الستين غالبا يكون والداها توفاهما الله وليست حاضنة وفرص العمل تقريبا أمامها منعدمة، وحتى إذا حصلت على معاش من والدها لن يكون لديها الإمكانية لتوفير مسكن تعيش فيه، ونتمنى أن يناقش مجلس النواب الأمر وتشريعه من أجل حماية المرأة المطلقة غير الحاضنة.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي