عندما تريد مصر أن تتزين، وتظهر فى أبهى صورها، فإنها تلجأ إلى قوتها الناعمة، وتحتمى بالثقافة والفكر والفن والإبداع، والمتابع للعديد من الأحداث الأخيرة يدرك أهمية هذه القوة، ومدى تأثيرها فى نشر صورة إيجابية عن الدولة المصرية ككل، ويجب ألا ننسى دائما أن أول مسمار دق فى نعش الجماعة الإرهابية دقته الجماعة الثقافية التى تدرك اكثر من غيرها خطورتها واستهدافها للفكر والثقافة والإبداع ولوعى المصريين بصفة عامة .
خلال الأيام القليلة الماضية تحولت بوصلة العالم من جديد إلى الأقصر، لمتابعة الاحتفالية العالمية المستوى والمضمون والتى تنظمها مصر بمناسبة الإنجاز العبقرى بإعادة افتتاح طريق المواكب الكبرى المعروف بطريق الكباش الأثرى الذى يربط بين معبد الأقصر ومعابد الكرنك، احتفالية عالمية تليق بعظمة مصر وروعة تاريخها، وتليق أيضا بأهمية الأقصر ومكانتها العالمية .. وقبل أيام أيضا افتتح الدكتور مصطفى وزيرى أمين عام المجلس الأعلى للآثار برفقة العالم الدكتور زاهى حواس، معرض آثار «رمسيس وذهب الفراعنة» بمتحف هيوستن للعلوم الطبيعية بالولايات المتحدة الأمريكية، وسط إقبال منقطع النظير كالعادة، من الأمريكيين على الحضارة المصرية.
كذلك نحن أيضا على وشك افتتاح قصر محمد على باشا الأثرى فى شبرا الخيمة وقام مصطفى مدبولى بزيارته للوقوف على آخر ما تم فى مشروع ترميمه، تمهيدا لاحتفالية أخرى تليق بافتتاح هذا القصر الفريد الذى بناه محمد على مؤسس مصر الحديثة .
الأحداث الثقافية المتداخلة لم تقتصر على الإهتمام بالآثار فقط، هناك خبر لم يلتفت له الكثيرون رغم أهميته، حيث دشنت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة أول نموذج من سلسلة أكشاك «كتابك» بساحة دار الأوبرا، حيث تم تنفيذ 333 وحدة منه كمرحلة أولى ضمن مشاركات وزارة الثقافة فى المبادرة الرئاسية حياة كريمة بقرى ونجوع مصر .. المشروع يقوم على تنفيذه : مجلس الوزراء ومؤسسة «حياة كريمة» والهيئة المصرية العامة للكتاب.
كشك «كتابك» يهدف الى إعادة توطين الثقافة فى قرى مصر وتوفير محتوى ثقافى يخاطب مختلف شرائح المجتمع لنشر الأفكار البناءة وتصويب المفاهيم، وبحيث لا يقتصر المشروع على تحسين جودة حياة الناس، على أهمية ذلك، ولكن يمتد إلى ما هو أهم بناء العقول وبناء الإنسان نفسه لكى يحافظ على الإنجاز الذى يتم على الأرض وينميه.
وعندما بنت مصر عاصمتها الإدارية الجديدة، كان فى القلب منها الاهتمام الواضح بالبعد الثقافى والفنى والتاريخى، فليس معنى أن تنشىء مصر عاصمة جديدة تأخذ باحدث تقنيات وتكنولوجيا العصر، أن تعطى ظهرها لتاريخها وحضارتها، العكس صحيح، حيث تضمن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة إنشاء مدينة للثقافة والفنون ودار للأوبرا على مساحة 127 فدانا، المشروع مقام على جزءين: الأول دار للأوبرا والثانى مدينة للفنون، لنكون أمام مدينة للفنون هى الأكبر ليس على مستوى مصر أو أفريقيا، بل على مستوى العالم، الرئيس عبد الفتاح السيسى يظهر اهتماما كبيرا بالعاصمة الإدارية، وله الحق فهو يعتبرها تدشينا عمليا للجمهورية الجديدة التى ينشدها، وتليق بمصر والمصريين، ولكنه أبدى اهتماما خاصا بمدينة الثقافة والفنون وقام بزيارتها أكثر من مرة لكى تخرج فى أبهى حلة، وتكون انعكاسا لقيمة مصر وتاريخها وتراثها، والأسبوع الماضى شهد رئيس الوزراء مع مجموعة من الوزراء وكبار الشخصيات افتتاح الأوبرا الجديدة بعمل قدمه أوركسترا فيينا الفليهارموني، الذى يعد أحد أهم الأوركسترات على مستوى العالم.
مصر الجديدة، قولا وفعلا، تقدم نفسها على كافة الأصعدة وفى كل الميادين وتبحث الآن عن الصدارة، ولكنى أتمنى أن يكون الاهتمام بالثقافة، بمعناها الأشمل، حاضرا بصفة أساسية ودائمة على أجندة الحكومة، وليس أمرا موسميا، وأن يكون الانحياز لأية مشروعات تهتم ببناء العقول على رأس أولوياتها، فالإنفاق هنا فى محله.. والجنيه الذى ننفقه فى دعم وتوصيل كتاب يوفر فى الحقيقة ملايين الجنيهات التى تنفق لمقاومة من ضلت عقولهم.