بعدما أعادت للأذهان أزمة القوارب.. أوروبا تسقط فى اختبار اللاجئين

المهاجرين إلى أوروبا
المهاجرين إلى أوروبا

خالد حمزة

حلقة جديدة من سلسلة المهاجرين إلى أوروبا، تواجهها القارة العجوز بعد تدفق الآلاف منهم إليها، بعد أن سمحت لهم السلطات فى بيلاروسيا بالعبور إلى 3 دول أعضاء بالاتحاد الأوروبى هى بولندا ولاتفيا وليتوانيا، لتجد أوروبا نفسها أمام خيارين، إما الوقوف فى وجه هؤلاء المهاجرين وعدم السماح لهم بالعبور، ومواجهة اتهامات متكررة لها بانتهاك حقوق الإنسان، التى تتشدق بها ليل نهار، وإما السماح لهم بالعبور وهو ما ينذر بموجة هجرة غير مسبوقة إليها، خاصة من دول تعانى من نزاعات وحروب أهلية وأبرزها العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وإثيوبيا

 

وشهدت بولندا وليتوانيا ولاتفيا الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلنطى (الناتو)، زيادة فى عدد الأشخاص الذين يحاولون دخول بلدانهم بشكل غير قانونى عبر بيلاروسيا، وكان بعضهم يحاول العبور بالقوة مع مواجهتهم من الشرطة البولندية، وجاءوا من الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، وأغلبهم من النساء والأطفال، وكان المشهد مأساويا فهم يخيمون فى بيلاروسيا، ووسط ظروف قاسية وصعوبة الحصول على الأكل والشرب، وانخفاض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، وموت العديد منهم، ويحاصرهم حرس الحدود البولندى من جانب، والحرس البيلاروسى من الجانب الآخر، كما أنه لا يسمح للمنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام، بدخول المنطقة، كما رفضت بولندا طلبا للاتحاد الأوروبى لإرسال وفد، لتفقد الأوضاع، وهو ما دعا منظمة العفو الدولية للتحذير من الوضع الذى يسير للأسوأ، خاصة مع صعوبة الوصول إلى المكان الذى يعيش فيه اللاجئون، فالطرق أصبحت مغلقة تماما، وحرس الحدود لا يسمح لأى شخص بالمرور حتى السكان المحليين.

أحد المهاجرين العالقين قال إن بولندا لن تسمح لهم بالدخول، يقودون طائرات مروحية كل ليلة، ولا يسمحون لهم بالنوم، يشعرون بجوع شديد، لا يوجد ماء أو طعام، وهناك أطفال صغار ورجال ونساء وعائلات كاملة، كما أنه لا يسمح لأحد بتقديم طلب اللجوء، ومن يطالبون بذلك يأخذونهم إلى منطقة قريبة، حيث يتم استجوابهم، دون أن يكون أمامهم فرصة، ليتحدثوا عن الأسباب التى دفعتهم لطلب اللجوء، وعلى حد قول أحد العالقين: على كل من يريد القدوم إلى هنا، أن يعرف أنه سيموت ببطء، والمتهم فى تفجير الأزمة هذه المرة، هى بيلا روسيا التى سمحت باستقبال آلاف المهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا، ثم منحتهم تأشيرات سياحية لدخول 3 دول أعضاء بالاتحاد الأوروبى هى بولندا ولاتفيا وليتوانيا، والـ3 دول لها حدود مشتركة معها.

وبين عشية وضحاها، اكتظت المناطق الحدودية لتلك الدول بآلاف المهاجرين من طالبى الدخول، وهو ما دفع السلطات فيها لمنعهم من الدخول خاصة مع تحذيرات لدول أوروبية أخرى أبرزها ألمانيا وإيطاليا، بأنها لن تسمح بأى حال بدخولهم لأراضيها ليخلقوا أزمات جديدة، تضاف لأزماتها المتراكمة مع المهاجرين وطالبى اللجوء، لكن الأزمة لم تقتصر على ذلك، فقد اتهم رئيس وزراء بولندا الرئيس الروسى بوتين، بالوقوف وراء أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، وقال إن رئيس بيلاروسيا الحليف المقرب من بوتين يدير الأزمة، لكن العقل المدبر فى موسكو، واتهم رئيسى روسيا وبيلاروسيا بمحاولة زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبى، بالسماح للمهاجرين بالسفر عبر حدود بيلاروسيا، والعبور إلى الاتحاد الأوروبى، وأن ما يحدث هو أسلوب من الحرب، يستخدم فيه المهاجرون كدروع بشرية، لبث الفوضى بالاتحاد.

وحذرت بولندا من تصعيد مسلح محتمل على حدودها مع بيلاروسيا، مع سعى المهاجرين للعبور، وبالتوازى أعلنت لاتفيا وليتوانيا حالة الطوارئ على حدودها مع بيلاروسيا، ونقلت ليتوانيا قوات إلى حدودها مع بيلاروسيا، استعدادا لتدفق محتمل لللاجئين، وأعلنت حكومتها الطوارئ، وقالت وزارة الداخلية إن عددًا من المهاجرين، اعتقلوا بعد دخولهم بطريقة غير قانونية فى وقت سابق، ومعظمهم أبرز بطاقات تعريف مزورة عند توقيفه

وفى المقابل، نفى الرئيس البيلاروسى لوكاشنكو مزاعم إرساله الناس عبر الحدود، انتقاماً من العقوبات الأوروبية، وكان لوكاشينكو قد حذر من أن حكومته لن توقف تدفق المهاجرين، واتهم حرس الحدود فى دول الاتحاد الأوروبى بالعنف معهم، واتهم وزير دفاع بيلاروسيا بولندا بخرق اتفاقيات عبور المهاجرين إليها بشكل قانونى، وبالتعامل معهم على أنها بلد مضياف فقط، وبإجبار المهاجرين على العودة عبر الحدود إلى بيلاروسيا وهو ما يتعارض مع قوانين اللجوء الدولية، وأشادت روسيا بمعالجة حليفها المسئولة للخلاف الحدودى.

وقال الاتحاد الاوروبى إن أفعال لوكاشينكو، هى انتقام من عقوبات الاتحاد، التى فرضت بعد إعادة انتخابه فى عملية اقتراع فقدت مصداقيتها، وما تلاها من قمع ضد الاحتجاجات الشعبية، ويقول الاتحاد إن لوكاشينكو يستخدم، وبدعم من بوتين، قضية الهجرة، لمعاقبته على فرض عقوبات على نظامه، لأن قضية الهجرة هى إحدى أكبر نقاط ضعف الاتحاد، وتجعله فى مواجهة لاتنتهى مع المهاجرين وطالبى اللجوء، وهو الذى يتشدق ليل نهار بانتهاكات لتلك الحقوق حول العالم! . بينما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين،  إنه يجب على السلطات فى بيلاروسيا استيعاب أن ممارسة الضغوط على الاتحاد الأوروبى، عن طريق استغلال المهاجرين، لن يساعدها على تحقيق ماتريد من رفع العقوبات عليها، وكانت دول الاتحاد قد تبنت إجراءات تدريجية، شملت فرض أربع حزم من العقوبات استهدفت أشخاصا وكيانات على صلة بالنظام فى بيلاروسيا.

والحديث يدور الآن حول توسيع نطاق العقوبات الجديدة لتشمل الاتجار بالبشر، واستهداف الأشخاص الذين يقومون بتسهيل طرق الهجرة، كما يدرس الاتحاد اتخاذ إجراءات جديدة ضد شركات طيران، نشطة فى الاتجار بالبشر، كما تراقب المفوضية الأوروبية تنظيم الرحلات الجوية المتجهة إلى بيلاروسيا من اثنتى عشرة دولة، بما فى ذلك إيران وسوريا وقطر والهند وجنوب أفريقيا وروسيا، ويأتى ذلك مع ضغط أوروبى على الحكومات الأجنبية لعودة رعاياها، والنظر فى تعليق الرحلات الجوية إلى بيلاروسيا.

وبالمقابل، يجرى التحقيق فى بولندا مع المهربين وسائقى الشاحنات، ومع من يطلق عليهم اسم المرشدين، الذين يساعدون السائقين على تجنب نقاط التفتيش، ودخل عدد كبير من المهاجرين الأراضى البولندية، وكثيرون منهم يريدون متابعة رحلتهم إلى ألمانيا، التى استقبلت مليون طالب لجوء خلال عامى 2015 و2016.

ومن جهتها، أعربت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة عن قلقها، إزاء ظروف المهاجرين العالقين على الحدود، وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قد طالبت بولندا بتزويد المهاجرين على الحدود بالمساعدة، لكن بولندا ردت بالرفض، و قالت إن المنطقة التى يتواجد فيها هؤلاء المهاجرون هى أراض بيلاروسية، وليست بولندية.

ورغم كل هذا، فإن تدفق المهاجرين لا يتوقف لأوروبا، فقد تمكنت السلطات فى إيطاليا وبعض دول البلقان من تفكيك شبكة تهريب مهاجرين من تلك الدول إلى الأراضى الإيطالية، كما أعلنت وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس، توقيف عدد من مهربى البشر المشتبه بهم، خلال عملية نفذتها بالتعاون مع السلطات النمساوية فى وسط وجنوب شرق أوروبا، وشارك جهاز اليوروبول فى العملية، وبمشاركة 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبى، والعملية جزء من المنصة الأوروبية إمباكت، وهى خطة مدتها أربع سنوات لمكافحة الجريمة المنظمة والخطيرة، لتعزيز حدود أوروبا والأمن الداخلى.