إنهــا مصـــــــر

«الساحر الصغير والزومبى!»

كــــــــــــرم جبــــــــــــر
كــــــــــــرم جبــــــــــــر

أهم برنامج للأطفال فى تليفزيون الستينيات والسبعينيات كان «الساحر الصغير»، وخاتمته، تقول: «الساحر الصغير كان لسه عنده كلام، لكن خلص حكايته وراح عشان ينام.. وتناموا كلكم» فى السابعة مساءً، ويلتزم الأطفال بالنوم مبكراً، مثل الساحر الصغير، ثم جاء بعده «فرافيرو» «حبيبكم جاى أسرع من الصوت والضي» ثم يقفز من فوق مبنى عالٍ، وكان يقلده بعض الأطفال، بالقفز من أسطح المنازل.


كانت عقول الأطفال تتشكل حسب الثقافة السائدة سواء التليفزيون أو المسجد أو المدرسة، ببساطة دون تعقيدات، وأنتجت عقولاً صافية أكبر بكثير من هذه الأيام.


 الآن الطفل يمسك الببرونة بيد وبالأخرى الموبايل، يلعب فيه بسهولة ويسر ويختار البرامج والمواقع التى يفضلها، بطريقة أحسن أحياناً من الكبار ولا تستطيع والدته أن تأخذه منه، ويضحك ويبتسم ويغضب حسب البرنامج الذى يتابعه.


القادم أكثر ذهولاً، ولن يصبح العالم قرية صغيرة، كما يقولون، ولكن ثورة رقمية مذهلة، تطحن العادات والتقاليد والطباع والأمزجة والفكر والوعى والمحتوى، فلا تعرف الشرق من الغرب ولا الشمال من الجنوب.


ثورة تحطم كل القواعد والنظم والضوابط المعمول بها فى دول العالم، وتضع بدلاً منها قواعدها التى تتحكم فيها وترسم تفاصيلها، وقد يؤدى ذلك إلى كوارث إذا لم يتم ضبطها بقواعد وقوانين محلية، تحفظ عادات وتقاليد وقيم الشعوب، وتعظم هويتها وشخصيتها وسماتها الأساسية، وتمكن مختلف الدول من التدخل واستعادة الهيمنة وضبط الانفلات، والمتلقى الصغير الآن سوف يصبح رجل المستقبل.


الأزمة ليست محلية ولكنها تجتاح العالم كله، وتطبيقاتها العملية فى مجال الإعلام الذى يتأثر بشدة بثورة الاتصالات.. تؤكد:


 أولاً: انحسار الإعلام التقليدي، والمشهد الحزين الذى يعبر عن ذلك كان منذ شهور  وأبطاله محررو صحيفة «ليكو» الفرنسية التى كانت تصدر فى 5 مقاطعات بوسط فرنسا منذ عام 1943، حيث حملوا نعشاً عليه ماكيت كبير لصحيفتهم وهم يشيعونها إلى مثواها الأخير، ونفس الطوفان موجود من أمريكا حتى الخليج تتغير الأذواق والاختيارات وتختفى وسائل تقليدية، وتحل محلها أدوات جديدة وأصبح الشعار «اقفل .. سرَّح»، الثورة الرقمية بدأت بقوة.. والحل هكذا.


ثانياً: انخفاض نسب المشاهدة يلاحق أيضاً الفضائيات والشاشات التقليدية، وستلقى نفس مصير الصحف الورقية، وتعانى من انخفاض إيرادات الإعلانات وغيرها.. والقادم أصعب إذا لم تسابق الزمن وتطور أدواتها وفقاً لمقتضيات الثورة الرقمية.


 ثالثاً: المستقبل للموبايل «كوسيلة» ولمواقع التواصل الاجتماعى «كمحتوى»، وظهور تقنيات جديدة تعالج صغر مساحة الشاشة واستخدام أساليب لغوية بسيطة ومحتوى قصير وسريع ومتغير، يلاحق المتغيرات المذهلة فى الثورة الرقمية.


الفارق بين أمس واليوم هو نفسه بين «الساحر الصغير» بعرائسه الساذجة و«داينج لايت» بالزومبى المتوحش.. ويقول الشاعر «ليست حياتك ما أردت وإنما .. هى الزمان كما الزمان أرادها».