إنها مصر

لم يعد عالماً افتراضياً!

كرم جبر
كرم جبر

فجأة أصبحت التونسية «أميرة بو ربيع» المقيمة بدبى أشهر فتاة عربية، وحازت عشرات الآلاف من التعليقات على فيس بوك، لأنها نظرت بإعجاب لعمرو دياب، وانتشرت الصورة السيلفى على مواقع التواصل الاجتماعى وأصبحت حديث الملايين.

«نظرة» أميرة لعمرو دياب كانت حديث العرب وشغلهم الشاغل، فى «عالم افتراضى»، يقترب من الحقيقة، ويشكل الوعى والوجدان للشباب والكبار والنساء والرجال.

«نظرة» تساوى اهتماماً يفوق آلاف المقالات السياسية والمواعظ والدروس والنصائح، وأصبحت الإفيهات والتعليقات الخفيفة وأحياناً التافهة والألفاظ الخارجة والهجوم والقذف والسب، الشغل الشاغل لجمهور بمئات الملايين.

«نظرة» ومثلها من الأشياء المشابهة تكشف الستار عن أذواق جديدة ولغة مختلفة واهتمامات لا ترد ببال أحد، وتشكل محتوى الوعى الجديد فى عالم يسيطر عليه فيس بوك والإنترنت، ونطلق عليه تجاوزاً «عالم افتراضى».
لم يعد عالماً افتراضياً.

فالعالم الافتراضى معناه: مجموعة من الناس تستخدم المحاكاة بالإنترنت للتخاطب والتواصل، مع الأشخاص الافتراضيين الآخرين، ووسيلة التواصل افتراضية وليست واقعية، ويشكل الجميع «بيئة ثلاثية الأبعاد» وكأنها حقيقية، يمتزج فيها الخيال والواقع بشكل عميق.

بمعنى آخر: عالم تتم صناعته بالاعتماد على الحاسب الآلى، فيتفاعل مع الإنسان كأنه عالم حقيقى يحيط به، وهذا هو العالم الافتراضى الذى يطلق على «فيس بوك» والوسائل الأخرى.. ولكن هذا التعريف لم يعد حقيقياً ولا يمثل الواقع.

ففى نظرة الفتاة التونسية المعجبة بعمرو دياب، وغيرها من ملايين الموضوعات المشابهة، تتجسد فى الواقع المُعاش فى صور أكثر واقعية من الواقع نفسه، وتحرك الأحداث وتشكل الوعى وتدير الرأى العام، ويكون لها انحيازات صارخة تفوق الواقع نفسه.

فالعالم الافتراضى هو الذى فجر ثورات الربيع العربى، وحول نسيمها إلى نار وسعير، وأدار رحى الحروب والفتن والصراعات، واستخدم لغة وشعارات ربما تكون فى بساطة نظرة الإعجاب مع اختلاف الموضوع، وأصبح «العالم الافتراضى» هو المسيطر على «العالم الواقعى».

أستخلص ما يلى:
1- أحدثت الثورة التكنولوجية انقلاباً مروعاً فى الثقافات والأفكار والأيديولوجيات، أوشك أن يحطم الموروثات القديمة ويحل محلها.
2- أصبحت الثقافات والأفكار التقليدية فى مأزق عميق، لعدم المزاوجة بينها وبين أدوات الثورة التكنولوجية، وتشد العزلة بمرور الوقت.
3- اللحاق بالركب يقتضى إعادة دراسة أدوات تشكيل الوعى، وصياغتها بأدوات حديثة تتماشى مع العصر، للحفاظ على محتواها من ناحية، وإنقاذها من الجمود والانحسار من ناحية أخرى.
4- الاهتمام بـ «نظرة» معجبة عمرو دياب وغيرها من الموضوعات المشابهة مجرد إنذار شديد اللهجة.. انتبهوا.