فى الصميم

الأعداء فى أزمة .. ولكن هل تعلَّم العرب الدرس؟!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

على مدى شهور طويلة كان هناك اعتقاد يتنامى بأن المنطقة العربية وما حولها يسير إلى مرحلة من التهدئة والتسوية السلمية للعديد من الصراعات التى عصفت بدول المنطقة.


وكانت أطراف عديدة فى المنطقة تعيد ترتيب أوراقها استعداداً للتعامل مع مشهد جديد يطوى صفحة سنوات من الفوضى والدمار كان الوطن العربى أبرز من دفع فواتيرها.


كان فى هذه الحسابات أن صراع الدول الكبرى قد انتقل مركزه إلى الشرق الآسيوى. وأن القوى الإقليمية غير العربية فى المنطقة مأزومة بفعل سياساتها التوسعية والعدوانية، وأن وكلاءها لن يستطيعوا مواصلة حروب الوكالة مع استفاقة شعوب المنطقة إلى ما فعلته حروب الطوائف والعصابات الخائنة للدين والوطن بها.


وكان فى هذه الحسابات أن التجارب المريرة قد علمت الجميع أن «المتغطي» بأى قوة أجنبية سيظل عريانا «!!» وأنه لا بديل عن القوة الذاتية لحماية الدولة الوطنية ولا طريق إلا أن تكون هناك إرادة عربية توحد القوى وتنسق الجهد وتعبئ الامكانيات كلها لفرض الاستقرار والأمن والتنمية الشاملة بديلاً لمستنقع التدمير الذاتي، والحروب بالوكالة، وصراعات الطوائف، والإرهاب باسم الدين المفترى عليه، وتحالف الفساد والاستبداد لسد كل طرق التقدم أمام الأمة العربية.


كانت الآمال - ومازالت - صادقة وحقيقية، لكن المشهد العربى حولنا اليوم يقول إن الطريق ليس سالكاً بعد، وأن العقبات كثيرة، وأن الأعداء - فى الداخل والخارج - لن يستسلموا بسهولة.


وكل هذا مفهوم وطبيعي.. لكن  غير الطبيعى هو أن يظل الموقف العربى الموحد والفاعل غائباً - حتى الآن - عن ساحة تحاصرها المخاطر، وتهددها الصراعات الداخلية، وتشغلها الحروب الطائفية والمذهبية عن مواجهة المخاطر الحقيقية أو عن استيعاب دروس أزمات الماضى القريب التى سنظل لسنوات طويلة ندفع فواتيرها ونعانى آثارها الوبيلة!


المشهد على طول الساحة العربية حولنا يثير القلق ويستدعى كل الانتباه.. جهود مشبوهة تبذل لابقاء ساحات الصراع فى اليمن وسوريا وليبيا مفتوحة، وسعى لهز استقرار دول كانت قد بدأت تتعافى من استبداد قاتل أو حكم يستخدم الدين لقهر المواطنين وبيع الوطن «!!» وسعى لخلق أزمات أو تصفية حسابات أو رهانات بائسة مازالت تبحث عن الأمان عند من لا يريدون للعرب  خيراً أو أمناً أو استقراراً!!


الطريق واضح.. لا بديل عن دولة وطنية تملك قرارها وتفرض سيادتها وتوفر كل حقوق المواطنة لأبنائها. ولا مجال لاستمرار حروب الطوائف أو التسامح مع عصابات الإرهاب.


ولا طريق إلا بأن يفهم الجميع أن ما جرى قبل ذلك لن يتكرر!


ماذا يعنى ذلك؟.. يعنى - باختصار شديد - أن الكل لابد أن يجتمع لحماية الدولة الوطنية من أعدائها الذين يستهدفون التقسيم أو الإلغاء «!!» ويعنى أنه لا مجال لحكم العصابات الإرهابية أو المرتزقة ولو كانوا تحت حماية دول كبرى «!!» ويعنى أن القوى العربية الفاعلة عليها أن تعى مسئولياتها فى هذه الظروف الصعبة، وأن تعمل على خلق موقف عربى يوقف أى عبث بمستقبل الأمة العربية.


كنا صادقين عندما أملنا فى وعى عربى قادر على طى سنوات الدمار، ومازلنا كذلك رغم قتامة المشهد العربى الحالي. كل الأطراف التى ساهمت فى صنع مأساة الأمة العربية فى السنوات الماضية تعيش أزماتها.. بدءاً من الدول الكبرى التى راهنت على عصابات الارهاب، وحتى من حاربوا بالوكالة من الأطراف الإقليمية والمحلية، والسؤال الآن هو: إذا كان كل الأعداء فى أزمة.. فهل يكون هذا مدخلا لتصدير أزماتهم إلينا، أم يكون طريقا للخلاص؟!