إنها مصر

الحفاظ على أسرار الدولة

كرم جبر
كرم جبر

وصلنا إلى زمن كانت فيه أسرار الدولة على الأرصفة في أعقاب أحداث 25 يناير، وكان مكتب الإرشاد الذي يحتل مقر رئاسة الجمهورية في الاتحادية، يحصل على أدق المعلومات عن الدولة والجيش والتسليح والاحتياط والتحركات وكل شيء، ويرسله لإحدى الدول لاستخدامه ضد مصالح البلاد.

ووصلنا إلى زمن اقتحم فيه الفوضويون مقر مباحث أمن الدولة في القاهرة والمحافظات، وحصلوا على الوثائق والمستندات، واحتفظوا بما يهمهم وحرقوا الباقي أو ألقوا به في الشوارع والميادين.

ووصلنا إلى زمن أن تكون «الخيانة وجهة نظر»، فنجد من يدافع عنها، ويجد الأسانيد والمبررات لأعمال همجية، تمس أمن الدولة وهيبتها ووقارها واحترامها.

الدول المتقدمة في كل أنحاء العالم تحرص على حفظ أسرارها، وتضعها في أيدي عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ويكونون مؤتمنين عليها، ولم يحدث أن أباح أحد بما يعلم إلا في حالات قليلة، وكان مصيرهم الموت المحقق.

أما في مصر فقد وصل بنا الحال في زمن الفوضى إلى المتاجرة بما لدى الدولة من أسرار ومعلومات، وكان أعضاء الجماعة الإرهابية يقدمون هذه الأسرار وهم يعلمون جيداً أنها تستخدم ضد مصالح بلدهم.

كانت العصابة الإجرامية تتباهى بالخيانة، فهذا الوطن لا يعنيهم في شيء جرياً وراء حلم خلافتهم السوداء، فلا يهمهم جيش ولا أرض ولا مستقبل ولا مصير، المهم أن يحكموا مصر بأي ثمن حتى لو كان الخيانة.

فكان ضرورياً أن يصدر البرلمان قانون الحفاظ على أسرار الدولة، ويشدد العقوبة على من يقوم بإفشائها، وكما قال رئيس البرلمان المستشار حنفي جبالي، فنحن مقبلون على عالم رهيب يريد أن يعرف كل أسرارنا.

ولم تعد الخيانة صعبة، أو كما كنا نراها في أفلام السينما « أبيض وأسود» عن شخص خائن يطارده مخبر يرتدي بالطو أسود ويراقبه من جريدة فيها فتحات، ففي أيدي الجميع الموبايل وفيس بوك ووسائل الاتصال المذهلة، التي تجعل المتاجرة بالأسرار سهلة وميسورة.

ولا يقتصر تشديد العقوبة على الجريمة حال وقوعها، بل يمتد إلى الشروع فيها لتصل إلى عقوبة الحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات والغرامة من 5 آلاف جنيه إلى 50 ألفا.

والأمر ليس سهلاً، بل يتطلب نشر «ثقافة تحذيرية» بين المواطنين، خصوصاً الشباب وصغار السن الذين لا يتركون أجهزتهم ليل نهار، ليعرفوا الحدود والضوابط، ولا يتم استغلالهم ووقوعهم في المحظور.

أسرار الدولة تشمل كما يعرفها القانون كل من أذاع بأية طريقة سراً من أسرار الدفاع عن البلاد، أو التراسل للحصول على سر من أسرار الدفاع عن البلاد، وغيرها من البيانات المتعلقة بالقوات المسلحة أو مهامها وأفرادها، دون تصريح كتابي.
نحن في عالم «افتراضي الوسائل»، ولكنه «شرير الأهداف»، ومن حق كل دولة أن تبحث عن تأمين نفسها.