فى الصميم

هناك أزمة عالمية.. وهناك فرصة والصناعة الوطنية هى الحل

جلال عارف
جلال عارف

كل المؤشرات تقول إن العالم مقبل على فترة صعبة اقتصاديا. آثار أزمة «كورونا»، مع تصاعد الحروب التجارية واضطراب الأسواق العالمية ستفرض نفسها فى صورة ارتفاع فى الأسعار، ونقص فى موارد الإنتاج وتراجع فى معدلات النمو.


لسنا- بالطبع- بعيدين عما يجرى فى العالم، لكننا نستطيع أن نبنى على ما حققناه فى عز الأزمة العالمية حين كنا بين الدول القليلة التى استطاعت أن تحافظ على معدل تنمية فى ظل «كورونا» وإن كان بالتأكيد أقل من التوقعات السابقة. نستطيع أن نكرر أيضا ما قلناه من أن الأزمة تحمل دائما معها فرصا يمكن استغلالها، إذا أحسنا التدبير والتخطيط واكتشاف الفرص وتجاوز التحديات.


أصبح واضحا أن العالم- بعد كورونا- ذاهب إلى المزيد من السياسات الحمائية، والتركيز على دعم الإنتاج المحلى وتوطين الصناعات الأساسية.


كان نظام التجارة العالمية فى أزمة قبل «كورونا»، وجاءت أزمة «كورونا»، لتعمق الأزمة، ورأينا دولا عظمى تلجأ للقرصنة لكى تحصل على ما يلزمها من أجهزة تنفس صناعى أو حتى كمامات النمو«!!» ورأىنا توجها للاعتماد على توفير مستلزمات الإنتاج محليا، ورأينا عالما تستعد قواه الكبرى لحروب تجارية خاصة بين أمريكا والصين.


وسط كل هذه الظروف تحتفظ مصر بتقديرات عالمية على استمرار النمو بنحو ٥٪، وهى نسبة قد تكون فى الظروف العادية، أقل من طموحاتنا، لكنها فى ظل كورونا وما بعدها نسبة جيدة، والأهم أنها تؤكد أن عملية التنمية تسير فى طريقها رغم كل التحديات، وأنها تعد بالأفضل لأنها تترافق مع التركيز على المصادر الأساسية فى الإنتاج المحلي، وتعيد وضع الأولويات لتصل بالزراعة لحدودها القصوى، ولتنطلق بالصناعة لتكون الأساس المتين لاقتصاد قوى ودولة حديثة.


لا طريق أمامنا إلا طريق التصنيع، سواء لتلبية احتياجات السوق المحلي، أو لمضاعفة التصدير. الدولة بذلت جهدا كبيرا لخلق بنية أساسية قادمة على الوفاء باستحقاقات القيمة.. الكهرباء والمياه التى توفر كل التسهيلات للمستثمر الجاد. والدولة وضعت كل امكانياتها لدعم الصناعة الوطنية.. بدءا من انقاذ المصانع المتعثرة ودعم الصناعات الصغيرة وفتح الأبواب أمام الاستثمار الخاص ليشارك فى المشروعات العملاقة، حتى تفعيل قانون تفضيل المنتج الصناعى المحلى فى مشتريات الحكومة والمؤسسات العامة.


كل الظروف مهيأة للتركيز على الصناعة الوطنية التى تستوعب الآن ١٥٪ من قوة العمل المنتظمة وتنتج ١٧٪ من الناتج المحلي، وتصدر ما يزيد على ٨٠٪ من صادراتنا غير البترولية، هذه  الأرقام نستطيع أن نضاعفها فى زمن معقول لو وضعنا التصنيع أولوية مطلقة، ولو استمرت انطلاقتنا التى نحشد لها كل الجهود والامكانيات ونريد من القطاع الخاص أن يكون شريكا حقيقيا وأساسيا فيها، وأظن أن على الاستثمار الخاص أن يعدل أولوياته لتكون الصناعة فى المقدمة حيث يوجد الأفق الحقيقى لبناء الاقتصاد القوي، وحيث توجد الفرص الكبرى للتقدم والنجاح.


لدينا كل الإمكانيات لتكون مصر قلعة الصناعة فى المنطقة والموقع والسوق الكبيرة وقوة العمل، ولدينا آفاق كبيرة لمضاعفة الصادرات بعد أن ألزمنا مصانعنا بالمواصفات الأوروبية. ولدينا مناخ مشجع للاستثمار العالمى الذى ستزداد ثقته مع قرار انها حالة الطوارئ الذى يؤكد أن مصر قادرة على أن 
تبنى وأن تحمى ما تبنيه دون حاجة لإجراءات استثنائية.


الظروف الاقتصادية العالمية ستكون صعبة، لكنها تؤكد لنا انه لا طريق للتقدم الحقيقى إلا بضاعة وطنية حديثة قادرة على غزو أسواق العالم، وقادرة على أن تجعل «صنع فى مصر»، دليلا على التفوق والامتياز.