«فيزيتا» العيادات.. المرض فاتورته غالية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لم تعد تقتصر معاناة المرض على مجرد وجع وألم، إنما أصبحت أزمة وعبء مادي، قد لا يستطيع البعض تحمله، وتنقسم فاتورة المرض إلى عدة أبواب، وكل مريض حسب مقدرته وإلى أي باب منها يستطيع الوصول والعبور، ففيزيتا بعض الأطباء أصبحت تتخطى الآلاف، وأسعار الدواء بات بعضها فقط في متناول الأغنياء، أما التحاليل والأشعة فباتت أسعارها وكأنها مصابة بنزيف مستمر، هذا بالإضافة إلى تخصصات ومجالات "التأهيل" التي ظهرت مؤخرا؛ خاصة بعد زيادة أعداد الأطفال المصابين بأنواع مختلفة من الإعاقات، ما بين جلسات تخاطب وتنمية مهارات وعلاج طبيعي وتعديل سلوك وغيرها، وهذه كثيرًا ما يتنازل عنها الأهل لعدم استطاعتهم توفير نفقاتها التي لاعلاقة لها بأحوال الناس.
  
الفيزيتا.. من لا يملك لا يكشف

الكشف هو أولى مراحل رحلة البحث عن مسكن للآلام، إلا أن المبالغة في أسعار كشف الكثير من الأطباء جعل الكثير يتخذ وقتا طويلا لاتخاذ هذه الخطوة، ما قد يسبب مضاعفات للمريض، وأصبح من يملك له الحق في إيجاد مسكن لآلامه، ومن لا يملك لا يستحق الحياة، وبعد أن كانت أسمى وأرقى المهن، أصبحت هي الأخرى كغيرها من المهن التي تعتمد على العرض والطلب.

"بوابة أخبار اليوم"، رصدت معاناة الناس مع فيزيتا الأطباء خلال جولة على العيادات، ففي المناطق الشعبية التي كانت أسعار الكشف بها ما بين خمسة وعشرة جنيهات، لتناسب مستوى القاطنين بها، لم تعد تقل فيزيتا أقل طبيب عن 80 جنيهًا، وهذا في أقل المستويات.

في حين أن بعض التخصصات التي اشتهر بها بعض الأطباء خاصة مثل القلب والمخ والأعصاب والكبد والأورام، فتبدأ أسعار الكشف لديهم من 300 فيما أكثر، حسب شهرة الطبيب وموقع العيادة، والبعض يتجاوز كشفه الألف، ولم يقتصر الأمر على الفيزيتا وحدها إنما هناك استشارة بسعر مختلف، إضافة إلى أسعار المستلزمات المصاحبة للكثير من التخصصات مثل الأسنان أو العظام.


وفي مجال الكبد، تصل الفيزيتا لأحد الأطباء المشهورين 2000 جنيه، والاستشارة بـ500 جنيه، وآخر كان كشفه 850 جنيهًا والاستشارة 300 جنيه، والكشف يكون مع المساعدين غالبًا، والطبيب يكشف في حالات معينة فقط، وقائمة الانتظار تتجاوز الأسبوعين حتى يتمكن المريض من حجز موعد.

في تخصص الجلدية والتناسلية، كان كشف دكتور شهير بالجيزة 600 جنيه، والاستشارة بـ200 جنيه، والمستعجل يصل لـ800، وطبيب آخر في المهندسين بلغ سعر الكشف لديه 500 جنيه، وآخر في مصر الجديدة كان كشفه 400 جنيه ولغير المصريين 500 والاستشارة بـ100.

وكان أطباء المخ والأعصاب والأورام من أعلى الفئات سعرا، فهناك طبيب مشهور في المخ والأعصاب بلغ قيمة الكشف لديه 1200 جنيه، والدفع مقدما عند الحجز، والانتظار 40 يومًا للكشف، وآخر في مصر الجديدة كان كشفه 800 جنيه.


وكان سعر الكشف لدى طبيب أورام بمصر الجديدة 1000 جنيه، وآخر أستاذ بطب عين شمس كان كشفه 600 جنيه، في حين أن هناك بعضهم تتراوح أسعار الفيزيتا لديهم من 200 إلى 400 جنيه حسب المكان. 

وفي مجال العظام والأسنان، كانت أسعار الأدوات والمستلزمات المستخدمة تضاعف من مشكلة ارتفاع سعر الفيزيتا، فإذا كانت الفيزيتا بـ400 جنيه مثلا في المتوسط، فإن المريض يصرف أضعاف هذا المبلغ، سواء في الأسنان من حشوات وخلع وتركيب، وعمل طربوش أو تقويم وغيرها، وفي العظام فهناك جبيرة أو ما يشبهها من معاصم وأربطة، وفي حال العمليات يكون هناك شرائح ومسامير وغيرها.


وتقول سمر أحمد، إنه عندما أصيب والدها بجلطة توفي على إثرها بعد 6 أشهر، صرفوا خلال هذه الفترة ما يقرب من الـ40 ألف جنيه كشف وفحوصات وعلاج فقط، متابعة: "أقل طبيب مخ وأعصاب ذهبنا له كان كشفه 400 جنيه، والاستشارة كانت بـ150، وأقل روشتة كانت تتخطى الـ2000 جنيه، وكانت تتغير مع كل استشارة أو متابعة حسب الحالة، وكان هناك طبيب مشهور بهذا المجال، ولكن كان كشفه بـ1500، كان علينا الإنتظار ما يقرب من شهر ونصف لنتمكن من الكشف لديه، ودفع كامل سعر الكشف شرط للحجز.

بينما يقول محمد محمود، إن زوجته أصيبت بورم منذ عامين تقريبا، ومن وقتها وأصبحت أغلب ميزانية دخله مخصصه لهذا، قائلا: "ذهبنا لأكثر من طبيب للتأكد من الموضوع فى البداية، كان كشف أحدهم 800 جنيه، وآخر 500 جنيه، هذا بالطبع بخلاف سعر الاستشارة الأولى والثانية، والثالثة تكون كشف جديد".


وأضافت رشا محمد، أنها عانت الكثير مع أطباء الأسنان، مؤكدة: "اللي بيبدأ المشوار دا مبيعرفش يوقفه"، موضحه أنها صرفت الكثير من أجل إصلاح مشاكل أسنانها، ومع كل مرة يفتح لها الطبيب مشكلة جديدة بحاجة لتدخل منه، "وكله بحسابه"، وصرفت "كشوفات" فقط خلال هذه الرحلة حوالي 3000 جنيه، بخلاف المستلزمات المستخدمة في الحشو وحشو العصب وتركيب طربوش، ويتم كسره، وتضطر لعمل واحد آخر.

وفي هذا السياق، يقول دكتور أحمد كامل أستاذ مساعد جراحة المخ والأعصاب بطب القصر العيني، أن أسعار كشف الأطباء هي أقل مشكلة قد تواجه المريض، لأنه متاح الكثير من الأطباء في نفس المجال، ولا يوجد طبيب هو وحده من بإمكانه تحقيق المعجزة، فالعلم لدى الجميع واحد.

وتابع: "هذا بالإضافة إلى أن هناك الكثير من المستشفيات العامة والجامعية التي تضم فريقا هائلاً من الأطباء في شتى المجالات، تقدم الخدمة بأسعار رمزية وبها أساتذة كبار".


ونوه أن المشكلة الحقيقية أن الطب الحقيقي مكلف جدا، والحل هو التأمين الصحي الشامل الذي لجأت له الدولة، لافتا إلى أن الغالبية العظمى من الأطباء ثمن الكشف الخاص بهم في المتوسط، وأقل من 10% فقط منهم هم من كشفهم مرتفع، قائلا: "هؤلاء مشاهير المهنة، وفي كل مجال مشاهيره الذين تكون أسعارهم مختلفة عن البقية، فهؤلاء لديهم الكثير من المرضى ووقتهم محدود، وهذا ثمن خبراتهم وسنوات عمرهم التي أفنوها في هذا المجال، وهذا غالبا لا يكون سوى لدى الأطباء الكبار الذين تجاوزا الستين".  

واختتم: "العلم متوفر والجيل الوسط لديهم قدرات قوية جدا طبية وجراحية، ولكن هناك من يبحث عن الاسم الأكثر شهرة وهذا له ثمن"، موضحًا أن الطبيب طالما يسدد ضرائبه فلا هناك ما يمنعه من وضع السعر الذي يراه مناسبا له ولخبراته.

اقرأ أيضا: فيزيتا العيادات| الأشعة والتحاليل.. نزيف مستمر