يحدث فى مصر الآن

جمال الغيطانى

يوسف القعيد
يوسف القعيد

مرت يوم الإثنين الماضى 18 أكتوبر 2021 الذكرى الخامسة لرحيل صديق العمر وتوأم الروح ورفيق الدرب جمال الغيطانى. وكان ميلاده 9/5/1945، ورغم مرور 6 سنوات على الرحيل المفجع والذى لم أتصوره، ما زلت أشعر أنه موجود بحياتى. له حضور كثيف بمجرد الغرق فى وحدتى.


وحتى مع وجود الناس حولى أشعر به. وعندما أُقلِّب بمكتبتى أتوقف أمام ركن خاص يخصه وحده. فيه مؤلفاته الإبداعية ابتداء من رائعة عمره: الزينى بركات. وكل ما كتبه يعتبر روائع. سواء كان قصصاً قصيرة أولها: أوراق شاب عاش منذ ألف عام. التى صدرت بمشروع مشترك للنشر بيننا. بدأنا بمجموعته ثم ثنَّينا بروايتى: الحِداد. وكان ثالث الأعمال وآخرها رواية: الشفق. لسمير ندا. ثم توقفنا.


كان صدور أوراق شاب عاش منذ ألف عام علامة بارزة يؤرخ بها للمحاولة الجريئة والفنية التى قام بها جمال للخروج من أسر يوسف إدريس. ومن مقولة إنه وحده صاحب أسلوب خاص فى القص. ويوسف إدريس ظل مدرسة متكاملة الأركان فى كتابة القصة القصيرة، إلى أن صدرت مجموعة جمال وجعلت هذه الريادة ربما فى خبر كان.


هذا على الرغم من أن يوسف إدريس كان حياً ويكتب ويملأ الدنيا صخباً سواء بإبداعه المتفرد أو مشاغباته اليومية أو معاركه التى تعودنا عليها وتعايشنا معها. لكن كل هذا الصخب تراجع بصدور أوراق شاب عاش منذ ألف عام.


أما رائعة عمره الزينى بركات، وبطلها الزينى بركات ابن موسى. والتى تعود إلى تاريخ مصر المملوكى حيث عثر على هذه الشخصية فى ثنايا موسوعة محمد ابن أحمد ابن إياس الحنفى المصرى: بدائع الزهور فى وقائع الدهور.


ويوم يؤرخ للرواية المصرية والعربية فى القرن العشرين سيكون لهذه الرواية مكانة متفردة.

وقد كان لها تميزها وضُرِبت بها الأمثال وتُرجِمت إلى الكثير جداً من لغات العالم. بل حاول كثيرون من الأدباء المعاصرين المصريين والعرب أن يسيروا على نهجه وأن يقلدوا طريقته.

ولكن التقليد مهما كان متقناً ومصنوعاً بحرفيَّة لا يرقى إلى الأصل.


من يؤرخون من النُقَّاد والباحثين والدارسين للرواية التاريخية فى أدبنا العربى يتوقفون طويلاً أمام هذا النموذج الفريد فى كتابة النص التاريخى. على الرغم من أنه سبقه آخرون فى كتابة الرواية التاريخية.

ولعل أشهرهم جورجى زيدان، صاحب روايات: تاريخ الإسلام. والذى كتب موسوعة أرَّخ فيها لتاريخ مصر الإسلامى.

ولكن شتَّان ما بين موهبة جمال وجهده وعرقه وإخلاصه لما يُبدعه وبين الجهد الهائل من حيث الكم الذى تركه جورجى زيدان.

لم يكن صديق العمر فقط.

بل كان أخى وشقيقى.

وكان لجمال شقيقان وشقيقة: اللواء إسماعيل، ونوال، والمرحوم على. ومعنا الآن شريكة عمره الصحفية المرموقة ماجدة الجندى وابنه الدبلوماسى محمد، وابنته ماجدة، الأستاذة الجامعية بأمريكا. كنت وما زلت وسأظل واحداً منهم.


كانت مشكلتى ولكونى مجنداً فى القوات المسلحة أؤدى الخدمة العسكرية التى طالت لم يكن لدىَّ مكتبة. وقد اعتبر جمال بكرمه أن مكتبته تعتبر مكتبتى. كنت أذهب إلى بيته فى درب الطبلاوى بالجمالية بعد سيدنا الحسين مباشرة وأعود مُحملاً بما أحتاج قراءته من الأعمال الأدبية الجديدة.