فن لكن لمن!

نسرين موافي
نسرين موافي

لمصر طعم و مذاق مختلف ، لا شرقياً و لا غربياً نستطيع ان نصفه بالتفرد ، بعيدا عن كوننا نتشرف بالانتماء لها فهذه كلمات غير ابنائها ، هي كنيلها لا تشبع منه أبدا ، تأسرك لتعود كل مرة اكثر عشقًا و لهفة .

هي أرض التناقضات بلا شك ، اجتمع فيها كل شيء و نقيضه في تناغم عجيب تارة و عشوائية غريبة و مؤذية تارة أخرى، اليوم فيها بأسبوع مما يعدون في غيرها ، ملئ بالاحداث ، متسارع ، متلاطم كأمواج البحر العاتية .
و في أسبوع و احد ترى صراع ثقافات دخيلة علي ارضها ما بين محاولة متطرف لتحطيم أحد تماثيل ميدانها الأشهر  و كأننا في غابة وكأن من اقدم على هذا قد تخيل أنه سينجو بفعلته ، و كأن الشارع المصري خال من الأمن . 
و مهرجان "سينمائي" يفترض به ثقافي يتحول لمهرجان للأزياء ، يتنافس فيه ( المبدعون ) في خطف الأضواء بأزياء شاذة بعيدة عن الذوق و الأناقه بعد السماء عن الأرض ، و كأن هناك من أشار عليهم بأن كلما كان الزي شاذا كلما انهالت عليهم الأدوار و الجوائز ، أزياء لم يراعوا حتى فيها قيمتهم عند جمهورهم الذي أصبح في ذيل اهتمامات هذه الصناعة و كأنهم دواء مر سيتجرعه الجمهور رغم انفه . 


حلقة مفرغة تدور فيها مصر بلا توقف منذ فترة ، و كأن أهلها سئموا من تفردهم و طابعهم الخاص فصاروا يبحثون عن طباع شرقاً و غرباً ليضيع أهلها بين رحى الشرق و الغرب . 


فاستوردوا كل ما لا يلائم أهلها و ابدعوا في تشويهه ، أفكار لا تمت لطبيعتنا بصلة سواء تخريبية أو مبتذلة يتم فرضها على المجتمع ليشقه بين التشدد المفرط و التحرر المبتذل .


عُرفت مصر بعشقها للفن و يشهد التاريخ غير القابل للتزييف على جدرانها بهذا ، احتفالات و زينة ، أزياء و رقص ، كتابات و حكم و حتى قصص ، اخترعوا الآلات الموسيقية و ابدعوا  الحانها على مر السنين ، نحت و رسم بألوان عاشت آلاف السنين، فحتى الطقوس الدينية لم تخلُ من المظاهر الفنية.


ريادة سينمائية طويلة بمبدعين حقيقين ، كان بالنسبة لهم الفن رسالة أكثر من مهنة ، و كان رجال  هذه الصناعة العظيمة يحسبون ألف حساب لجمهورهم فلا يقدمون الا ما يرقى بهم و لهم ، كانوا يعتزون بطابع بلادهم فلا يقدمون الا ما يتلائم معه ، غاصوا في مشاكله فقدموا أعمالا تناقش و تطرح حلول و مطالبات لا تسئ و لا تظهر الا ما يخدم القضية فكانت الأعمال تغير قوانين  تستحدث أخرى .فكانت النتيجة مجتمعًا يرتقي و يحل مشاكله ، و أعمالًا تتمنى أن تعيش زمانها من جمال الصورة و الكلمة و و رقي المشاعر.


إلا انه منذ أن أصبح الفن سلاحًا علينا لا لنا ، انحدر الذوق العام و انقسم المجتمع نصفين ، بل و فرض عليه التدني و الانحدار و أصبحت القدوة هي الشخصية الدنيئة ، البلطجية ، المفرطة في القوة و اصبح المعيار هو المادة فقط.


و تغير مفهوم ابن البلد الجدع ، عنوان للشهامة للبلطجي المجرم الذي يهابه الجميع فعو يمتلك السطوة و القوة و المال فلماذا لا يكون أمل كل شباب طبقات الأحياء الشعبية ، هذه الأحياء التي تغيرت هي نفسها من موطن الطيبة و الأصالة لأماكن خطرة بل و شديدة الخطورة ينتشر بها التطرف و التشدد.

 
واصبحت الجريمة، الخيانة، المؤامرات ، الابتذال ، التحرر الزائف  و أكل حقوق الضعاف عنوان لنصف المجتمع الآخر ، أصحاب المناصب و النفوذ والثروات، ومجتمعات رفضت انتمائها المصري فانتهجت فكرا و سلوكًا بل و لغات أجنبية، فتغير مفهوم أولاد الأصول و أبناء الأكابر من أصحاب القيم في هذه الطبقة إلى ذوي الثروات و الممتلكات.


تغيرات لها أسباب كثيرة لكن ابرزها الفن ، القوة الناعمة التي تتسلل للوجدان فتشكله و بدلا من أن ترسي فيه الشخصية الأصيلة افقدته هويته بين فكر متشدد و آخر متحرر لا ينتمي لهذه الأرض الأصيلة الطيبة التي سطع نور فنونها دوماً علي العالم لينير طريقه .


الفن رسالة نور للعقول ، تتسرب بهدوء ، تملئ الروح و تشكل الوجدان فاحسنوا ما تنتجوه فسيحاسبكم الله ثم التاريخ على ما تفسدونه في الأرض .