حجاج أدّول يكتب : حكاية صاحب شفرة نصر أكتوبر

الرئيس خلال تكريمه لأحمد إدريس صاحب الشفرة
الرئيس خلال تكريمه لأحمد إدريس صاحب الشفرة

حجاج‭ ‬أدّول

هكذا،‭ ‬فما‭ ‬إدريس‭ ‬إلا‭ ‬إبن‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬إيزيس‭. ‬إيزيس‭ ‬الأم‭ ‬المصرية‭ ‬الحاوية‭ ‬التى‭ ‬جمعت‭ ‬الأنحاء‭ ‬فى‭ ‬بوتقة‭ ‬صلبة‭ ‬واحدة‭ ‬اسمها‭ ‬مصر‭. ‬حين‭ ‬أتكلم‭ ‬عن‭ ‬المواطن‭ ‬المصرى ‬النوبى‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس،‭ ‬الذى‭ ‬فكر‭ ‬ونفذ‭ ‬استخدام‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬كشفرة‭ ‬عسكرية،فأنا‭ ‬أتكلم‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مصر‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬‭  ‬فحديثى‭ ‬يتفاعل‭ ‬ويتماهى‭ ‬مع‭ ‬قصيدة‭ ‬شاعر‭ ‬النيل‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭. ‬

فأحمد‭ ‬إدريس‭ ‬ابن‭ ‬النيل،‭ ‬ابن‭ ‬وطن‭ ‬مصرى‭ ‬بزغ‭ ‬قبل‭ ‬تسطير‭ ‬التاريخ‭. ‬أمنا‭ ‬وقت‭ ‬الطمأنينة،‭ ‬فبها‭ ‬ولها‭ ‬نكون‭ ‬نحن‭ ‬معشر‭ ‬المحبة‭ ‬والسلام‭. ‬أما‭ ‬وقت‭ ‬الخطر،‭ ‬حين‭ ‬نسمع‭ ‬صيحة‭ ‬إيزيس‭ ‬آمرة‭ ‬‮«‬فَأَنجِزوا‭ ‬اليَومَ‭ ‬وَعدى‮»‬‭ ‬،نفعل‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بما‭ ‬يذهل‭ ‬الباغى،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬يذهلنا‭ ‬نحن،‭ ‬فكم‭ ‬نحن‭ ‬أقوياء‭ ‬حين‭ ‬نشد‭ ‬العزم‭ ‬وننشد‭ ‬القمم‭.‬كم‭ ‬نحن‭ ‬أقوياء‭ ‬بملايين‭ ‬من‭ ‬إدريس‭. ‬إدريس‭ ‬المستيقظ‭ ‬بشتى‭ ‬الأسماء‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأنحاء‭ ‬التى‭ ‬جمعتها‭ ‬إيزيس،‭ ‬لتكون‭ ‬مصر‭ ‬الخالدة‭. ‬

 

وُلِد‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬عام‭ ‬1935‭ ‬فى‭ ‬قرية‭ ‬‮«‬توماس‭ ‬وعافية‮»‬‭ ‬النوبية‭. ‬وفى‭ ‬أزهر‭ ‬القاهرة‭ ‬تعلم‭ ‬لسنوات،‭ ‬وفى‭ ‬جيشنا‭ ‬تطوع‭ ‬لسنوات‭ ‬طالت‭ ‬فَطاف‭ ‬بكل‭ ‬أنحاء‭ ‬مصر،وشارك‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حرب،‭ ‬حروب‭ ‬أعطته‭ ‬الفرصة‭ ‬ليعطى‭ ‬وطنه‭ ‬ما‭ ‬أفرحها‭ ‬وطمأنها،‭ ‬أبناء‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يتخلوا‭ ‬عنها‭.

‬فى‭ ‬سلاح‭ ‬الحدود‭ ‬سهر‭ ‬إدريس‭ ‬منتبها،وحين‭ ‬تألمت‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬وظن‭ ‬الباغى‭ ‬انه‭ ‬بانتصاره‭ ‬فى‭ ‬معركة،‭ ‬فمصر‭ ‬قد‭ ‬ماتت،‭ ‬دوّت‭ ‬فى‭ ‬أذن‭ ‬الشعب‭ ‬صيحة‭ ‬أطلقها‭ ‬القائد‭ ‬حين‭ ‬الشدة‭ ‬السابقة‭.. ‬‮«‬سنحارب‮»‬‭ ‬صح‭ ‬كلنا‭ ‬سنحارب‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الألم‭ ‬لا‭ ‬يطاق‭ ‬والصدمة‭ ‬كانت‭ ‬علينا‭ ‬بشعة،‭ ‬فمصر‭ ‬السباقة‭ ‬فى‭ ‬الوجود‭ ‬لن‭ ‬تموت،‭ ‬لن‭ ‬تُخفض‭ ‬أعلامها‭ ‬ولن‭ ‬تُنكس‭ ‬أعناقها‭. ‬وتقدم‭ ‬ناصر‭ ‬والسادات‭ ‬وقيادات‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بتنويعاتهم،‭ ‬وخططوا‭ ‬ليوم‭ ‬رد‭ ‬الاعتبار‭.‬

تهيئة‭ ‬الجيش‭ ‬ليعود‭ ‬للقتال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سهلة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تحتاج‭ ‬مجهودات‭ ‬عظيمة،‭ ‬كانت‭ ‬مهمة‭ ‬تتطلب‭ ‬العلم‭ ‬والعمل‭. ‬كانت‭ ‬تتطلب‭ ‬الإبداع‭ ‬الحربى‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬فأبهر‭ ‬وأضاف‭ ‬للعلوم‭ ‬العسكرية،‭ ‬وهذا‭ ‬موضوع‭ ‬يحتاج‭ ‬لكتب‭ ‬لا‭ ‬كتاب‭ ‬واحد‭. ‬تدربنا‭ ‬تدريبا‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬القتال‭ ‬نفسه‭. ‬كنت‭ ‬مجندا‭ ‬وقتها،‭ ‬وفى‭ ‬كد‭ ‬التدريبات‭ ‬والمناورات‭ ‬المنهكة،‭ ‬تشربنا‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬العرق‭ ‬فى‭ ‬التدريب‭ ‬يوفر‭ ‬الدم‭ ‬فى‭ ‬المعارك‮»‬‭ ‬وبالفعل‭ ‬حين‭ ‬دخلنا‭ ‬معارك‭ ‬الاستنزاف‭ ‬والعبور،‭ ‬كان‭ ‬تدريبنا‭ ‬القاسى‭ ‬عونا‭ ‬كبيرا‭ ‬لنا،‭ ‬فكنا‭ ‬وقت‭ ‬الخطر‭ ‬نتصرف‭ ‬ببندين‭ ‬معا،‭ ‬الفطرة‭ ‬وما‭ ‬تدربنا‭ ‬عليه‭ ‬كثيرا،‭ ‬وكان‭ ‬الله‭ ‬معنا‭ ‬بعدما‭ ‬اتخذنا‭ ‬الأسباب‭ ‬سُبلا‭.‬

هناك‭ ‬أمر‭ ‬خطير‭ ‬يعرقل‭ ‬معاركنا‭ ‬القادمة،‭ ‬كلما‭ ‬استخدمت‭ ‬قواتنا‭ ‬المسلحة‭ ‬شفرة‭ ‬ما،‭ ‬استطاع‭ ‬العدو‭ ‬فكها،‭ ‬وفك‭ ‬شفرتنا‭ ‬معناه‭ ‬أن‭ ‬العدو‭ ‬يقرأ‭ ‬خططنا‭ ‬فيستعد‭ ‬لها‭. ‬استحالة‭ ‬أن‭ ‬ننتصر‭ ‬والعدو‭ ‬يعلم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬نفكر‭ ‬فيه‭. ‬اهتمت‭ ‬قواتنا‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬اهتماما‭ ‬عميقا،‭ ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬للرئيس‭ ‬السادات،‭ ‬فكان‭ ‬اهتمامه‭ ‬البالغ‭. ‬اجتمع‭ ‬بالقادة‭ ‬الكبار‭ ‬وحفز‭ ‬الجميع‭ ‬ليفكروا‭ ‬فى‭ ‬تخطى‭ ‬تلك‭ ‬العقبة‭ ‬الكأداء‭.‬

فى‭ ‬سيارة‭ ‬جمعت‭ ‬قائد‭ ‬اللواء‭ ‬ورئيس‭ ‬الأركان،‭ ‬كان‭ ‬الرقيب‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬معهما‭! ‬نعم‭. ‬قيادات‭ ‬كبيرة‭ ‬ترافق‭ ‬وتسمع‭ ‬الجنود‭ ‬البسطاء‭. ‬أعرف‭ ‬ذلك‭ ‬تمام‭ ‬المعرفة،‭ ‬فقد‭ ‬جربته‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬السبعة‭. ‬فى‭ ‬السيارة‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬يستمع‭ ‬للحوار‭ ‬الدائر‭ ‬المحير،فابتسم‭ ‬ثم‭ ‬ضحك،‭ ‬فالتفتا‭ ‬إليه‭ ‬مستطلعين‭.. ‬ما‭ ‬الأمريا‭ ‬إدريس؟‭ ‬فقال‭ ‬الرقيب‭ ‬إدريس‭..‬

‭-‬الأمر‭ ‬سهل‭ ‬فلماذا‭ ‬تعقدونه؟

‭-‬سهل‭!‬

‭-‬نعم‭ ‬سهل‭. ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬هى‭ ‬الحل‭!‬

بعد‭ ‬التعجب‭ ‬والاندهاش،‭ ‬قالا‭ ‬فعلا،‭ ‬ربما‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬هى‭ ‬الحل،‭ ‬فهى‭ ‬لغة‭ ‬لا‭ ‬يتقنها‭ ‬إلا‭ ‬أبناء‭ ‬النوبة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬قد‭ ‬اكتشفت‭ ‬حروفها‭ ‬بعد‭. ‬أوصلوا‭ ‬الفكرة‭ ‬للقيادات‭ ‬العليا‭. ‬فكان‭ ‬التشاور‭ ‬للتأكد‭. ‬الرقيب‭ ‬إدريس‭ ‬يتم‭ ‬استدعاؤه‭ ‬ليقابل‭ ‬الرتب‭ ‬العليا‭. ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬وضعوا‭ ‬‮«‬الكلبشات‮»‬‭ ‬الحديدية‭ ‬فى‭ ‬يديه‭ ‬واقتاضوه‭ ‬مقبوضا‭ ‬عليه‭! ‬هو‭ ‬فى‭ ‬دهشة‭ ‬وعدم‭ ‬تصديق‭.. ‬يقول‭ ‬لمن‭ ‬حوله‭ ‬ولنفسه‭.. ‬ماذا‭ ‬فعلت؟‭ ‬ماذا‭ ‬جنيت؟‭ ‬لقد‭ ‬قلت‭ ‬فكرة‭ ‬تفيد‭ ‬جيشى‭ ‬إفادة‭ ‬كبيرة؟‭ ‬فلماذا‭ ‬يتم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬واقتيادى‭ ‬هكذا،وكأننى‭ ‬خنت‭ ‬جيشي‭ ‬وخنت‭ ‬وطني؟‭! ‬ومن‭ ‬سيارة‭ ‬لسيارة‭ ‬ومن‭ ‬قائد‭ ‬لقائد‭ ‬حتى‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬القائد‭ ‬الأعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬أمام‭ ‬الرئيس‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬ذات‭ ‬نفسه‭! ‬ياللهول‭. ‬إذن‭ ‬ما‭ ‬جنيته‭ ‬مصيبة‭ ‬وأى‭ ‬مصيبة‭. ‬لكن‭ ‬ابتسامة‭ ‬رئيسه‭ ‬وقائده‭ ‬بثت‭ ‬فيه‭ ‬الاطمئنان‭. ‬قال‭ ‬له‭ ‬الرئيس‭ ‬بعد‭ ‬أجلسه‭ ‬أمامه‭:‬

‭-‬اشرح‭ ‬لى‭ ‬فكرتك‭.‬

فشرح‭ ‬له‭ ‬إدريس‭:‬

‭-‬جنود‭ ‬نوبيون‭ ‬يتسللون‭ ‬عبر‭ ‬القناة‭ ‬ويتمركزون‭ ‬فى‭ ‬سيناء،‭ ‬التمركز‭ ‬بين‭ ‬المواقع‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وعلى‭ ‬مشارف‭ ‬الطرق‭ ‬الرئيسة‭. ‬وجنود‭ ‬نوبيون‭ ‬هنا‭. ‬الذين‭ ‬هناك‭ ‬يراقبون‭ ‬العدو‭ ‬ويرصدون‭ ‬كافة‭ ‬تحركاته،‭ ‬ويرسلون‭ ‬المعلومات‭ ‬باللغة‭ ‬النوبية‭ ‬إلى‭ ‬النوبيين‭ ‬الذين‭ ‬هنا،‭ ‬والذين‭ ‬هنا‭ ‬يترجمون‭ ‬للعربية‭. ‬ولن‭ ‬يستطع‭ ‬العدو‭ ‬حل‭ ‬شفرتنا‭ ‬النوبية‭.‬

ثوان‭ ‬والسادات‭ ‬مبهور‭ ‬بما‭ ‬سمع،‭ ‬ثم‭ ‬أخذ‭ ‬فى‭ ‬الضحك‭ ‬الذى‭ ‬ارتفع‭ ‬لحد‭ ‬القهقهة‭ ‬حتى‭ ‬كاد‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬من‭ ‬مقعده‭. ‬بعدها‭ ‬أشعل‭ ‬البايب‭ ‬ونظر‭ ‬للرقيب‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬وقال‭.. ‬سننفذ‭ ‬فكرتك‭. ‬وفكرتك‭ ‬هذه‭ ‬غاية‭ ‬فى‭ ‬السرية،‭ ‬فلا‭ ‬تتكلم‭ ‬عنها‭ ‬لا‭ ‬فى‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬ولا‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬المدنية،‭ ‬بل‭ ‬عائلتك‭ ‬لن‭ ‬تسمع‭ ‬منك‭ ‬كلمة‭. ‬واحرص‭ ‬أن‭ ‬تلمح‭ ‬لزوجتك‭ ‬ولو‭ ‬تلميحا‭ ‬بسيطا‭. ‬وللعلم‭.. ‬من‭ ‬يفشى‭ ‬سرا‭ ‬حربيا‭ ‬مآله‭ ‬الإعدام‭.‬

عاد‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭.‬وفى‭ ‬وحدته‭ ‬العسكرية‭ ‬سأل‭ ‬إدريس‭ ‬ضابطه‭ ‬الكبير‭ ‬مندهشا‭.. ‬ولماذا‭ ‬وضعتم‭ ‬فى‭ ‬يدى«الكلبشات‮»‬‭ ‬وكأننى‭ ‬مجرم‭ ‬خطير؟‭! ‬فقال‭ ‬له‭.. ‬هذا‭ ‬حتى‭ ‬نبعد‭ ‬أى‭ ‬شبهة‭ ‬عن‭ ‬أمرنا‭ ‬السرى‭. ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬الابتسام‭ ‬والتوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭.‬

بدأ‭ ‬العمل،‭ ‬السر‭ ‬يعرفه‭ ‬فى‭ ‬البدايات‭ ‬خمسة‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬فقط‭. ‬وتم‭ ‬إعداد‭ ‬مائتان‭ ‬وخمسة‭ ‬وأربعين‭ ‬جنديا‭ ‬نوبيا،منهم‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬ليقوموا‭ ‬بالتنفيذ‭. ‬الجنود‭ ‬النوبيون‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬لماذا‭ ‬هم‭ ‬يتدربون‭ ‬على‭ ‬جهاز‭ ‬الإشارة،‭ ‬وما‭ ‬هى‭ ‬مهمتهم؟‭ ‬الذى‭ ‬يعرف‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬اسمه‭ ‬الرقيب‭ ‬احمد‭ ‬إدريس‭. ‬انضم‭ ‬إليهم‭ ‬جنود‭ ‬من‭ ‬الصعيد‭ ‬الأعلى،‭ ‬أسوان‭ ‬وقنا‭ ‬وسوهاج،‭ ‬ومن‭ ‬قبائل‭ ‬العبابدة‭ ‬والبشارية‭.  ‬لماذا؟‭ ‬لأنهم‭ ‬الأقدر‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المشاق‭ ‬من‭ ‬قيظ‭ ‬صيف‭ ‬وبرودة‭ ‬الصحراء‭ ‬ليلا،‭ ‬فما‭ ‬هم‭ ‬مقدمون‭ ‬عليهم‭ ‬ثقيل‭ ‬مخيف‭ ‬على‭ ‬الهمم،‭ ‬سيبقون‭ ‬بين‭ ‬قوات‭ ‬العدو‭ ‬وفى‭ ‬أماكن‭ ‬صعبة‭ ‬وتحت‭ ‬أخطار‭ ‬رهيبة‭. ‬إنهامن‭ ‬التمهيدات‭ ‬الخطيرة‭ ‬الواجبة،‭ ‬قبل‭ ‬بدء‭ ‬معارك‭ ‬الاستنزاف‭ ‬الباسلة،‭ ‬وستكون‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬بنود‭ ‬نجاحها‭ ‬ونجاح‭ ‬العبور‭ ‬العظيم‭.‬

بوتقة‭ ‬إيزيس‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬مدمجة‭ ‬بحنو‭ ‬ومحبة،‭ ‬أدمجت‭ ‬وثبّتت‭ ‬حدوداً‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬سلم‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭. ‬وما‭ ‬النوبة‭ ‬إلى‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬تلك‭ ‬البوتقة‭. ‬يأتى‭ ‬النيل‭ ‬فيمر‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬على‭ ‬بلاد‭ ‬النوبة،‭ ‬يمر‭ ‬سلساً‭ ‬وافياً‭ ‬هادئا‭ ‬ينشر‭ ‬السلام‭ ‬فتشبع‭ ‬به‭ ‬النوبيون،‭ ‬فأطلق‭ ‬عليهم‭ ‬عبارة‭ ‬أهل‭ ‬السلام‭ ‬والنيل،‭ ‬وقالوا‭ ‬قديماً‭ ‬عن‭ ‬النوبة‭ ‬انها‭ ‬بلاد‭ ‬الذهب،‭ ‬واشتهر‭ ‬ناسهابالبساطة‭ ‬والإخلاص‭ ‬والسلاسة‭ ‬فى‭ ‬المعاملة‭.‬

جيل‭ ‬والدى‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬هاجروا‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬خزان‭ ‬أسوان‭ ‬عام‭ ‬1902،‭ ‬انتشروا‭ ‬فى‭ ‬ضفة‭ ‬نيل‭ ‬أسوان‭ ‬وفى‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬خاصة‭ ‬القاهرة‭ ‬والإسكندرية‭. ‬والد‭ ‬إدريس‭ ‬استقر‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬فجمع‭ ‬إدريس‭ ‬بين‭ ‬أقصى‭ ‬جنوب‭ ‬مصر‭ ‬مع‭ ‬اقصى‭ ‬شمالها‭. ‬صار‭ ‬نوبياً‭/‬سكندرياً،‭ ‬وتلك‭ ‬ثنائية‭ ‬معطاءة‭ ‬وليست‭ ‬ازدواجية‭ ‬تخفض‭. ‬قلنا‭ ‬أن‭ ‬قرية‭ ‬إدريس‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬توماس‭ ‬وعافية‮»‬‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬تمركزوا‭ ‬فى‭ ‬‮«‬عزبة‭ ‬توماس‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬حى‭ ‬فى‭ ‬منتصف‭ ‬الإسكندرية‭. ‬وهناك‭ ‬ولدت‭ ‬أنا‭ ‬وتعلمت‭ ‬فيها‭ ‬أول‭ ‬دروس‭ ‬أمنا‭ ‬إيزيس‭. ‬الكل‭ ‬فى‭ ‬واحد‭. ‬فى‭ ‬العزبة‭ ‬مسلمون‭ ‬ومسيحيون،‭ ‬نوبيون‭ ‬وصعايدة‭ ‬وأبناء‭ ‬الدلتا‭ ‬والبدو‭. ‬كلناانصهرنا‭ ‬فى‭ ‬البوتقة‭ ‬الإيزيسية‭. ‬الدرس‭ ‬الثانى‭ ‬تعلمته‭ ‬خلال‭ ‬اشتراكى‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬العالى‭. ‬عمل‭ ‬عملاق‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬عظمة‭ ‬البنيان،‭ ‬وبين‭ ‬عظمة‭ ‬تحدى‭ ‬الصلف‭ ‬الخارجى‭. ‬العمال‭ ‬تجمعوا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬المحروسة،‭ ‬واللافتة‭ ‬التى‭ ‬فوقنا،‭ ‬عالية‭ ‬عريضة‭ ‬تحوى‭ ‬عدادا‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬باقى‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬كذا‭ ‬يوم‮»‬‭ ‬ومع‭ ‬انقضاء‭ ‬اليوم‭ ‬يحذف‭ ‬العداد‭ ‬يوما‭. ‬فالتحدى‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬محدد‭ ‬لا‭ ‬يتأخر‭ ‬ساعة‭. ‬وعملنا‭ ‬معا‭ ‬بتنويعات‭ ‬الأماكن‭ ‬وتنويعات‭ ‬الخبرات‭. ‬فجأة‭ ‬حدث‭ ‬أمر‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬أرعبنا،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يتدارك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعطل‭ ‬الجدول‭ ‬المقرر‭. ‬سهرنا‭ ‬كلنا‭ ‬لمنتصف‭ ‬الليل‭ ‬فى‭ ‬رعب،‭ ‬من‭ ‬يعملون‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬فى‭ ‬ساعات‭ ‬راحتهم‭. ‬لم‭ ‬ينم‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬التدارك،‭ ‬فصحنا‭ ‬منتصرين‭ ‬واحتضنا‭ ‬بعضنا‭ ‬بعضا،‭ ‬إنه‭ ‬انتصار‭ ‬لو‭ ‬تعلمون‭ ‬عظيم‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الدرس‭ ‬التالى‭.‬

الدرس‭ ‬الثالث‭ ‬تعلمه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬انضم‭ ‬لجيش‭ ‬البلاد‭.‬فالجيش‭ ‬جيش‭ ‬الشعب،‭ ‬يضُم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬عناصر‭ ‬الشعب،‭ ‬من‭ ‬قائده‭ ‬الكبيرلأصغر‭ ‬جندى‭ ‬فيه‭. ‬جيش‭ ‬مهمته‭ ‬الذود‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬ضد‭ ‬الغزو‭ ‬الخارجى،‭ ‬وقد‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬كثيرا‭ ‬فى‭ ‬تاريخنا،‭ ‬وأيضا‭ ‬الذود‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬فى‭ ‬الداخل،‭ ‬حين‭ ‬يتهدده‭ ‬خونة‭ ‬لا‭ ‬يعترفون‭ ‬بوحدة‭ ‬الوطن‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬فوقفت‭ ‬مع‭ ‬شعبها‭ ‬ضد‭ ‬مؤامرات‭ ‬التطرف‭ ‬الكاره‭ ‬للوطن،‭ ‬وغير‭ ‬المعترف‭ ‬برفرفة‭ ‬علمنا‭ ‬المصرى‭ ‬ولا‭ ‬بنشيدنا‭ ‬الوطنى‭.‬

فى‭ ‬خارج‭ ‬الوطن،‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الأجنبية،‭ ‬حين‭ ‬تطلب‭ ‬سفاراتنا‭ ‬وقناصلنا،‭ ‬أبناء‭ ‬مصر‭ ‬المغتربين‭ ‬للتجمع‭ ‬ولاحتفال‭ ‬بأعيادنا‭ ‬الوطنية،‭ ‬يلبى‭ ‬ناس‭ ‬إدريس‭ ‬النداء‭ ‬سريعا،‭ ‬ويكونوا‭ ‬الأكثر‭ ‬عددا‭ ‬داخل‭ ‬مقارنا‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬فالآتون‭ ‬للاحتفال‭ ‬تنويعات‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬إيزيس،‭ ‬وإدريس‭ ‬ليس‭ ‬فردا‭ ‬من‭ ‬ألوف‭ ‬النوبيين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬مليون‭ ‬مصرى‭ ‬منتشرون‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬الوطن،‭ ‬وفى‭ ‬الخارج‭.‬

التنوع‭ ‬فى‭ ‬سبيكة‭ ‬إيزيس‭ ‬تنوع‭ ‬خلاق‭. ‬نطمئن‭ ‬له‭ ‬طالما‭ ‬السبيكة‭ ‬متماسكة‭ ‬صلبة‭. ‬ألوان‭ ‬العلم‭ ‬متعددة،‭ ‬وكلها‭ ‬فى‭ ‬ضمة‭ ‬واحدة،‭ ‬راية‭ ‬واحدة‭. ‬فعلا‭ ‬تنوع‭ ‬خلاق،فمصرى‭ ‬أعطى‭ ‬لغة‭ ‬اتخذت‭ ‬شفرة‭ ‬فى‭ ‬أيام‭ ‬الحرب،‭ ‬ومصرى‭ ‬أعطى‭ ‬مدفع‭ ‬المياه‭ ‬الذى‭ ‬استخدم‭ ‬فى‭ ‬إزالة‭ ‬السد‭ ‬الرملى‭ ‬الخرافى‭. ‬وناصر‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إيزيس‭ ‬والسادات‭ ‬من‭ ‬شمالها‭. ‬وفى‭ ‬عزبة‭ ‬توماس‭ ‬والسد‭ ‬العالى‭ ‬والجيش،‭ ‬كنا‭ ‬من‭ ‬الأنحاء‭ ‬المدمجة‭ ‬فى‭ ‬كتيبة‭ ‬قتالية‭ ‬واحدة،‭ ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬كنا‭ ‬فى‭ ‬كتيبة‭ ‬مدنية‭ ‬واحدة‭ ‬أيضا‭.‬

قيادات‭ ‬جيشنا‭ ‬كانوا‭ ‬نوابغ‭ ‬فى‭ ‬التخطيط‭ ‬لحربى‭ ‬الاستنزاف‭ ‬والعبور‭. ‬وكانوا‭ ‬مع‭ ‬الجنود‭ ‬أفذاذا‭ ‬وهم‭ ‬يقاتلون‭. ‬أقول‭ ‬لكم‭ ‬أمرا‭ ‬أدهشنى‭ ‬والأمور‭ ‬المدهشة‭ ‬فى‭ ‬قتالنا‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى،‭ ‬أمور‭ ‬تستحق‭ ‬ملاحم‭ ‬سردية‭ ‬وشعرية‭ ‬وسينمائية‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتخيل‭ ‬أحد‭ ‬روعة‭ ‬مشهد‭ ‬العبور‭. ‬فى‭ ‬الظهيرة‭ ‬طائرات‭ ‬تضرب‭ ‬مواقع‭ ‬العدو،‭ ‬ومدفعية‭ ‬مرعبة‭ ‬تمطرها‭ ‬بقذائف‭ ‬كالجبال،‭ ‬ثم‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬المشاة‭ ‬يقفزون‭ ‬على‭ ‬القوارب‭ ‬المطاطية‭ ‬السوداء‭. ‬يصعدون‭ ‬الساتر‭ ‬الرملى‭ ‬ويهجمون‭ ‬على‭ ‬قلاع‭ ‬حصن‭ ‬بارليف،‭ ‬مشهد‭ ‬مبهر‭ ‬وموسيقاه‭ ‬الدانات‭ ‬وأزيز‭ ‬الطلقات‭ ‬ويغلفها‭ ‬كلها‭ ‬صيحات‭ ‬الله‭ ‬أكبر‭. ‬يا‭ ‬للروعة‭ ‬والجمال‭.‬العبور‭ ‬مثالى‭ ‬سلس،‭ ‬لن‭ ‬يصدقه‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يشارك‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬نحن‭ ‬جنود‭ ‬أكتوبر‭ ‬ذهلنا‭ ‬من‭ ‬إتقان‭ ‬العبور‭ ‬وروعته‭. ‬أخيرا‭ ‬وثبنا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الخط‭ ‬‮«‬البارليفى‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬قالوا‭ ‬عنه،ان‭ ‬قنبلة‭ ‬ذرية‭ ‬لن‭ ‬تنال‭ ‬منه‭! ‬ونلنا‭ ‬منه‭ ‬بالعزيمة‭ ‬المصرية‭ ‬وحطمناه،‭ ‬ولم‭ ‬تنفجر‭ ‬فينا‭ ‬مواسير‭ ‬النابالم‭ ‬الحارقة،‭ ‬فرجال‭ ‬الصاعقة‭ ‬قد‭ ‬قاموا‭ ‬بسد‭ ‬فوهاتها‭. ‬وتمر‭ ‬دباباتنا‭ ‬وعرباتنا‭ ‬على‭ ‬الكبارى‭ ‬السريعة،‭ ‬ووجد‭ ‬قد‭ ‬جنود‭ ‬سبقوهم‭ ‬وبمدافع‭ ‬المياه‭ ‬شقوا‭ ‬الممرات‭ ‬ومهدوها‭ ‬لمجنزراتنا‭ ‬المتنوعة‭. ‬وفى‭ ‬الجو‭ ‬صواريخنا‭ ‬تصطاد‭ ‬طائرات‭ ‬العدو‭ ‬ببساطة‭.‬ألم‭ ‬نقل‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬شاعرنا‭ ‬‮«‬ما‭ ‬رَمانى‭ ‬رامٍ‭ ‬وَراحَ‭ ‬سَليماً‭ / ‬مِن‭ ‬قَديمٍ‭ ‬عِنايَةُ‭ ‬اللَهُ‭ ‬جُندى»؟وتمر‭ ‬أيامنا‭ ‬وليالينا‭ ‬ونحن‭ ‬فى‭ ‬نشوة،‭ ‬وعدونا‭ ‬الذى‭ ‬توقع‭ ‬منا‭ ‬الاستسلام،‭ ‬فكر‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬الاستسلام‭.‬

العبور‭ ‬بألوف‭ ‬من‭ ‬‮«‬الأدارسة‮»‬‭ ‬المقاتلين‭. ‬بألوف‭ ‬من‭ ‬زميلى‭ ‬دانيال‭ ‬واللواء‭ ‬باقى‭ ‬ذكى،‭ ‬والرقيب‭ ‬عبدالله‭ ‬الذى‭ ‬أرعب‭ ‬دبابات‭ ‬العدو‭ ‬وحطمها‭. ‬عبدالله‭ ‬أصلا‭ ‬خفير‭ ‬فى‭ ‬معابد‭ ‬الأقصر،‭ ‬ولهذا‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬عبدالله‭ ‬تحتمس‮»‬‭ ‬ورصدته‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬من‭ ‬قصصى‭. ‬أبطال‭ ‬سمر‭ ‬تجمعوا‭ ‬من‭ ‬الأنحاء‭ ‬ليزودوا‭ ‬عنها‭. ‬ألوف‭ ‬الجنود‭ ‬ومن‭ ‬ضمنهم‭ ‬رقيب‭ ‬بسيط‭ ‬اسمه‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭. ‬فالكل‭ ‬واحد‭ ‬مصرى،‭ ‬الكل‭ ‬فى‭ ‬بوتقة‭ ‬إيزيس‭ ‬سلماً‭ ‬وحرباً‭.‬

لأحمد‭ ‬إدريس‭ ‬كان‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬تسللوا‭ ‬للضفة‭ ‬الشرقية،‭ ‬تفرقوا‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬ليرصدوا‭ ‬تحركات‭ ‬العدو‭ ‬ويبلغون‭ ‬عنها،‭ ‬وشفرتهم‭ ‬لغتهم‭ ‬النوبية‭. ‬سؤال‭.. ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬سبل‭ ‬إعاشتهم‭ ‬وقد‭ ‬بقوا‭ ‬شهوراً‭ ‬طالت‭ ‬فى‭ ‬الصحراء‭ ‬الجرداء؟‭ ‬الحل‭ ‬سهل‭. ‬بدو‭ ‬سيناء‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬تولوا‭ ‬إرواء‭ ‬وإطعام‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬وصحبه‭ ‬الفرسان‭. ‬وبدو‭ ‬سيناء‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬عيون‭ ‬استخباراتنا‭ ‬العسكرية،‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬احتلال‭ ‬سيناء‭. ‬بدو‭ ‬سيناء‭ ‬الذين‭ ‬ارتاب‭ ‬فيهم‭ ‬بعض‭ ‬ضعاف‭ ‬العقول،فقليل‭ ‬من‭ ‬يفهمون،ان‭ ‬التنوع‭ ‬فى‭ ‬البوتقة‭ ‬قوة؟‭ ‬

بعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬الحرب‭. ‬ليلا‭ ‬فى‭ ‬هدوء‭ ‬سريع،‭ ‬انصت‭ ‬بوجدانى‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬صوت‭ ‬حقيقى‭.‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬تنشدبكلمات‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭ ‬وتلحين‭ ‬رياض‭ ‬السنباطي‭.‬

وَقَفَ‭ ‬الخَلقُ‭ ‬يَنظُرونَ‭ ‬جَميعاً‭ / ‬كَيفَ‭ ‬أَبنى‭ ‬قَواعِدَ‭ ‬المَجدِ‭ ‬وَحدى

كان‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬فردا‭ ‬وسط‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬ضابط‭ ‬وجندى،‭ ‬كلهم‭ ‬شوامخ‭. ‬كلهم‭ ‬عملوا‭ ‬فأسبغ‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬بركته‭. ‬ياالله،‭ ‬حين‭ ‬يقول‭ ‬المصريون‭ ‬سنفعل،‭ ‬ففعلهم‭ ‬مُعجز‭. ‬أى‭ ‬نعم،‭ ‬فعلهم‭ ‬مُعجز‭. ‬شاهدت‭ ‬هذا‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬العالى،‭ ‬وشاهدت‭ ‬هذا‭ ‬فى‭ ‬حربى‭ ‬الاستنزاف‭ ‬والعبور‭.‬

ثم‭ ‬فى‭ ‬أعياد‭ ‬أكتوبر‭ ‬2020،‭ ‬قام‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬بتكريم‭ ‬الصول‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬بوسام‭ ‬النجمة‭ ‬الذهبية‭. ‬صافحة‭ ‬مبتسما‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬إدريس‭:‬

‭-‬بعد‭ ‬الحرب‭. ‬كتمت‭ ‬سر‭ ‬الشفرة‭ ‬النوبية‭ ‬مدة‭ ‬أربعين‭ ‬سنة،‭ ‬نفذت‭ ‬أمر‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭.‬

رحل‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬الرجل‭ ‬الطيب‭ ‬المتواضع،‭ ‬إدريس‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬التقيه‭ ‬فى‭ ‬المناسبات‭ ‬الخاصة‭ ‬بقريتنا،‭ ‬أجده‭ ‬بسيطا‭ ‬فى‭ ‬ملبسه‭ ‬النوبى‭ ‬البسيط،‭ ‬لا‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬بطولته‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬شيئا‭ ‬إطلاقا،‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يجازف‭ ‬بحياته‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬وطنه‭. ‬نترحم‭ ‬على‭ ‬أحمد‭ ‬إدريس‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬الأبطال‭ ‬الذين‭ ‬دافعوا‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬فى‭ ‬أشد‭ ‬الأوقات‭ ‬صعوبة‭ ‬وقسوة‭. ‬رحمهم‭ ‬الله‭.‬