يوميات الأخبار

صناعة الوعي ومكوناتها

 د. محمود علم الدين
د. محمود علم الدين

يكتبها اليوم : د. محمود علم الدين

صناعة الوعى ليست مهمة مؤسسة واحدة ولكنها مناطة اجتماعياً وأخلاقياً بكل مؤسسات المجتمع

ويمكن تعريف الوعى بأنه الإحاطة بالمشكلات المختلفة التى تواجهها المجتمعات والتجمعات بصفة يومية ، والوعى يتبلور كنتيجة للتفاعل بين أنفسنا وعالمنا المادى المحيط بنا، وهو يلعب دوراً هاماً فى التطور الاجتماعي، سواء كان هذا الدور إيجابياً أو سلبياً. فغياب الوعى بأبعاد موضوع أو ظاهرةأو قضية أو تكون وعى زائف به يؤدى إلى التأثير على عمليات إدراكه وفهمه وتفسيره واستيعابه ومن ثم تكوين تكوين اتجاهات سلبية او ايجابية نحوه قد تنتهى باستيعابه وتبنيه او العكس ، ونجد تطبيقات ذلك مؤثرة فى كافة المجالات من تبنى الفكر المتطرف او المتشدد حتى عدم احترام احكام وممتلكات وواجبات المواطن تجاه الدولة ،و من عدم تسجيل الممتلكات العقارية، عدم دفع اشتراكات الكهرباء والغاز ، وعدم الحفاظ على مشروعات الدولة ، حتى عدم احترام السلطة التنفيذية وتعليماتها وتقديس الواسطة والحصول على امتيازات او منافع بشكل غير قانونى ورفض اى سلطة ابوية. وصناعة الوعى ليست مهمة مؤسسة واحدة فى المجتمع ولكنها مهمة مناطة اجتماعياً وأخلاقياً بكل مكونات المجتمع.


والوعى يتعدّد بتعددّ أطر الحياة ومساراتها، فهناك وعى سياسى وآخر اقتصادى وثالث اجتماعي، ومن مجموع أنماط الوعى ومجالاته يمكن أن تتحسن حياة المجتمع. ، ومن أبرز وأخطرأنماط  الوعى الوعى السياسى. وهناك وعى حقيقى صادق ومتكامل معرفيا ووجدانيا يرتكز على معتقد فكرى أو سياسى أو دينى ومجموعة من القيم الراسخة ، متسق مع الواقع مدعم لبنائه وتطويره ،ويكون إحدى ادواته الرئيسية فى فهم الواقع واتخاذ القرار المناسب فى مواجهة أحداثه وقضاياه  وهناك فى المقابل وعى زائف يخالف الواقع ويصارعه ويسعى إلى تدميره ، وهذا هو الوعى الذى يجب أن نواجهه بل ونحاربه حتى لا يسقط المجتمع. وهذا ما تحاول  أن تصنعه اقوى المضادة للشرعية وأهل الشر فى الداخل والخارج، من خلال حملات التزييف والتضليل الإعلامى التى تشنها ضد الوطن ومواطنيه عبر مواقع التواصل الاجتماعى والقنوات القضائية والأخبار الزائفة والشائعات.


قضية الوعى فى فكر الرئيس
وتشكل قضية الوعى أحد الأفكار المحورية فى رؤية  الرئيس عبد الفتاح السيسى وفلسفته السياسية وتأكيدا على خطورة دور الوعى فى المجتمع جاء إعلان الرئيس السيسى 2020 عاماً للثقافة والوعى.


فى 5 نوفمبر 2019 شدد الرئيس السيسي، على أن الدولة ومؤسساتها وإعلامها، هى الحامى المدافع عن وعى المصريين، لمجابهة الشائعات المغرضة ضد مصر لتشويه إنجازاتها ،واستشهد الرئيس السيسي، بالآية القرآنية “سحروا أعين الناس”، ليدلل على الخداع والتشويه الذى ينتهجه المضللون ضد مصر، معلقًا: “كل يوم فى ألف وألفين شائعة وتكذيب وإفك وتحريف”.


وقال الرئيس خلال افتتاح عدد من المشروعات فى السويس وسيناء، إن المواطنين منشغلون فى أعمالهم، وليس لديهم ما يسمح من الوقت لتدقيق فيما نعرضه من مشروعات، لذلك وجب على الدولة ومؤسساتها تشكيل وعيهم بكل ما تنجزه ، ووجه الوزراء والمسؤولين كافة بضرورة الحديث دائمًا مع المواطنين عن المشروعات التى يتم افتتاحها، مؤكدًا رغبة الجمهور فى معرفة كل المعلومات، ليشعر بالاطمئنان.


وفى 29 أغسطس  2020(الماضي) يؤكد  الرئيس السيسى مجددا أن المعركة لم تنته ولم تزل مستمرة محذرا من تزييف الوعى باعتباره العدو  : الوعى المنقوص أو المزيف  هو الأطر على مجتمعنا،  مشددا على أننا نحتاج الصورة الكاملة معروضة وواضحة أمام المواطن ،  ودعا الرئيس عبدالفتاح السيسي، الشباب إلى التصدى للشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، مع الوعى بالقضايا الإقليمية.


كما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى التحية لجميع المصريين، وقال إن النتائج التى تحققها الدولة لا يمكن إنجازها فى عشرات السنين، موجهًا التحية للمصريين على وعيهم وردود الأفعال على التطورات التى تتم وملف سد النهضة والحدود وكيف كان المصريون خائفين من أن نتورط فى شيء لكن الشعب المصرى شعب منتبه وحريص على إنجازاته وأسجل احترامى وتقديرى لوعى المصريين.


وأضاف السيسي، خلال افتتاحه عددا من المشروعات القومية: “أقول للشباب تصدوا معنا بالوعى لكل القضايا، ومهم ألا نتعجل فى الحكم على قرارات تقوم بها الدولة لأنها قرارات مدروسة ولو كان حجم الإنفاق الذى صرفناه من 30 سنة على المدن الجديدة لما أنفقنا لمعالجة الأوضاع بالإسكندرية والقاهرة”.


وفى 16 سبتمبر 2020 أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على ضرورة أن يتحلى المواطنون بالوعى من محاولات الهدم والتآمر والتشكيك، متسائلا: لماذا تريدون هدم الدولة.. ابعدوا عننا بشركم، فيها 100 مليون عايزينها تتقدم”. ، وأضاف الرئيس السيسي: “رهانى كان دائما على المصريين ووعيهم”.


ومؤخرا فى 23 اغسطس 2021 قال الرئيس السيسى فى مداخلة هاتفية لبرنامج صالة التحرير مع الإعلامية عزة مصطفى عبر قناة صدى البلد، أن قضيتنا فى مصر قضية الوعى الحقيقى حتى فى المجال الفنى، متابعا فى حديثه للكاتب عبد الرحيم كمال: “عايز أقولك جهز اللى أنت عايزه وأنا معاك، وأنا أحييك على فهمك ووعيك وثقافتك وبقولك أنا داعم لأى عمل فنى فى مجال الوعى الذى نتحدث فيه وفى مجال الوعى خاصة الوعى الديني”.


وأضاف الرئيس السيسى: أن هناك قضايا كثيرة ويهمنا نحصن أبناءنا وشبابنا وبناتنا والشباب الكبار الدنيا حول ماذا يحدث حولهم”.

وتحدث بالتفصيل عن بعض من هذه القضايا على النحو التالى :
• :” أن القضية الأهم هى الوعى بمفهومها الشامل، سواء الوعى بالدين.. كلنا أتولدنا والمسلم مسلم والمسيحى مسيحى، حد عارف أنه المفروض نصيغ فهمنا للمعتقد، وعلينا إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذى نحن فيه.. عندك استعداد تمشى بمسيرة بحث فى المسار ده لتصل للحقيقة.. كلام كبير أوى”.
• “ أن قضية الوعى بمفهومها الشامل شيء هام، وتكلفة الإصلاح هائلة، يدفعها المصلح، ولا يمكن أن يكون المصلح محل رضى من الآخرين حيث يتحدث عكس الطبيعة ومسار الناس، والإصلاح عمل الأنبياء والرسل”.


• “ إن الدولة مستعدة لتقديم دعم ضخم لتقديم أعمال فنية لبناء الوعى المصرى، موضحا أن القضايا كثيرة فهناك قضية الفهم أى فهم التحدى، وتحدى إسقاط الدول وليس الأنظمة ، وأضاف الرئيس السيسى، أن الخطورة فى استهداف الدولة، حيث يتم تدمير الدول، وهناك نماذج دول أمامنا كانت شكل تانى، وعندما تسقط الدولة ويسقط النظام يبدأ العبث بمقدرات ومستقبل الدول.


• “هدفنا تحصين أبنائنا وبناتنا وشبابنا، والقضايا التى يجب الاهتمام بها كثيرة، أهمها فهم تحدى إسقاط الدول، الخطورة فى استهداف الدول، أفغانستان كانت شكلا آخرا منذ 50 عاما، شوفوا الكتب والأفلام ستجدون دولة مختلفة تماما، فحينما تسقط الدولة يبدأ العبث بمقدرات الدولة، طالما لا توجد قيادة، لن نجد فرصا».


ست مراحل فى  صناعة الوعى
وعملية صناعة الوعى عملية معقدة ومركبة تشكل منظومة متكاملة تضم عدة أطراف
1) لابد أن يرتكز الوعى على معتقد أو رؤية ثابتة أو مجموعة من القيم  الراسخة التى يؤمن بها الفرد ويقتنع بها.
2) ويبدأ تشكيل الوعى تجاه الظاهرة أ و القضية أو القيمة بمكون معرفى يصل إلى ذهن الفرد من خلال مصادر عديدة.
3) وبعد وصول المادة المعرفية عن الظاهرة أو القضية أو القيمة إلى الذهن تبدأ عملية التفكير فى أبعادها من توظيف مهارات التفكير المختلفة.

ويؤثر على عملية التفكير هنا عدة أمور منها مستوى ثقافة الفرد ، ونمط التفكير الذى يتبعه هل هو تفكير عشوائى غير علمى  منهجى ام هو يعتمد على الاتباع والقيل والقال والتجربة والخطأ,ام تفكير خرافى؟ ام تفكير ابداعى ؟
4) ومن المتوقع بعد ذلك أن يؤدى هذا المكون المعرفى إلى التأثير فى الفرد من خلال تكوين اتجاه ( أو وعى)  نحو الظاهرة أو القضية أو القيمة وقد يكون إيجابيا  قد يدفعه إلى تبنيها أو سلبيا.


5) وغالبا ما يؤدى هذا الاتجاه ( أو الوعى)المتكون حول الظاهرة أو القضية أو القيمة إلى تكوين الفرد رأيا الموضوع وقد يتم التعبير عنه لفظيا أو جسديا وإذا عبر هذا الرأى عن مجموعة من الأفراد خلال فترة زمنية معينة ومس مصالحهم واهتماماتهم فإنه يتحول إلى رأى عام.
6) وقد يترجم الشخص  هذا الرأى ( موضوع الوعى ) حول الظاهرة أو القضية أو القيمة إلى سلوك يقوم به فى الحياة اليومية وبالطبع قد يكون سلوكا إيجابيا أو سلبيا.
ويمكن التأثير مرحليا على عملية بناء الوعى فى كافة جوانبها ما عدا مرتكزها الأساسى وهو عملية بناء المعتقد التى تحتاج إلى مدى زمنى طويل لكى تتكون وتدعم وترسخ وهذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال عمليات التعليم أو التلقين المذهبى  أو التوجيه الكامل لأنظمة التعليم والثقافة والإعلام ، لذلك لابد أن نسأل دائما عن المعتقد ونحن نتحدث عن قضية الوعى هل وراء  الوعى المقتنع بهذه الظاهرة أو القضية أو القيمة  أو الرافض لها معتقد ؟ ما هو هذا المعتقد ؟ وما قوته؟ كيف تكون؟ وهل يمكن التأثير فيه؟
و يمكن إحداث تلك التأثيرات المرحلية من خلال حملات اجتماعية وإعلامية مخططة ، وعبر توجيه مخرجات وسائط الثقافة والإعلام لدعم مجموعة من الأفكار والقضايا الإيجابية بشكل مرحلى أو لدحض مجموعة من القيم والمفاهيم والأفكارالسلبية أو الضارة مع الحرص على ضرورة البعد عن الطابع الدعائى أو المباشرة .