كيف حال مريضكم.. سليمنا مات؟!

ممدوح الصغير
ممدوح الصغير

لم يستطع المريض تحمُّل ألمه، صرخ بصوتٍ عالٍ، بعد أن فشلت المسكنات فى السيطرة على ما يشكو منه، كثر صراخه، ما جعل شقيقه يُسرع به للمستشفى الذى يبعد عنه عدة أميالٍ، بعد أن اتصل بصديقٍ له يملك  سيارة، وأخبره بمرض شقيقه الشديد، والذى حضر على الفور لتوصيلهما، حيث انطلقت السيارة، وكان سائقها يزيد من سرعتها  كلما سمع آهات المريض المتوهجة، إلى أن زادات سرعتها بصورة تُخيف، الأمر الذى جعل شقيق المريض يطلب من صديقه التهدئة وعدم التعجُّل، خاصةً أن الطريق شهد عدة حوادث منذ فترة قريبة آخرها منذ ساعات، إذ كان الموت غيَّب شابًا عليها فى مقتبل عمر وقبل وصوله بوابة المستشفى.

عجَّل صراخ المريض من فتح أبواب المستشفى لهم بسرعة، وخلال دقائق كانوا فى طوارئه المكتظ بالمرضى.. حالته لفتت الانتباه، عَرف الممرض من خلالها أن الحالة تتطلَّب  طبيب الجراحة، وأخبرهم بأنه فى الطابق الأعلى، وها هو يتصل عليه، ليكون معهم خلال دقائق قليلة.

أمسك الممرض بهاتفه، وأخذ يتصل على الجرَّاح مرة واثنتين، إلى أن وصلت المحاولات لخمس رناتٍ، ومع شدة ألم المريض، هرول الممرض لمكان إقامة الطبيب، صعد السلم على قدميه ولم ينتظر المصعد، وتوقَّف أمام باب غرفة الطبيب، ضغط على الجرس مرةً وأخرى، ولم يرد، حتى تسلَّل لديه الشك والخوف؛ مما دفعه لدخول الغرفة عن طريق المفتاح الاحتياطى الموجود طرف الإدارة،  دخل ودخلت معه الممرضات ثم المدير الإدارى.. فى البداية ظنوا أنه نائمٌ، ومن الإرهاق غلبه النوم، لكنهم شعروا بأنه لا يتحرَّك أو يستجيب للنداءات، صار الممرض  نحوه ، فلاحظ سكون الجسد، فأسرع بالأمساك بيده، التى سقطت من رخوتها، فتساقطت دموعه بعد أن عرف أن النبض قد توقَّف، وتلوَّن وجه الممرض  بكل ألوان الطيف، فقد كان من دقائق يمزح مع الجرَّاح الشاب، وعشية أمس تناولا العشاء معًا، وأصر الطبيب على أن يعزمه على العشاء، ورفض دفعه لقيمة وجبته التى تناولها رفقته.

فى لحظة تكهرب الجو داخل المستشفى، وانتشر خبر وفاة الجرَّاج الشاب، ووصل الخبر للمريض الذى كان يصرخ من شدة الألم، وفور معرفته بما حدث للجرَّاح الشاب، اختفى الألم، وتوقَّف عن الصراخ، صار أقوى من الألم، ولكنه لم يستطع السيطرة على دموعه التى تساقطت بغزازة، لم ينتظر، غادر المستشفى باكيًا، بعد أن مات مَنْ كان سيخفِّف عنه الألم بمشرطه.

كان لسان حال هذا المريض، طوال طريق ذهابه لمنزله، يُردِّد "لا إله إلا الله ولا قوة إلا بالله"،  وفور بلوغه المنزل المقيم فيه، أصر على الوضوء، وصلى وأمسك مصحفه وقرأ سورة "يس" للجرَّاح الشاب الذى مات منذ وقتٍ قليل.. مرت أيام على ما حدث معه، وعندما يكون بمفرده، يتذكَّر المقولة الشهيرة، كيف حال مريضكم؟ سليمنا مات؟!.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي