إنها مصر

لماذا تتدخل الدولة؟

كرم جبر
كرم جبر

لم يتحرك تاجر ولا مستورد في السنوات الصعبة التي أعقبت أحداث يناير 2011، لإنقاذ الناس من حريق الأسعار، واستثمر البعض الأزمة في جني مزيد من الأرباح والمكاسب وانتفخت كروش وتضخمت بطون، وعندما تحركت الدولة بوسائلها الحاسمة، ووفرت مختلف السلع في الأسواق بأسعار مناسبة، غضب صناع الأزمات، وأطلقوا سيلاً من الشائعات وهددوا بمزيد من الغلاء، ورددوا نفس الدعاية المضللة حول حماية المنتج المحلي، الذي يفتح بيوت ملايين العاملين ويوفر احتياجات السوق، ومخاطر هدم صناعة وطنية، وكأن توفير السلع والخدمات للناس ضد ذلك.

نسمع مثل تلك المبررات منذ يوليو 1952 بشكل عكسى ، فقد رفعت الثورة شعار "حماية الصناعة الوطنية"، وكانت تحمي بعض المنتجات الرديئة والسلع الأقل جودة، ودفع المستهلك ثمنها من جيبه، ولم تتحقق الحماية المطلوبة، ولم يتقدم الإنتاج ولم تتحقق المنافسة العادلة التي تحفز على التطوير والتحديث ومسايرة العصر.

لست مع تدخل الدولة في كل صغيرة وكبيرة .. ولكن ماذا تفعل لحماية مواطنيها وتخفيف الأعباء عنهم، بعد أن وجهت نداءات عديدة للتجار لضبط إيقاع الأسعار، ولم تجد المناشدات أي صدى، ولو ترك الحال على ما هو عليه، لضربت أرقاماً قياسية، ولعلنا لا ننسى أزمات السكر والزيت والأدوية وألبان الأطفال والمحاليل الطبية وغيرها، في ظروف صعبة بعد أحداث يناير.

أتذكر جيداً أن الحكومة في التسعينات قررت استيراد كميات من الماشية من إحدى الدول الأفريقية استعداداً لعيد الأضحى، فذهب بعض التجار إلى المصدرين، ودفعوا لهم رشاوى باهظة، في مقابل تعطيل الصفقة، واستبدالها بأغنام مريضة وهزيلة، حتى يستمروا في السيطرة على الأسواق، وفرض الأسعار التي يريدونها.

الدولة الرشيدة هي التي تحمي شعبها، وتضفي نفس الحماية على المستثمرين ورجال الأعمال والمنتجين، إذا وقفوا معها لحماية الأمن القومي، وتوفير السلع والخدمات دون جشع أو استغلال، ولكن لا ينفع أن تكون الدولة محايدة إذا انحرف المسار وواجبها أن تنحاز لأهلها وشعبها، وهو ما تفعله الآن.

في الدول التي تطبق الرأسمالية يلعب القطاع الخاص دوراً رئيسياً في حماية الأمن القومي وأهم بنوده الحفاظ على مصالح المواطنين، ولكن في مصر يحاول البعض - وهم قلَة - أن ينظروا فقط لمصالحهم الخاصة، حتى لو كانت على حساب المجتمع.. والسنوات السابقة خير شاهد على ممارسات احتكارية، استغلالاً للظروف الصعبة التي مرت بها البلاد، وكان من المفترض أن يحدث العكس.
لن ينصلح الحال إلا بالضوابط والقوانين والإجراءات، التي تحمي "المنتج" و"المستهلك" معاً، وتوفر مظلة رحيمة لصالح المجتمع كله، وليس فقط فئة صُناع الأزمات.