أول سطر

حكايات زمان والقديمة تحلى

طاهر قابيل
طاهر قابيل

كنت أتعجب فى الماضى عندما أشاهد والدى - رحمة الله عليه - يجلس أمام شاشة التليفزيون ويشاهد مسلسلا أو مسرحية أو فيلما قديما شاهده أكثر من مرة وأجده منفعلا مع المشاهد وصوته يرتفع بالضحكات و«القهقه» كأنه يراه للمرة الأولى.. وأحيانا يتناول إحدى الصحف أو المجلات القديمة ويتابع إحدى الحكايات التي تتضمنها الصفحات بتركيز شديد ويحكيها لنا ونحن نتأفف زهقا لسماعها لأننا عرفناها وحفظناها عن ظهر قلب.

سألت أحد الخبراء عن ذلك فقال لي إن الحنين إلى الماضى يجعلنا نشعر بالمزيد من التفاؤل بشأن المستقبل.. والتغلب على الشعور بالقلق.. ففى كل مرة نشاهد فيها حلقة من الحلقات أو نمسك صفحة من صحيفة أو مجلة أو كتابا فكأننا نلتقى مع أصدقاء يثرثرون ونشترك معهم فى مغامرات جديدة.. كما أنه قد يكون الحنين إلي الماضي هو السبب الرئيسي الذي يدفعنا  لذلك.. ويتم هذا بشكل «غريزى فطري»..

فمع أننا نريد أن نستهلك المحتوى الجديد فمن المتميز أن نشعر أننا متصلون به وبالمكان الذي نشأنا فيه ونعود إليه لنثبت جذورنا.. وبعض المشاهد تثير داخلنا حنيناً  للماضي فنشعر بالراحة ونستعيد الشعور بالاستقرار والأمان وأن أمامنا لحظات وتجارب هادفة.. فمتابعة شيء نعرفه يتطلب مجهوداً ذهنياً أقل مقارنة بالجديد وليس علينا التركيز فى تفاصيله وبإمكاننا الجلوس والاسترخاء والاستمتاع به فقط..

ولا شك أن أحد الأسباب التي تدعونا للمشاهدة والمتابعة هو أننا نحبها ونعتقد أنها تستحق منا المزيد من اهتمامنا فقصتها مثلا يمكن أن تكون مثالية.. ونحصل منها على معلومات جديدة خاصة من أقلام الرواد.. وفي كل مرة سنجد تفاصيل لم نلحظها من قبل.

يبدو أننى وغيرى ورثنا تلك الرغبة فى مشاهدة القديم مع متغيرات عمرنا فأصبحنا الآن نجلس فى استرخاء ونتابع مسلسلات وأفلام ومسرحيات «الأبيض والأسود».. فمنها من يذكرنا بالمدرسة والجامعة والحي الذى كنا نسكن فيه.. وأخرى نعرف منها أسرار الأحياء الشعبية والطبقة الثرية.. ونحصل على حكم ومواعظ فى الحياة من أماكن لم نزرها من قبل وحكايات للزمن الجميل..

ونتصفح أوراقا «صفراء اللون» للكنوز التي تذخر بها الصحف والمجلات ونشاهد حياة النجوم والكتاب - بضم الكاف - ونعرف عن الحياة «الملكية» والحروب التى خضناها والشخصيات التى لم نعرف عنها سوي ألحانها وصوتها أو من المقالات والروايات التى حرصنا على اقتنائها وعرفنا بعد ذلك حكايتهم وصراعهم مع الحياة.

تعجبنى الصور التى ينشرها «الفيس بوك» عن الحياة زمان فأجلس لأتفحص صورة بعد الأخرى.. فهذا ميدان العتبة وهناك حلاق أمام محطة المرج وبائع للطماطم بأحد الشوارع وهناك مكتب بريد وصانع للأحذية و«سقا» فى عصر الخديو «عباس حلمي» وبوابة النصر وكوبري قصر النيل.. وهذه محطة قطار الإسكندرية وحي «هليوبوليس» وقرية بالأقصر وأخرى بالجيزة بالقرب من الأهرامات ومقهى بأسوان وأحد شواطئ الإسكندرية وغير ذلك من ذكريات «زمن» ما لم نره.. فكما يقولون إن القديمة تحلى.