نيل جايمان: إلهى.. لا تجعلنى أفرط فى الكتابة

نيل جايمان
نيل جايمان

حوار‭:‬‭ ‬ميا‭ ‬فانك‮ ‬- ترجمة‭:‬‭ ‬رفيدة‭ ‬جمال‭ ‬ثابت

تعددت‭ ‬إسهامات‭ ‬الكاتب‭ ‬البريطانى‭ ‬نيل‭ ‬جايمان‭ ‬فى‭ ‬شتى‭ ‬الألوان‭ ‬الأدبية؛‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يحتل‭ ‬مكاناً‭ ‬قائمة‭ ‬أفضل‭ ‬عشرة‭ ‬كُتاّب‭ ‬لأدب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ (‬بحسب‭ ‬موسوعة‭ ‬سير‭ ‬الأدباء‭). ‬وقد‭ ‬نالت‭ ‬أعماله‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬بينها‭: ‬وسام‭ ‬جون‭ ‬نيوبيرى‭ ‬وأندرو‭ ‬كارنيجى،‭ ‬وأربعة‭ ‬جوائز‭ ‬هوجو،‭ ‬وجائزتى‭ ‬نيبيولا،‭ ‬وأربعة‭ ‬جوائز‭ ‬برام‭ ‬ستوكر،‭ ‬وستة‭ ‬جوائز‭ ‬لوكاس،‭ ‬وجائزتى‭ ‬جمعية‭ ‬الخيال‭ ‬العلمى‭ ‬البريطانية‭.‬

هنا‭ ‬حوار‭ ‬معه‭.‬

‭>‬هل‭ ‬يتملكك‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الإفراط‭ ‬فى‭ ‬الكتابة؟‭ ‬تقول‭ ‬إنك‭ ‬نبذت‭ ‬أشياء‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬جوهرية‭ ‬ودخيلة،‭ ‬لكن‭ ‬جمال‭ ‬البداية‭ ‬أحياناً‭ ‬يكمن‭ ‬فى‭ ‬تلقائيتها‭. ‬فهل‭ ‬راودك‭ ‬يوماً‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تفقدك‭ ‬المسودة‭ ‬الثانية‭ ‬مصقولة‭ ‬ما‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬البداية‭ ‬العفوية؟

لا،‭ ‬لا‭ ‬يساورنى‭ ‬أدنى‭ ‬قلق‭ ‬حيال‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬جُل‭ ‬ما‭ ‬أخشاه‭ ‬أن‭ ‬أضل‭ ‬طريقى‭ ‬فى‭ ‬غابة‭ ‬القصة‭. ‬غير‭ ‬أنى‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬المسودة‭ ‬الثانية‭ ‬لن‭ ‬تقضى‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬بالأولى؛‭ ‬فالمسافة‭ ‬بين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬5‭%. ‬الأولى‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬ثم‭ ‬تستمر‭ ‬بالمضى‭ ‬قدماً،‭ ‬أما‭ ‬فى‭ ‬الثانية‭ ‬فتستوثق‭ ‬أنك‭ ‬تقول‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تريده،‭ ‬وتلاحظ‭ ‬الأمور‭ ‬التى‭ ‬غفلت‭ ‬عنها‭ ‬بصفتك‭ ‬قارئًا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تقوم‭ ‬بإصلاحها‭ ‬بصفتك‭ ‬كاتبًا‭. ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬سؤالك،‭ ‬هل‭ ‬أقلق‭ ‬حيال‭ ‬الإفراط‭ ‬فى‭ ‬الكتابة؟‭ ‬أجل‭. ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬كتبت‭ ‬فقرة،‭ ‬أطلقت‭ ‬عليها‭ ‬عنوان‭ ‬دعاء‭ ‬الكاتب،‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬إلهى،‭ ‬لا‭ ‬تجعلنى‭ ‬ممن‭ ‬يفرطون‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭. ‬يخففون‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬يريدون‭ ‬قوله‭ ‬كطبقة‭ ‬زبد‭ ‬خفيفة‭ ‬على‭ ‬الخبز،‭ ‬أو‭ ‬كلبن‭ ‬مخفف‭ ‬بالماء‭ ‬فى‭ ‬فندق‭ ‬معدم‭. ‬بل‭ ‬دعنى‭ ‬أكتب‭ ‬الأشياء‭ ‬التى‭ ‬أرغب‭ ‬فى‭ ‬قولها،‭ ‬وأصمت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تجتاحنى‭ ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬الكلام‭ ‬مجدداً‭. ‬إلهى،‭ ‬لا‭ ‬تجعلنى‭ ‬ممن‭ ‬يشحون‭ ‬بكتابتهم؛‭ ‬فيكتبون‭ ‬كل‭ ‬عشرة‭ ‬أعوام‭ ‬قصة‭ ‬أو‭ ‬قصتين،‭ ‬حيث‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬تكتسب‭ ‬أهمية‭ ‬محورية‭ ‬وتحل‭ ‬الرهبة‭ ‬محل‭ ‬البهجة‭ ‬فى‭ ‬الصفحة‭. ‬إن‭ ‬السعى‭ ‬إلى‭ ‬الكمال‭ ‬يشبه‭ ‬مطاردة‭ ‬الأفق،‭ ‬لقد‭ ‬حزت‭ ‬الكمال،‭ ‬فهبنا‭ ‬بعضه‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬الإمساك‭ ‬والإسراف،‭ ‬امنحنى‭ ‬الشجاعة‭ ‬والحكمة‭ ‬يا‭ ‬إلهى،‭ ‬وأنا‭ ‬أكتب‭ ‬قصصى،‭ ‬لأقول‭ ‬الحقائق‭ ‬وأكتب‭ ‬الأكاذيب‭ ‬بصوت‭ ‬صادق‮»‬‭.‬

‭>‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬دوجلاس‭ ‬آدم‭ ‬ثم‭ ‬تيرى‭ ‬براتشِت،‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬دفعك‭ ‬لكتابة‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬الرمل‮»‬‭ ‬‮«‬ساندمان»؟‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬التسلسل‭ ‬الزمنى‭ ‬الدقيق‭.‬

التسلسل‭ ‬الزمنى‭ ‬غريب‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬رغبت‭ ‬فعله‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الثمانينات‭ ‬هو‭ ‬مجال‭ ‬القصص‭ ‬المصورة‭. ‬كنت‭ ‬شغوفاً‭ ‬بها؛‭ ‬إذ‭ ‬تبدو‭ ‬لى‭ ‬مكاناً‭ ‬لم‭ ‬يطأه‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬أما‭ ‬الروايات‭ ‬فهى‭ ‬كالحقول‭ ‬المحروثة،‭ ‬تنظر‭ ‬إليها‭ ‬كأنك‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬مزرعة‭ ‬جميلة‭. ‬استخدمها‭ ‬أناس‭ ‬أذكى‭ ‬منك‭ ‬لقرون،‭ ‬زرعوا‭ ‬هناك‭ ‬محاصيلهم‭ ‬منذ‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭. ‬أما‭ ‬القصص‭ ‬المصورة‭ ‬فتشبه‭ ‬الدغل‭. ‬يمكننى‭ ‬الذهاب‭ ‬حيث‭ ‬أشاء‭ ‬وفعل‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يفعله‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬قبلى‭. ‬لذا‭ ‬كنت‭ ‬أدون‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تفزع‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬سيرة‭ ‬عن‭ ‬دوجلاس‭ ‬آدم،‭ ‬بينما‭ ‬أعمل،‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬القصص‭ ‬المصورة‭. ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬صحافياً‭ ‬وصديقاً‭ ‬لتيرى‭ ‬براتشِت‭. ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬‮«‬بشائر‭ ‬خير‮»‬‭ ‬و«رجل‭ ‬الرمل‮»‬‭ ‬و«كتب‭ ‬السحر‮»‬‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬متزامن،‭ ‬وكان‭ ‬أمراً‭ ‬شاقاً‭. ‬كنت‭ ‬أنهى‭ ‬تدوين‭ ‬صفحة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬كتاب‭ ‬بشكل‭ ‬متسلسل،‭ ‬ثم‭ ‬أخلد‭ ‬للنوم‭ ‬فى‭ ‬الخامسة‭ ‬فجراً،‭ ‬واستيقظ‭ ‬فى‭ ‬الواحدة‭ ‬ظهراً،‭ ‬وأقوم‭ ‬بنفس‭ ‬الأمور‭ ‬مجدداً‭. ‬كان‭ ‬وقتاً‭ ‬جنونياً‭ ‬عظيماً،‭ ‬أشعر‭ ‬بالسرور‭ ‬حينما‭ ‬أتذكره‭. ‬كنت‭ ‬فى‭ ‬الثامنة‭ ‬والعشرين‭ ‬وأتمتع‭ ‬بطاقة‭ ‬لا‭ ‬تنضب،‭ ‬لكنى‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬كذلك‭ ‬الآن‭.‬

‭>‬هناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬ذكاء‭ ‬الزخم‭ ‬حينما‭ ‬تكتب‭ ‬عدة‭ ‬أشياء‭ ‬فى‭ ‬آن‭ ‬واحد‭. ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬القصص‭ ‬المصورة‭ ‬وقدرتك‭ ‬على‭ ‬التجريب‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬أدبى‭ ‬حديث‭ ‬نسبياً‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬رواياتك‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الفانتازى‭ ‬تبدو‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬المزيد‭. ‬أعنى‭ ‬أنها‭ ‬تتيح‭ ‬لك‭ ‬حرية‭ ‬أكبر‭ ‬مقارنة‭ ‬بالرواية‭ ‬التقليدية‭.‬

‮ ‬صحيح،‭ ‬ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الفانتازيا‭ ‬النوع‭ ‬الأدبى‭ ‬الوحيد‭ ‬تقريباً‭ ‬الذى‭ ‬يتيح‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬للكاتب‭. ‬لكنى‭ ‬أعتقد‭ ‬أيضاً‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الفانتازيا‭ ‬النوع‭ ‬الأكثر‭ ‬انتهاجاً‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭. ‬وهكذا‭ ‬تمتلك‭ ‬شيئين‭ ‬مستمرين‭ ‬فى‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬بينهما‭ ‬نوع‭ ‬غريب‭ ‬من‭ ‬الجذب‭ ‬والشد‭. ‬يمكننى‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬غبار‭ ‬النجوم‮»‬‭ ‬التى‭ ‬أحببتها‭ ‬لأنى‭ ‬علمت‭ ‬طبيعتها؛‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬توليفة‭ ‬أو‭ ‬مزيج‭ ‬متنوع‭. ‬هناك‭ ‬فانتازيا‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬سيد‭ ‬الخواتم‮»‬‭. ‬فانتازيا‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬سيد‭ ‬الخواتم‮»‬‭ ‬ضخمة‭ ‬وهائلة‭ ‬وتصدر‭ ‬فى‭ ‬ثلاثيات‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فانتازيا‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬سيد‭ ‬الخواتم‮»‬‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تعتبر‭ ‬أدباً‭. ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬الذكى‭ ‬باستطاعته‭ ‬كتابة‭ ‬رواية‭ ‬بها‭ ‬جنيات‭ ‬أو‭ ‬ساحرات‭ ‬أو‭ ‬أى‭ ‬شىء‭ ‬آخر‭. ‬لكنك‭ ‬تمتلك‭ ‬صوتاً‭ ‬أدبياً‭ ‬مميزاً،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تعنيه‭ ‬‮«‬غبار‭ ‬النجوم”،‭ ‬التى‭ ‬أحبها‭ ‬بعض‭ ‬القراء،‭ ‬بينما‭ ‬تساءل‭ ‬بعضهم‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أكبر‭ ‬حجماً‭ ‬أو‭ ‬صدرت‭ ‬فى‭ ‬ثلاثية؟‭ ‬كما‭ ‬أنك‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬الأشياء‭ ‬التى‭ ‬تتوقع‭ ‬وجودها‭ ‬فيها‭.‬

‭>‬هذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬جعلنى‭ ‬أحبها‭!‬

وأنا‭ ‬كذلك‭. ‬لست‭ ‬مهتماً‭ ‬بأشكال‭ ‬الأدب‭ ‬الروائى،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يهمنى‭ ‬هو‭ ‬استخدام‭ ‬الفانتازيا‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬الممكنة‭. ‬لقد‭ ‬تحدث‭ ‬ج‭. ‬ك‭. ‬تشيسترتن‭ ‬عن‭ ‬الأشياء‭ ‬المنعكسة؛‭ ‬إذ‭ ‬تصير‭ ‬الفانتازيا‭ ‬مرآة‭ ‬ترى‭ ‬فيها‭ ‬أشياءً‭ ‬موجودة‭ ‬لم‭ ‬ترها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬لكنك‭ ‬تراها‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬مختلفة‭. ‬وتلك‭ ‬هى‭ ‬طبيعة‭ ‬روايات‭ ‬‮«‬المحيط‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬الدرب‮»‬‭ ‬و«آلهة‭ ‬أمريكية‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬لا‭ ‬مكان‮»‬‭ ‬‮«‬نيفيروير‮»‬‭ ‬التى‭ ‬كأنها‭ ‬تقول‭ ‬للقارئ‭: ‬‮«‬انظر،‭ ‬ها‭ ‬هى‭ ‬مدينة‭ ‬تظن‭ ‬أنك‭ ‬خبرتها‭ ‬جيداً،‭ ‬هيا‭ ‬نرى‭ ‬طبيعتها‭. ‬هيا‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬أناس‭ ‬منسيين‭ ‬لم‭ ‬ترهم‭ ‬من‭ ‬قبل”‭. ‬ثم‭ ‬تسترسل‭ ‬فى‭ ‬حوار‭ ‬غريب‭ ‬مع‭ ‬القراء‭.‬‮ ‬

‭>‬كتبت‭ ‬عن‭ ‬العائلات‭ ‬فى‭ ‬روايات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬الرمل”،‭ ‬التى‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬العائلة‭ ‬اللانهائية‭. ‬لكن‭ ‬‮«‬المحيط‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬الدرب‮»‬‭ ‬تبدو‭ ‬رواية‭ ‬شخصية‭. ‬فى‭ ‬كتاب‭ (‬آلهة‭ ‬أمريكية‭)‬،‭ ‬وهى‭ ‬رواية‭ ‬ساحرة‭ ‬ذكية،‭ ‬تأخذ‭ ‬آلهة‭ ‬من‭ ‬فترات‭ ‬متباينة‭. ‬ورغم‭ ‬أنها‭ ‬مرحة‭ ‬وتدور‭ ‬أحداثها‭ ‬فى‭ ‬الزمن‭ ‬المعاصر،‭ ‬يكمن‭ ‬بين‭ ‬سطورها‭ ‬رؤية‭ ‬فلسفية‭ ‬مفادها‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬فى‭ ‬الحاضر‭ ‬لكننا‭ ‬فعلياً‭ ‬نكرر‭ ‬حيوات‭ ‬سابقة‭. ‬دوماً‭ ‬تتردد‭ ‬على‭ ‬مسامعنا‭ ‬أصداء‭ ‬الماضى‭. ‬كيف‭ ‬تستهل‭ ‬عملية‭ ‬الكتابة؟‭ ‬هل‭ ‬تبدأ‭ ‬بموضوع‭ ‬تبحث‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬شخصيات؟‭ ‬أم‭ ‬تبدأ‭ ‬بالشخصيات؟

كلاهما،‭ ‬وأحياناً‭ ‬أكثر‭. ‬فى‭ ‬‮«‬آلهة‭ ‬أمريكية‮»‬‭ ‬واتتنى‭ ‬الفكرة‭ ‬عن‭ ‬الشخصيات‭. ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬يلتقون‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬طائرة؛‭ ‬أحدهم‭ ‬يبدو‭ ‬سائحًا‭ ‬عجوزًا،‭ ‬وآخر‭ ‬خرج‭ ‬لتوه‭ ‬من‭ ‬السجن،‭ ‬وهذا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أعرفه‭ ‬عنهم‭. ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬باستفاضة‭ ‬عن‭ ‬الفولكلور‭ ‬الأمريكى‭ ‬حينذاك،‭ ‬لكنى‭ ‬كنت‭ ‬أجهل‭ ‬كيف‭ ‬أوفق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬اقرأه‭ ‬وتلك‭ ‬الفكرة‭. ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا،‭ ‬وأمر‭ ‬بتجربة‭ ‬المهاجر‭ ‬التى‭ ‬بدت‭ ‬لى‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قرأته‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭. ‬تراءى‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬الشاسعة‭ ‬الغريبة‭ ‬لا‭ ‬تعبأ‭ ‬أو‭ ‬تحترم‭ ‬ما‭ ‬كنته‭ ‬سابقاً،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬جلبته‭ ‬معك‭ ‬ليس‭ ‬مهماً،‭ ‬كأنك‭ ‬سقطت‭ ‬من‭ ‬ذاكرتها‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تعرك‭ ‬انتباهاً‭.‬‮ ‬

‭>‬ربما‭ ‬كان‭ ‬الأمريكيون‭ ‬مهووسين‭ ‬بالجديد؟

أعتقد‭ ‬أننى‭ ‬شعرت‭ ‬بالانبهار‭ ‬بهوسهم‭ ‬بالجديد‭ ‬وما‭ ‬كانوا‭ ‬عليه‭ ‬سابقاً‭. ‬وحدث‭ ‬أن‭ ‬سافرت‭ ‬إلى‭ ‬النرويج،‭ ‬ولكن‭ ‬توقفنا‭ ‬أثناء‭ ‬الرحلة،‭ ‬وقضيت‭ ‬يوماً‭ ‬فى‭ ‬ريجافيك‭. ‬شعرت‭ ‬بالأرق،‭ ‬وتجولت‭ ‬فى‭ ‬أحد‭ ‬المعارض‭ ‬وأبصرت‭ ‬صورة‭ ‬لرحلات‭ ‬ليف‭ ‬إركسون‭. ‬حينها‭ ‬تساءلت‭ ‬هل‭ ‬كانوا‭ ‬يأخذون‭ ‬آلهتهم‭ ‬معهم؟‭ ‬وفجأة‭ ‬ومض‭ ‬الأمر‭ ‬فى‭ ‬ذهنى،‭ ‬وقلت‭ ‬لنفسى‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬الشخصيات‭ ‬وهذه‭ ‬هى‭ ‬القصة،‭ ‬ويمكننى‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬شيئاً‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬القديم‭ ‬والجديد،‭ ‬عن‭ ‬الذاكرة‭ ‬وطبيعة‭ ‬أمريكا؛‭ ‬ففى‭ ‬حوزتى‭ ‬الآن‭ ‬الشخصيات،‭ ‬والقصة،‭ ‬والموضوع‭. ‬من‭ ‬الرائع‭ ‬الشروع‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬وأنا‭ ‬أجهل‭ ‬ماهية‭ ‬أفكارى،‭ ‬وحينما‭ ‬أنغمس‭ ‬فيها‭ ‬اكتشف‭ ‬طبيعتها‭. ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬تعتبر‭ ‬رحلة‭ ‬استكشافية‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر؛‭ ‬فالكاتب‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬جزء‭ ‬الكتابة‭ ‬فى‭ ‬ذاته‭ ‬أكبر‭ ‬وأذكى‭ ‬من‭ ‬الجزء‭ ‬الإنسانى،‭ ‬وأن‭ ‬جزء‭ ‬الكتابة‭ ‬يمتلك‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬البارعة‭ ‬ما‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬الأمور‭ ‬واستجلاء‭ ‬ماهيتها،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬المسودة‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭.‬‮  ‬