أحمد أبو خنيجر
سفرك طويل ولا الخطو تساهيل، ولا زعردة الجروف ونس، نخلة وضلة وجبل، وأرض عشاقة وولد عشاقين وبنات تلاعب الهوى أدوار، وأنا دورى من فوق الجبل طالل، وحاضن نسمة البراح فى وقت الخضار، كرامة ودم سايل وقربان من بشر، وطياب العصارى دوا، وبعد العشا غداء، فيا خل أوقف هنا واشرب بيدك ولا الكنكة فوق اللديا، وخلى الونس مناولة، وما بين الخلان تسقط الكلفة، والبحر شاهد وشريك وعند اللزوم حكم وجلاد، بحرك هو بحرى، والغشيم قال نهر، تقبل ولا تبحر، كاسح أيا عم ولا منجر، ولا القلوع طفطفة ومرسال، والبر سند الغشيم لو عام أو هام، يدوب على الحد، وما يقدر على نزول البحر إلا أبو قلب عشَّاق.
متحدر من الأزل صوب الأزل، كأنما هذه الأرض مهبطه والبشر صنيعه، وقد رأيته هناك على دولابه يشكل من الطين على هيئة الطير فيكون طيرا، يشكل من الطين على هيئة الحيوان فيصير حيوانا، و يعجن من الطين بشرا على هيئة الرجال والنساء والأطفال والعجائز فيصبحون بشر هذه الأرض ونبتها، رأيته هناك على جزيرته يفاضل ما بين الطين والرمل، فيخلط ماء بتراب الأرض مباركا بلمسة "رع" وحابى السمين بأثدائه يقرب بهدوء، و"خنوم" يساوى ما بين بشر وطير وحيوان، ويمرر هواء فى مجمرة الشمس، فتقوم الحياة على أقدامها نابضة بالجرى والعرق، فيهتف "حابى" بهدوء الحكمة الرخيم وهو يشير للحياة: لى من كل نصيب وقدر.
شريك وشاهد م الحياة للممات، أقرب من خطفة رجلك يا خل حتى الجزاير، فى الغنا الموال سماوى، ودق الكف فوق الجرف غيه، وجرون مفرودة بين الجبال، وشال بالروايح مهفهف فوق العمة، والعصا ميزان ومخايلة، أدى العجب، والأعجب ضحكة النهر بين الشطوط، وخطوط فى الأرض، ولا خطوط على الكف، اتعلم واقرا الهوى بالشين، السين عيب، والقسم فوق الجبين، خطوط وعيون ولعب المراكب وعوم فى الفجارى، قاصد نومة البحر، ولا قاصد الفتاح، يا نسيم طايب والهوى بالشين، تجلى وسكر فى حضرة المحبوب، غنى يا ولد وخلى الموال سماوى، إن كنت ناوى، ولا العشق مش بالنية، خمّر ورص من تانى واخطف القول ربانى، دا العشق ربانى، أنا اللى قلت الهوى سماوى.
بحر وجبل وشريط ضيق يحمل من البراح وسع الكون، من ذلك الصخر قدت بيوت المعابد والكنائس والمساجد، وارتفعت فوق بسط الأرض أهرامات ومسلات وأبراج ومآذن، وتطاول نخيل بالظل والبلح وربط الهوى بين جريده، وشبرين خضار ساوت فدادين بالرضا والقناعة وحسب التقاويم وتقتير الزمن لحكمة مصفاة قطرتها الخبرة وطول التجارب، وعيل يجرب رجفة الرجولة الأولى أمام سيده: النيل. يشهده بذرة الرجولة التى رميت قلفتها حين الطهارة متوسطة رغيف العيش الشمسى، كأنما لحم "رع" لإله الخصوبة "حابى"، وبنت جافى النيل خطوها إذ أدركتها الدورة، فاستحيت أن تعلمه ببلوغها، وفى الثانية تذكرت القسم القديم: بأنى لم ألوث النيل. فى محكمة أوزير الأبدية، لكنهما سيشهدانه فيما بعد على العقد المقدس، حين الزواج، والغناء الدائر حولهما: شاهد يا أبو العيون جنة.
رأيته هادرا غادرا، خطاف الأحبة، يا نيل ما أتعسك من نيل، لما تدور خطوتك ويهد التعب مشاورك، فتدور ع البشر تاخد ضحيتك، قلتَ: لى نصيب وقدر. ف ليه تترصد الفتيان والعذارى الأبكار، خطوتك فى الغدر مرذولة، غنيت فى جزايرك ولا بكيت من جرايرك، ما أخبثك، ذريعتك الغفلة ولا شهوة الروح أشد، يا فايت بين البلاد خلى الخطاوى بشويش، بالوجه البشوش بشويش، البشر أضعف م الحزن لما تكون سببه، ونخلة الحزن بالجذور ضاربة، والحنين بشويش، فلا تفجع البلاد بنقص أو نحر أو غرق، وهات الطمى صافى، كما صفو البلاد وقت الحصاد، ومركب بالدلع ملاوعة، تلاعب الريح والطياب خيال، فلا تشندل قلوعها ، وخلى القلوع مفرودة ع الخير، باب وبيت وخلا واسع، وباط النيل نسمة العجب يا أبو العجايب.
شريك أساسى فى الحياة التى نبتت على ضفافه، شراكة القلم والورق، وكتابة ما بعدت عن مداد مياهه وحكاياته، هو الحضور الدائم والقائم، حتى فى القتل هو ستر الفضائح والجرائم والتكتم العميق، لكنه بوابة السحر المفتوحة على جنان الخيال، زرقته تلك، تغضن سطح الحرير، حرير الماء عند مداعبة النسيم، أو طيش ذراع طفل تتهجى مبادئ العوم وشهوة العد، وألعاب صغيرة وسنارة مطعومة بالعجين والديدان لسمك يأتى طائعا لرزق يستر بطونا وأبدانا، هو الواحد المفرد للجميع، هو الجمع حين التفرد وغناء التغزل لفتى خجول كنى عن الحبيب حتى أدركته الجرأة فهتف بالسر خاليا وهو يعد على راكية الحطب شاياً مدخناً، مخروطاً ومطبوخاً بمعلمة سيجارة مبللة تهب أنفاسها الأولى من الجمر رأسا، فما ما كان من شيخ الجبل فى قبته وشموخ مقامه أن نزل إلى بره، وفرط شاش عمامته فوق ماء النهر الذى ابتسم تواطؤا وتفهما ليعبر الشيخ فى ظلمة ليلة عاصفة، فخفف النهر هياج موجه سامحا للشيخ أن يأتى بالغريب الملهوف فى البر الثانى لما حاشه الليل والموج فلجأ للنداء: ياااااا معداوى.