اكتشاف مقبرتين جماعيتين لرفات جنود من زمن الحملات الصليبية في لبنان

قلعة القديس لويس بصيدا
قلعة القديس لويس بصيدا

عثر اليوم السبت 18 سبتمبر، مجموعة من علماء الأثار علي مقبرتين جماعيتين تحتويان مجموعة من رفات جنود من زمن الحملات الصليبية بالقرب من قلعة القديس لويس في صيدا جنوب لبنان.

اكتشف العلماء علي عظام متكسرة، ومتفحمة، لما لا يقل عن 25 شابًا وصبيًا داخل خندق جاف بالقرب من القلع في المدينة الساحلية، ورجعت الدراسات أن بعضهم قد دفن بأوامر من أحد أشهر ملوك فرنسا في فترة العصور الوسطى، بحسب الموقع العلمي "لايف ساينس".

وأضاف الموقع العلمي، أن هؤلاء الرجال قتلوا خلال أو بعد إحدى معارك الحملات الصليبية، بينما أشار فحص بقاياهم إلى أنهم بين العديد من الأوروبيين الذين دفعهم الكهنة والحكام، بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر، لحمل السلاح في محاولة لاستعادة ما سميت بـ"الأراضي المقدسة"، لكن مثل كثيرين غيرهم ممن جاءوا للقتال، أو للنهب، انتهت الرحلة الشاقة لهؤلاء الجنود بالموت جراء جروح خطيرة أصيبوا بها خلال المعارك.

فيما تشير البحوث الي انه علي رغم الأعداد الهائلة للقتلى خلال الحملات الصليبية، فإنه يندر العثور على مقابر جماعية تعود إلى هذه الفترة التاريخية، وهو ما يزيد من أهمية اكتشاف المقبرتين.

وبحسب عالم الآثار بجامعة "بورنماوث" البريطانية، ريتشارد ميكولسكي، الذي نقب عن البقايا وحللها: عندما وجدنا الكثير من آثار الإصابات على العظام، تأكدنا أننا توصلنا إلى اكتشاف خاص.

وحلل علماء الآثار الحمض النووي جنبا إلى جنب مع النظائر المشعة التي تحدث بشكل طبيعي بأسنان الرجال، ليتأكدوا أن أعدادا من هؤلاء الجنود ولدوا في أوروبا، وانتهت حياتهم في وقت ما خلال القرن الثالث عشر.

كان قد سيطر الغزاة الصليبيون على قلعة القديس لويس للمرة الأولى بعيد الحملة الصليبية الأولى عام 1110، ثم احتفظوا بميناء صيدا الاستراتيجي لأكثر من قرن، لكن القلعة "سقطت" عقب تدميرها خلال هجومين: الأول كان تدميرا جزئيا على أيدي المماليك عام 1253، والثاني بواسطة المغول عام 1260.

وأضاف احد الباحثون للموقع العلمي انه من المحتمل جدا أن يكون هؤلاء الجنود لقوا مصرعهم خلال إحدى هذه المعارك، مؤكدا علي بشاعة طرق قتلهم، بسبب وجود اثاؤ طعنات علي العظام بواسطة سيوف وفؤوس، وأدلة على إصابات شديدة.

وتابع أن "الجنود أصيبوا بجروح في ظهورهم أكثر من الأمام، مما يشير إلى أن العديد منهم تعرض لهجمات من الخلف، ربما أثناء محاولات الفرار، وأشار توزيع الضربات أن المهاجمين طاردوا الصليبين المنهزمين على ظهور الخيل، كما ظهرت جروح بالشفرات على مؤخرات أعناق بعضهم، وهي علامة على احتمال أسرهم أحياء، قبل قطع رؤوسهم".

وتدل آثار أخرى على العظام إلى محاولة جرت لحرق الجثث، التي تركت بعد ذلك لتتعفن في ساحة المعركة، ثم نقلت في وقت لاحق إلى مقبرة جماعية.

ويكشف مشبك معدني تم العثور عليه بين العظام أن الجنود القتلى ينحدرون من منطقة تضم حاليا بلجيكا وفرنسا، بينما يشير تاريخ مقتلهم، إلى أن ملك فرنسا لويس التاسع، هو على الأرجح من أمر لاحقا بدفنهم.

وقال بيرس ميتشل، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة "كامبريدج": "تخبرنا السجلات الصليبية أن لويس التاسع كان على رأس حملة صليبية إلى الأراضي المقدسة وقت الهجوم على صيدا عام 1253".

وتابع: "توجه لويس التاسع إلى المدينة عقب المعركة وساعد شخصيا على دفن الجثث المتعفنة في مقابر جماعية مثل هذه".

وحسب "لايف ساينس"، قد لا يتوصل علماء الآثار أبدا بشكل قاطع إلى من قتل الجنود، لكن قبورهم المكتشفة توفر فرصة نادرة لدراسة تلك الحقبة التي لا يتوفر عنها الكثير من المعلومات.